قالت شفيقة مرشد عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني ان أمام النساء اليوم فرصة تاريخية يجب استغلالها لتأصيل حقوقهن دستوريا وقانونيا وبما يمكنها من الاسهام الفاعل والمؤثر بالدفع بعملية التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الشاملة. واضافت في كلمتها في يوم المرأة العالمي ان الغاء نص المادة (27) من دستور دولة الوحدة يعد تراجعا صريحا لالتزامات اليمن بتعهداتها الدولية في مجال حقوق الانسان. ودعت شفيقة مرشد الى اعادة المرأة الى كنف الدستور، بإعادة النص المحذوف من دستور دولة الوحدة وموائمة القوانين الوطنية بالاتفاقات والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها اليمن وصادقت عليها والخاصة بالحقوق والحريات وتثبيت ذلك في الدستور الجديد. نص الكلمة: 8 أذار يوم المرأة العالمي اصبح يوم الثامن من مارس يوما عالميا تحتفل فيه النساء في كل العالم كما تحتل به الاممالمتحدة وكل القوى المناصرة والداعمة للحقوق الانسانية للمرأة في التعليم والعمل والصحة والسكن والمشاركة السياسية في الحياة العامة. ويشكل هذا اليوم موقفا تضامنيا من كل هذه القوى لدعم نضالات المرأة، واستعراض تاريخ هذا النضال من أجل المساواة والعدل والسلام والتنمية، على امتداد أكثر من تسعة عقود من الزمن. خصص هذا اليوم للوقوف أمام أوضاع المرأة والمتابعة المستمرة للتقدم المحرز للمرأة في كافة الارصدة الحياتية. كيف تم اختيار هذا اليوم؟ وما هي الخلفية التاريخية له؟! جاءت فكرة اليوم العالمي للمرأة لاول مرة في بداية القرن الذي شهد خلاله العالم الصناعي تطورا اقتصاديا ونموا في السكان وظهور ايديولوجيات راديكالية. يرتبط هذا اليوم تاريخيا باسم المناضلة الالمانية كلازيتكن التي اقترحت في مؤتمر للاشتراكية الدولية المنعقد في كوبنهاجن عام 1910 م تخصيص يوم 8 مارس ليكون يوما يجري فيه الاحتفال تخليدا لذكرى عاملات ورش الخياطة والنسيج في مدينة شيكغو بنيويورك اللواتي خرجن في مثل ذلك التاريخ 8 مارس من العام 1857 م في مظاهرة عمالية طالبت بتحسين ظروف واوضاع العمل من حيث الاجور وساعات الدوام وساعات الدوام والمساواة في الحقوق مع العمال، جوبهن بقمع وضرب رجال الامن وسقطت العديد منهن شهيدات. ومنذ ذلك التاريخ اصبح ليوم الثامن من مارس بعدا عالميا سواء كان ذلك في البلدان المتقدمة او البلدان النامية. وساعدت الحركة النسوية العالمية المتنامية والتي عززتها اربعة مؤتمرات دولية عقدت بشأن المرأة وساعدت على جعل الاحتفال فرصة لحشد الجهود المتظافرة الداعمة لمشاركة المرأة في العملية السياسية والاقتصادية. 1 - مؤتمر المكسيك فغي 1975 حيث تم اقرار واعلان عقد المرأة (1976-1985) 2 - المؤتمر الثاني للمرأة في كوبنهاجن. 3 - المؤتمر الثالث للمرأة العام 1985 المنعقد في نيروبيكينيا للنهوض باوضاع المرأة وادماجها في عملية التنمية، تحت شعار العمل من اجل المساواة والتنمية والسلام، لتصبح المساواة حقيقية مع بداية القرن الحادي والعشرين. 