أفادت «نيويورك تايمز» هذا الأسبوع بأنه حسب وزير الدفاع الأمريكي فانه «ليس للولايات المتحدة سياسة ناجعة على المدى البعيد للتصدي للبرنامج النووي الإيراني. في ذات اليوم بالذات، نشر الملك السعودي عبدالله مرسوما يقضي بإقامة هيئة حكومية، «مدينة علمية» كل غايتها «البحث والتطوير لكل جوانب الطاقة النووية». فهل هذه صدفة؟ يبدو أن نعم. ولكن تقدم البرنامج النووي الإيراني وحقيقة أن السياسة الأمريكية بشأنها لم تثبت نفسها حتى الآن تؤدي إلى تخوف الرياض من الاعتماد الحصري على ضمانات الدفاع الأمريكية، إذا ما حصلت عليها بالفعل. فما هي إذن خيارات السعودية عند التصدي لواقع يكون فيه لإيران قدرة نووية؟ هل تزيد التعاون مع الولاياتالمتحدة، هل «تغض النظر» وتحافظ على علاقات جيرة طيبة مع إيران، أم ربما تقتني رادعاً نووياً خاصا بها؟ تخوف العربية السعودية في أنه في سيناريوهات معنية من شأنها أن تتصدى وحدها لإيران نووية كفيل بان يدفعها إلى فحص كل الخيارات. يحتمل أن تكون السعودية فهمت بان من الصعب، وربما من غير الممكن، أن تمنع على مدى الزمن دولة مثل إيران لديها القدرة التكنولوجية والاقتصادية واتخذت قراراً استراتيجياً بتطوير قدرة نووية من استكمال هدفها. ومن غير المستبعد أن تكون طهران استنتجت بان اضطراراتها الأمنية وكذا المكانة والنفوذ المرافقين لحيازة مثل هذا السلاح تفوق الثمن السياسي والاقتصادي الذي تدفعه وستدفع. منذ العام 2006 مع انتهاء القمة السنوية ل «مجلس التعاون في الخليج» في الرياض، أعلنت السعودية، ومعها باقي دول الخليج عن اهتمامها بتطوير برامج نووية مستقلة لأغراض سلمية. الدافع المركزي خلفها، وإن لم يعطى لذلك تعبير علني، هو تطلعات إيران النووية. بصفتها الدولة العربية الرائدة في الخليج (وبسبب ضعف مصر) فإنها، رغم أنفها، قد تكون الرائدة في العالم العربي)، الخصم الإيديولوجي الديني والمنافس الأساس على النفوذ الإقليمي مع إيران، فإنها ستجد صعوبة في أن تقعد مكتوفة الأيدي إذا ما حازت الأخيرة قدرة نووية عسكرية. منذ العام 2003 افاد رئيس شعبة الاستخبارات السابق، أهرون زئيفي فركش لجنة الخارجية والأمن في الكنيست بان «السعوديين يجرون اتصالات في الباكستان لشراء رؤوس نووية متفجرة لصواريخ أرض أرض التي في حوزتهم... وقرروا العمل لصالح ميزان رعب حيال التسلح الإيراني، وفي نيتهم نصب الرؤوس المتفجرة الباكستانية على أراضيهم». رغم الشفافية النسبية والتعاون السعودي مع الأسرة الدولية في المجال النووي، لا تزال هناك شكوك غير قليلة حول مدى مصداقيتها، وذلك، في ضوء حقيقة أن في الماضي كانت لها علاقات «حميمة» مع الباكستان، بل وزعم غير مرة بأنها هي التي تقف خلف تمويل البرنامج النووي والصاروخي للأخيرة. ويذكر أنه بعد الثورة الإسلامية وعلى مدى سنوات الثمانينيات رابطت في السعودية قوات باكستانية وقد تعاونت الدولتان في مساعدة المجاهدين الأفغان. وعليه، إذا ما وجدت السعودية نفسها في وضعية أمنية حساسة يحتمل أن تسعى إلى تطبيق استثمارها في الخطة الباكستانية. لهاتين الدولتين السنيتين اللتين توجدان على جانبي إيران مصالح متطابقة. للباكستان معرفة وقوة بشرية خبيرة ولكنها عديمة المال، بالمقابل، لدى السعودية تمويل كبير ولكن ينقصها البنية التحتية ذات الصلة والقوة البشرية الخبيرة. لا يمكن استبعاد إمكانية أن تسعى السعودية إلى موازنة قوة إيران من خلال زيادة التعاون، في المجال النووي أيضاً مع صديقتها القديمة.