كتب: خالد عبدالهادي - نظر محمد في المرآة بعد أن ظفر بفرصة للفرار من منطقة القتال بصنعاء بين قوات الرئيس علي عبدالله صالح وقوات اللواء علي محسن التي أعلنت تأييدها للانتفاضة الشعبية فرأى ملامح شخص آخر بوجه شاحب مصفر و جسد نحيل بفعل خمسة أيام ذاق خلالها ألواناً من الخوف واقتصر طعامه فيها على وجبات خفيفة كان يتسلل تحت جنح الظلام لجلبها. واندهش محمد وهو اسم مستعار أكثر حين شاهد التلفاز ليجد أحداثاً سياسية دولية كبيرة قد وقعت ولم يعرف عنها شيئاً بعد انقطاعه عن العالم الخارجي نتيجة فصل التيار الكهربائي عن حيه منذ بدء المواجهات يوم 18 سبتمبر حتى نزوحه إلى منطقة بعيدة بعد خمسة أيام من الحصار. كان الخضري قصير القامة غالب الريمي يسابق الوقت المخصص لاستراحة قصيرة اضطر إليها طرفا القتال داخل حي الجامعة ثالث أيام القتال الطاحن بينهما لينقل بضاعته من محله البسيط إلى سيارة شحن صغيرة كي يتداركها من التلف وينجو بنفسه. وعلى الرغم من الأسى الذي كان مرتسماً على وجه غالب إلا أنه واحد من أكثر المدنيين المحظوظين في الحي الذي شهد قتالاً مرعباً من يوم الأحد 18 سبتمبر حتى يوم السبت 24 سبتمبر. فلو تأخر غالب يومين لوقع في مصيدة قناصة يعملون لحساب نظام صالح ملأوا المنطقة رعباً وحاصروا المدنيين داخل منازلهم موقعين عدداً كبيراً من جنود الفرقة الأولى والمارة قتلى وجرحى. والقناصة هؤلاء هم من قتلوا معظم الضحايا من ناشطي الانتفاضة وجنود الفرقة الذين بلغ عددهم نحو 100 خلال أيام القتال السبع وفرضوا حالة غير مسبوقة من الرعب في منطقة القتال باستهدافهم أي جسم يتحرك من سكان الأحياء والجنود والمركبات التي يقودها أصحابها في الشوارع الواقعة في مرمى رشاشاتهم. في أيام القتال الأولى فر جزء من سكان الأحياء التي تدور فيها المواجهات وتمسك قسم آخر بملازمة منازلهم منتظرين عودة الهدوء يوماً بعد آخر على الرغم من نوبات الفزع التي كانت تصيبهم أو توقظهم مفزوعين من نومهم مع كل انفجار يكون مصدره قذائف آر بي جي أو الرشاشات الثقيلة المنتصبة على مصفحات متمركزة داخل الأحياء. لكن مع اشتداد قسوة القناصة في اليوم الخامس من المواجهات تبددت آمال من تبقى من المدنيين المحاصرين داخل منازلهم فبدأوا المخاطرة بحياتهم والفرار تحت مظلة قاتلة من رصاص قناصة تعذر على قوات محسن تحديد أماكن بعضهم. اختلس محمد النظر من نافذة منزله المطل على مسرح القتال في اليوم الخامس فشاهد ثلاثة من جنود الفرقة يسقطون برصاص قناص أحكم سيطرته على شارع فرعي محاذ لساحة التغيير. واصل القناص فرض سيطرته على الشارع في اليوم التالي وأضاف المارة والسكان الذين يحاولون النزوح إلى قائمة ضحاياه. وشاهد محمد يومها واجهة سيارة جاره تتحطم فجأة برصاص القناص بينما كان يهم بشحن أغراضه للفرار. فر جار محمد مع أطفاله الثلاثة سريعاً لكن زوجته حوصرت في الداخل وارتفع صوتها يملأ المكان بالبكاء. وبعدها يسقط مدني آخر حاول اجتياز الشارع ويصيح طالباً الإسعاف. وحمل ذلك الرعب باقي السكان على النزوح لتكتمل موجة نزوح جماعي لآلاف من المدنيين، كانوا الطرف المنسي في المواجهات وشكلوا عملية نزوح ناقصة الأركان توافر فيها عددهم الكبير وغابت أماكن اللجوء ومخيمات الإيواء. شمل القتال منطقة واسعة تضم حيي القاع والجامعة وشوارع الزبيري وهائل والأمم المتحدة والطرف الجنوبي من ساحة التغيير. في اليوم السابع من القتال كان الوجوم يسيطر على محمد في منزل قريبه الذي أوى إليه وهو يسمع روايات مرعبة تفوق ما شاهده. تحدثت أكثر الروايات تطابقاً عن مختل عقلي ظلت جثته ملقية ليومين في شارع هائل بعد أن قضى برصاص القناصة.