4 - المؤتمر العالمي للمرأة في العام 1995 م في بكين - الصين الذي كان من اهدافه: - مراجعة وتقييم مدى التقدم المحرز لوصفية المرأة. - تبني قضايا اساسية يمكن ان تكون معوقات امام تقدم اوضاع غالبية النساء في العالم. - تحديد الاولويات التي يجب ان تتبع لتطبيق الاستراتيجية داخل الاممالمتحدة خلال الاعوام (1996-2000) غير ان تخصيص يوم 8 مارس كعيد عالمي للمرأة لم يتم الا بعد سنوات طويلة، لان منظمة الاممالمتحدة لم توافق على تبني تلك المناسبة الا في العام 1977 م. وفي بلادنا احتفلت المرأة لأول مرة بالثامن من مارس في العام 1975 وكرست انشطتها فيه على طريق انعقاد المؤتمر العالمي الاول للمرأة الذي انعقد في المكسيك. المسار التاريخي لنشوء وتطور الحركة النسوية اليمنية. كانت المرأة اليمنية - كغيرها من نساء العالم - في كل الانظمة الاجتماعية المتخلفة - تعاني من اضطهاد مزدوج. اضطهاد ضمن اطار الاسرة واضطهاد ضمن اطار المجتمع فضمن اطار المجتمع عانت المرأة كغيرها من قطاعات الشعب المختلفة من عسف الانظمة العبودية والاقطاعية وشبه الاقطاعية والاستعمارية ومن استغلال العلاقات الاجتماعية وما تفرزه من تشريعات وقوانين. فلم تستطع المرأة ان تعبر عن رأيها في كافة السياسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهي لم تحرم من حقها في المشاركة في الشأن العام، وانما حرمت وتحرم باستمرار من طرح رأيها في فيما يتخذ من قرارات على مستوى الاسرة ايضا، وذلك بسبب جهلها او بسبب القيود الاجتماعية التي فرضت عليها واسقطت عنها كثير من الحقوق، كحقها في التعليم وفي العمل والتملك او اختيار شريك حياتها ولم يكن لها من حق سوى حق واحد هو ان تنجب الاطفال وبشرط ان يكون هؤلاء الاطفال ذكورا لان الاناث غير مرغوبات. لم يكن الاستعمار البريطاني في الجنوب ولا النظام الامامي في الشمال حريصين على نشر التعليم وخاصة تعليم البنات، كما كان تعليم البنين لا يهدف الا الى تخرج عدد من الموظفين ليشغلوا وظائف ادارية بسيطة في أجهزة الدولة. كان لاستقلال عدد من البلدان العربية عقب الحرب العالمية الثانية وما تبع ذلك من اتصالات بين الدول العربية أثره الطيب والمثمر في توسيع نظرة المجتمع نحو التعليم بصورة عامة وتعليم البنت بصورة خاصة. ومن حينها بدأت الدعوات المطالبة بتعليم المرأة تأخذ طريقها الى الصحافة في عدن، وقد تصدرت صحيفة فتاة الجزيرة، ورئيس تحريرها آنذاك الاستاذ محمد علي لقمان في اربعينيات القرن الماضي الدعوة لتعليم المرأة واعطائها فرص التعليم في المناطق الجنوبية أكثر حظا من أختها في الشمال، حيث بدأ لتعليم مبكرا، ولقيت الدعوات بأهمية تعليم البنت في عدنوحضرموت استجابة وزادت جهود الافراد لتعليم بناتهم، وفتح البعض بيوتهم بمبادرات لذلك. ومن أشهرهم في عدن الفقيه حيدر سعيد عبده وبمساعدة ابنتيه نور ولولة. وفي حضرموت الشيخ عبدالله الناخبي وبمساعدة زوجته وابنته. ويعتبر العام 1935 معلما بارزا في تاريخ المرأة اليمنية حيث تم فتح مدرستين للبنات في الشيخ عثمان وكريتر، وبدأ الاباء يقبلون تدريجيا في ارسال بناتهم الى المدارس. نشأ عن ذلك تخرج جيل