وذلك رغم المخاطر السياسية ولا سيما في كل ما يتعلق بعلاقاتها مع الولاياتالمتحدة وحقيقة أن يوجد في هذا تضارب مع التزاماتها الدولة وموقفها المؤيد لشرق أوسط نظيف من السلاح النووي. إذا ما نصبت الباكستان سلاحاً نووياً في المملكة يحتمل ألا ترى السعودية في ذلك خرقا لنظام عدم نشر السلاح النووي الذي وقعت عليه، وبالتأكيد هكذا إذا ما بقي السلاح تحت السيطرة الباكستانية. هذا السيناريو تخميني وحظي بالنفي سواء من إسلام اباد ام من الرياض ولكن لا يمكن استبعاده استبعادا تاما ولا سيما إذا ما شعرت إيران بان الظروف تتيح لها «اختراق» نحو السلاح النووي. بسبب رفض الولاياتالمتحدة، اشترت العربية السعودية سراً في الثمانينيات بضع عشرات من صواريخ أرض أرض صينية من طراز CSS2 والتي بسبب عدم دقتها فإنها تتناسب فقط وحمل رؤوس متفجرة نووية. وحتى لو تقادمت هذه قليلاً إلا إنها توفر أساساً لرفع المستوى والتأهيل للطواقم. يحتمل أن في المستقبل أيضاً نشاطها في هذا المجال يكون سرياً كي لا تثير الانتقاد وتمتنع عن إحراج الولاياتالمتحدة. مؤخرا ظهرت في وسائل الإعلام السعودية أنباء بشرت برفع مستوى منظومة الصواريخ الإستراتيجية وتدشين منشأة قيادة وتحكم جديدة تعود إلى قوة الصواريخ في المملكة. تعبير عن حقيقة أنه في نظر الرياض يعتبر التهديد الإيراني خطير وفوري جاء على لسان وزير الخارجية السعودي مؤخراً، الفيصل الذي قال: «العقوبات هي حل بعيد المدى... ولكننا ننظر إلى البرنامج النووي الإيراني في مدى اقصر لأننا قريبون جدا من بؤرة التهديد ونحن معنيون بحلول فورية وليس تدريجية». التطورات المختلفة بالتالي كفيلة بان تدفع العربية السعودية إلى تقصير الأزمنة وبدلاً من تطوير بنية تحتية مستقلة، بسبب العجلة وانعدام البنية التحتية المناسبة في أراضيها، فمن غير المستبعد أن تفضل شراء مستلزماتها من الرف «TurnKey»، بالدخول إلى حلف عسكري مع الباكستان وفي سيناريوهات معينة أن ترابط في أراضيها قوات عسكرية نووية للأخيرة. الإستراتيجية السعودية متعلقة، ربما أكثر من أي شيء آخر بمسألة هل إيران ستجتاز الحافة النووية وبأي شكل؟ يبدو أن إيران آخذة في الترسخ في رحاب الحافة الأمر الذي يمنحها قسما من المزايا الخاصة بالدول النووية ويسمح لها، في توقيت مريح من ناحيتها، «باختراق» إذا ما قررت ذلك. إذا لم تجتز إيران الحافة النووية يحتمل أن تتمكن السعودية من الاكتفاء ب «غض النظر» واتخاذ خطوات رمزية كزيادة التنسيق والتعاون بين دول الخليج. ولكن إذا كان هناك يقين، من خلال تجربة نووية مثلا، بان إيران هي دولة نووية بكل معنى الكلمة فان السعودية سترى نفسها ملزمة بان تشتري، بمعنى الكلمة الحرفي، قدرة مشابهة. بالمناسبة، تلميح من جانبها بأنها مستعدة لان تسير في هذا الطريق، كفيل بان يكون طريقاً ناجعة للضغط على الولاياتالمتحدة لإظهار التزامها بحماية المملكة بقوة أكبر. رغم أنه في ضوء قدراتها ليس للسعودية بديل عن الاستناد إلى الولاياتالمتحدة، فانه سيكون في خلاف مع طبيعة السعودية أن تضع كل بيضها في سلة واحدة. من المعقول أنه لغرض بقائها ستسعى الأسرة المالكة إلى الحفاظ على كل الخيارات مفتوحة. إذا كان في نظر الرياض ستتضرر مصالحها الأمنية الجوهرية ويتعرض استقرار المملكة لخطر حقيقي، فإنها ستفضل اتخاذ سلسلة من الخطوات، حتى لو كانت متضاربة، لضمان أمنها. في ضوء غناها الفاحش وضعها العسكري من المعقول ان تسعى السعودية إلى بناء ترتيبات أمنية تمنحها مزيدا من الاستقلالية في اتخاذ القرارات وفرصا أفضل لإقامة ميزان ردع مستقر في الخليج على مدى الزمن. في الزمن الحالي لا يوجد دليل ملموس على أن السعودية تعتزم السير في هذا الاتجاه، رغم أن واقع السلاح النووي في يد إيران سيشكل تهديدا جسيما من ناحيتها. لا يوجد الكثير من الدول الهامة للولايات المتحدة مثل السعودية والمعاني النابعة من «الخيار السعودي» كفيلة بان تجبرها على أن تثبت بشكل ناجع بأنها ملتزمة بالدفاع عن المملكة. كل سياسة أخرى من شأنها أن تؤدي إلى أزمة في العلاقات بين الدولتين وهي ذات آثار جسيمة على المحيط الاستراتيجي لإسرائيل.