من الرعيل الاول من الفتيات اللاتي حصلن على قدر معين من التعليم أتاح لهن فرصة العمل في بعض المهن كالتدريس والتمريض وأعمال الطباعة والسكرتارية. وعلى الرغم من خروج الفتيات من الرعيل الاول الى ميدان العمل الا أنن لم يكن قادرات على اداء ادوارهن بفاعلية بسبب القيود الاجتماعية والقانونية المقيدة لحركتهن .. فظهرت بعض الدعوات والنداءات في الصحف للمطالبة بإعطاء المرأة نوعا من الحرية والحق في المساواة وفي العمل على تشكيل تنظيم نسوي خاص بهن. لقد حرمت المرأة والرجل معا قبل الاستقلال من المشاركة في الحياة السياسية، ومع ذلك ضل للمرأة دورا كبيرا في دعم المشاركة السياسية المفتوحة للرجل، مما عكس وضعا سياسيا متقدما حينها للمرأة. واستمر الحال حتى الخمسينات من القرن الماضي، عندما انطلقت الحركة القومية والانسانية لتفرض نفسها على واقع الحياة السياسية، وهبت المرأة وبقوة لتأييد القضية الفلسطينية والثورة المصرية والثورة الجزائرية، فخرجت الى الشوارع تتظاهر تأييدا لها وتجمع التبرعات، وكان أكثر ابتهاجها هو احتفالها بجلاء القوات البريطانية عن قناة السويس 1956 م، بريطانيا، فرنسا، اسرائيل، وأعلنت عن تشكيل لجان التبرع المالي من المواطنين والتجار والشركات وتم ايصال تلك التبرعات عن طريق جمعية الهلال الاحمر المصري. كما اتحدت مع الرجل في العمل الوطني في المطالبة بخروج القوات البريطانية من عدن. ومع العام 1958 م بدأت الحركة النسوية في التطور بشكل نسبي، حيث تمكنت بعض الفتيات اللاتي أتيحت لهن فرصة التردد على نادي نساء عدن الذي كانت تديره زوجة نائب المندوب السامي البريطاني، ومع مرور الوقت ازداد عدد الفتيات في هذا النادي. ونتيجة لتطور نضال الحركة النسوية في عدن، ومن اجل احتواء نضالها سمحت السلطات البريطانية بانشاء أول مؤسسة نقابية للمرأة في تاريخ البلاد، وبذلك تأسست جمعية المرأة العدنية برئاسة الفقيدة المناضلة رقية ناصر المعروفة باسم ام صلاح محمد علي نعمان. كان العمل السياسي في هذه الفترة قد بدأ ينمو وينشط ومعه تنامى الوعي السياسي في صفوف المرأة، وتجسد ذلك في: 1 - رفع رسالة احتجاج الى المندوب السامي ضد سياسة التنكيل والقمع التي كانت تجابه بها نشاطات القادة النقابية. 2 - الاتشاح بالسواد حيث لبس ملابس سوداء عند لقائهن زوجة وزير المستعمرات البريطاني في نادي نساء عدن عند زيارته لعدن، تعبيرا عن رفضهن للسياسة البريطانية في محاكمة النقابيين في 30 اكتوبر 1958 م. 3 - قيادة مظاهرات صباحية تندد بأساليب السلطة الاستعمارية الوحشية في قمع الجماهير. وفي يناير 1960 تكونت جمعية المرأة العربية بقيادة المناضلة رضية احسان الله كفرع تابع لحزب البعث العربي الاشتراكي في عدن. بعض اساليب نضال المرأة في عدن: اولا: لعل أهم انتفاضة قامت بها المرأة اليمنية هي انتفاضة طالبات كلية البنات في خور مكسر - مدينة عدن في الاول من فبراير 1962 ضد السياسة التعليمية الاستعمارية، وأعلنت الاضراب العام والخروج في مظاهرات حاشدة، سرعان ما تجاوب معها الطلاب في مدارس البنين، واشتركا معا في مظاهرات صاخبه جابت كل مدينة عدن تندد بالاستعمار ومشاريعه. قوبلت بالقمع الشديد ومحاولات الالتفاف عليها وتمييعها التي لم تجدي نفعا مما أضطر السلطات الاستعمارية الى إغلاق جميع مدارس الثانوية. وفي 14 مارس أعادت السلطات فتح البنين كإجراء تأديبي ضد الطالبات .. وتعرضت 6 طالبات للمحاكمة وفرضت الغرامة عليهن وضمان حسن السلوك لضمان عدم تكرار ما حدث وهن: - عيشة سعيد نالية، نجاة راجح، هيام معتوق، أنيسة سليمان، منيرة منيباري، وعادلة عوض. اما طلاب مدارس البنين فقد هددوا بالنفي الى محمياتهم والحرمان من مزايا السكن والاعاشة في أقسام مدارسهم الداخلية. أحدث الاضراب صدى واسعا في أوساط الحركة الوطنية كاملة، وتجاوز حدوده التعليمية ليترك أثره في أوساط مختلف الفئات الوطنية بما فيها حركة الضباط الاحرار الذين قادوا الثورة على الحكم الامامي في صنعاء سبتمبر 1962 م، وهو ما عبر عنه الشاعر العظيم عبدالله البردوني بقوله: هتاف هتاف وماج الصدى وأرغى هنا وهنا أزبدا ولم تتمكن طالبات كلية البنات من العودة للدراسة الا في أكتوبر 1962 م بعد الاستجابة لبعض مطالبهن. ثانيا: الزحف على المجلس التشريعي يوم 24 سبتمبر 1962 م والذي صادف انعقاد الجلسة الخاصة للمجلس لمناقشة واقرار ضم عدن الى اتحاد الجنوب العربي، وهو المشروع الذي لقي معارضة واسعة من الشعب وقواه الوطنية لأنه يشكل جزءا من مخطط عام يستهدف تفتيت وحدة أراضي الجنوب ولا يتمتع بالقرار السيادي على شؤنه أو يتمتع بالشخصية الدولية. وصنعت القوى الوطنية خطة الزحف تشارك فيها كل فئات الشعب، غير أن السلطات البريطانية أحيطت علما بها فأقامت المتاريس والتشديدات الامنية والتي أعاقت من تحرك الرجال، مما دفع بالنساء بالتقدم نحو المقر. وكان من ابرزهن: ام عبدالله الاصنج، وام محمد سالم علي، وام عبده خليل سليمان ورضية احسان الله واخريات. تم القاء القنابل المسيلة للدموع وقنابل حارقة من قبل الطيران الحربي لمنع التقدم نحو مقر المجلس، سقط من جراءه عدد من الجرحى وتعرضت المناضلة رضية احسان الله للاعتقال، لكن الهدف من الزحف كان قد نجح. خرجت المرأة من احداث الزحف على المجلس التشريعي أكثر قوة وقدرة على الاستمرار في النضال الوطني السلمي ضد السياسات الاستعمارية، وابتدعن اسلوب نضالي جديد هو الاعتصامات. ثالثا: اعتصام المرأة: تعرض المندوب السامي البريطاني وعدد من وزراء حكومته لحادث مسلح في مطار عدن الدولي يوم العاشر من ديسمبر 1963 م، قتل فيه مساعده وجرح آخرين. حينها اعلن قنون الطوارئ واعتقل عدد كبير من القوى الوطنية وقاداتهم السياسية. امام وضع كهذا كان أمام النساء ادانة القانون وما تبعه من انتهاكات واعتقالات عشوائية وقررن الاعتصام السياسي في مسجد العسقلاني في كريتر. ففي 26 سبتمبر 1963 قامت زوجات وامهات المعتقلين بالاعتصام في مسجد العسقلاني بعد ان دخلن المسجد قبل انهاء خطبة وصلاة الجمعة المنقولة عبر اذاعة عدن مما ساعد على انتشار الحدث، وعدم قدرة السلطات مداهمة المسجد وانهاء الاعتصام. لاقى الاعتصام دعما داخليا وخارجيا ونقلته صحيفة الاهرام المصرية واذاعة صوت العرب، وترك ردود فعل غير متوقعة لدى السلطات البريطانية .. فقد وصل عدن في 29 ديسمبر 1963 وفد حزب العمال البريطاني المعارض وزار المعتصمات وأطلع على دوافع اعتصامهن وأبدى أعجابه بمواقفهن، وصرح احد أعضاء الوفد أن شعبا هذه روح نسائه سوف يكون النصر من نصيبة. وقد اثار الوفد العمالي هذه القضية في مجلس العموم البريطاني وواجه وزير المستعمرات مساءلة من المجلس حول الاوضاع المضطربة في عدن. انتهى الاعتصام الاول في 10 يناير 1964 م بعد وساطة قام بها رئيس وزراء حكومة الاتحاد زين باهارون ونائبه حسن خدابخش الذين تعهدا بتحقيق مطالبهن، لكن تلك الوساطة لم تكلل بالنجاح. عادت النساء الى الاعتصام ولكن هذه المرة مع اطفالهن في مبنى سكرتارية حكومة اتحاد الجنوب العربي، في مدينة الاتحاد (مدينة الشعب حاليا) وذلك في آخر أيام شهر رمضان المبارك، الموافق 4 فبراير 1964 م. وسبب اختيارهن لهذا المكان شللا في عمل حكومة الاتحاد وتعاطفا شعبيا كبيرا مع مطالب النساء. واضطرت بعدها السلطات الاستعمارية الى فك اسر أزواجهن وابنائهن في يوم عيد الفطر المبارك. غير ان التحول الحاسم في مسار نضال المرأة كان في اكتوبر 1963 بإنتاج اسلوب الكفاح المسلح ضد المستعمر وأعوانه بعد أن فشلت كل الوسائل السلمية، دفع المرأة الى المشاركة الواعية من أجل الحرية والسيادة والاستقلال. فخلال السنوات الاربع من الكفاح المسلح ضد الاستعمار شاركت أعداد غفيرة من النساء في عدن وفي الارياف في هذا الكفاح، وانضممن الى التنظيمات السياسية التي قادت الكفاح المسلح (الجبهة القومية لتحرير جنوباليمن المحتل) وبعدها (جبهة تحرير جنوباليمن المحتل) كأعضاء قدن المظاهرات في الشوارع وتوزيع وطباعة المنشورات والبيانات الثورية، والرسائل الشفوية والمكتوبة والاسلحة والذخائر عبر نقاط التفتيش العسكرية البريطانية، وتوفير الغذاء للمناضلين في الجبهات ورصد تحرك الاعضاء وتوعية النساء وتعبئتهن للوقوف الى جانب الثورة، اضافة الى اخفاء الفدائيين في منازلهن والقيام بحملات التبرعات. ومنهن من حملن السلاح وقاتلن مثل الفقيدة المناضلة دعرة بنت سعيد والفقيدة المناضلة صالحة ام المناضل الشهيد علي شايع هادي والمناضلة الشهيدة خديجة الحوشبية التي كانت التي كانت قائد كتيبة واستشهدت في احد المعارك. وساهمت المرأة في تحرير المناطق الريفية وفي حراسة المناطق المحررة، كما اسهمت في نضالات النقابات العمالية والطلابية. في خضم ذلك النضال التحرري تشكل القطاع النسوي للجبهة القومية لتحرير جنوباليمن بقيادة الفقيدة زهرة هبة الله علي وتشكل القطاع النسوي لجبهة تحرير جنوباليمن الممثل بقيادة المناضلة رضية احسان الله. ولعب القطاعان دورا موازيا لدور مختلف قطاعات الشعب، وبنفس القدر من الحماس لعب القطاع النسوي لحزب الاتحاد الشعبي الديمقراطي دورا لا يمكن الاستهانة به. بعد هذا التطور في العمل الوطني شهدت عدن اهتماما واضحا لدى المرأة بالعمل السياسي خاصة وان الجبهة القومية لتحرير جنوباليمن المحل اعتبرت المرأة شريك اساسي مع الرجل في النضال الوطني وما بعده، ولم تكن قد حظيت بموقف مماثل على هذا المستوى من الوضوح من قبل. حيث جاء في الميثاق الوطني للجبهة القومية الصادر 1965 م ان الاستعمار أهدر كثيرا من الطاقات البشرية خلال فترة حكمه الطويل وعانت المرأة اصنافا من الظلم والذل والاستبداد وان اعادة الحقوق الطبيعية للمرأة ومساواتها بالرجل في قيمتها ومسؤولياتها الاجتماعية ضرورة لا تحتمها قواعد العدالة الانسانية وحدها وانما يفرضها وجود المرأة ذاته في الحياة بما تمثله كشريك كفء مساعد في طاقة المجتمع وقدراته الانتاجية. بعد الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967 م، بدأ الحزب الحاكم في الجنوب (الجبهة القومية - الحزب الاشتراكي اليمني) في تنفيذ مجموعة من السياسات لحل معضلة التنمية الاقتصادية الاجتماعية وعلى رأسها تغيير وتحسين وضع المرأة، وفي هذا المجال بدأ بسن سلسلة من القوانين والاجراءات بدءا من وضع اول دستور للبلاد عام 1970 م، والذي اكد على المساواة الكاملة والفعلية بين المواطنين رجالا ونساء، ولم يكتف بذلك بل حمل منظمات الحزب والمنظمات الجماهيرية والمؤسسات الحكومية مسؤولية الرقابة الكاملة على تنفيذ القوانين الخاصة بحقوق المرأة وواجباتها ومساعدتها وتشجيعها للمشاركة بفاعلية في مختلف ميادين الحياة. وقد كان أهم قانون جسد فعليا حقوق المرأة والاسرة هو قانون الاسرة رقم 1 لعام 1974 م الذي حدد كثيرا من المسائل الهامة المتعلقة بوضع المرأة، وجاءت معظم مواده تجسيدا لمبدأ المساواة الذي نص عليه الدستور. كما اورد الدستور هذه الحقوق ضمن الاسس الاجتماعية والثقافية للمجتمع، وارتقى بهذا الحق وجعله من الاسس التي يرتكز عليها النظام الوطني. فالمادة (27) من الدستور تنص على ان الدولة تشجع الزواج وتكوين الاسرة، وينظم القانون علاقات الاسرة على اساس المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات. لقد شاركت المرأة ولأول مرة في تاريخ اليمن في الانتخابات التي جرت 1971 م لمجالس الشعب المحلية وبلغت نسبة تواجدها 0.5٪ من قوام المجلس، كما كان تواجدها في مجلس الشعب الاعلى في ارتفاع دائم فمن 5 عضوات في اول برلمان سنة 1978 م الى 11 عضوة منتخبة في برلمان 1987 م من اصل 111 عضوا اي بنسبة تزيد عن 10٪. لقد مكنت القوانين والاجراءات والسياسات المسبقة من تحقيق توسع ملحوظ في مشاركة المرأة في كافة الانشطة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كما مكنت هذه التغييرات من الحد من تأثير الموروث الثقافي، وتم وضع منهج علمي تربوي مع التوسع في تعليم البنت، حيث بلغت نسبة الاناث الملتحقات بالتعليم العام الى عدد الاناث في سن الدراسة عام 1980 نسبة 51٪، كما بلغت نسبة الاناث الخريجات من مجموع خريجي جامعة عدن العام 1983 م نسبة 46٪ بينما كانت نسبة الاناث اللاتي التحقن بالمدارس الى مجموع الاناث في سن الدراسة عام 1960 م (قبل الاستقلال) لا تتجاوز 5٪، كما ان نسبة الامية قد قدرت ب 91٪ من مجموع الاناث عام 1967 م (أي عام الاستقلال). لقد ادت سياسة افساح المجال أمام المرأة لتولي مناصب قيادية حزبية وحكومية فقد وصلت الى عضو هيئة رئاسة الدولة ونائب وزير في عام 1980 م كما دخلت مجال عمل الشرطة والعمل العسكري والعمل الدبلوماسي، وفي مجال السلطة القضائية والادعاء العام، حيث عملت كقاضية منذ بداية سبعينات القرن الماضي، وقد تكون بذلك اول من اشتغل في هذا المجال من نساء الوطن العرب وهي القاضية الفقيدة حميدة زكريا، وتوالى عددهن الى 34 قاضيا، وبعد حرب 94 م الظالمة جرى تحويل عدد كبير منهن الى العمل الاداري. لقد شكلت اليمن حينها حالة متميزة بين البلدان النامية بفعل ما احدثته من تغييرات جوهرية في القضايا المتعلقة بالمرأة. اما في الجزء الشمالي من الوطن، فلم تحظى المرأة بحقها في التعليم والعمل الا بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 م، وشكل النظام السياسي السائد حينها القائم على الموروث الثقافي الاجتماعي التقليدي القبلي المتحالف مع الجماعات الدينية المتشددة عائقا أمام جهود الحركة الوطنية المستنيرة لاخراج المرأة من عزلتها المفروضة عليها اجباريا للنضال من اجل حقها في التعليم والعمل والممارسة السياسية. فبعد الثورة بشهور بدأ تعليم الفتيات واتسع وشاركت الكثير منهن في أنشطة الاتحادات الطلابية في المدن الرئيسية والمسيرات والمهرجانات الجماهيرية. وقد أثبتت المرأة جدارة حقيقية في اسناد المقاتلين دفاعا عن العاصمة صنعاء أثناء حصار السبعين يوما (67 ديسمبر - 68 فبراير) وحملت عاملات مصنع الغزل والنسيج السلاح لحماية مصنعهن حتى هزم الحصار. قامت المناضلة الفقيدة حورية المؤيد والمناضلة فتحية النظاري بأولى خطوات تشكيل اتحاد نسائي يعنى بشؤون المرأة وذلك في العام 1969 م، الا أن محاولتهن قمعت من قبل السلطة حيث تزامن ذلك مع تراجع التيار التقدمي الثوري للثورة وصدور دستور 1976 م في الجمهورية العربية اليمنية الذي حرم العمل السياسي بمادته الشهيرة رقم (27) "الحزبية بجميع أشكالها محضورة". مما دفع بالعمل الحزبي لاحزاب اليسار والاحزاب القومية بأن تنشط تحت الارض (أي سرا) وقد شاركت المرأة في نشاط هذه الاحزاب. ومع تزايد اعداد المتعلمات وخريجات جامعة صنعاء في منتصف سبعينات القرن الماضي، عادت محاولات احياء العمل النسوي، فتكونت الجمعيات النسوية في المدن قادتها المناضلات: ليلى الوادعي في صنعاء وصباح عبدالسلام في تعز وطيبة بركات في الحديدة غير انهن قمعن وجرى استبدالهن بعناصر تابعة للسلطة القائمة. لقد تعرض عدد كبير من النساء لبطش السلطة "العسقبلية" من اعتقالات وتعذيب بسبب نشاطهن السياسي. ومنهن من ولدن أبنائهن في السجون ومنهن من أحرقن وهن حوامل كقبول الورد وتعرضن لأنواع تعذيب لا تخطر على بال. مما ترك أثره السلبي على مشاركة النساء في العمل السياسي الحزبي قبل الوحدة، ولم يكن للمرأة أي تواجد في مواقع السلطة التنفيذية أو في مجلس الشورى المعينة او المنتخبة، وقد حاولت 8 نساء الترشيح في انتخابات مجلس الشورى عام 1988 م، حيث كان الدستور يسمح لهن بذلك - الا انهن قمعن وهددن بسبب تجرؤهن على استخدام هذا الحق - مما اضطرهن الى سحب الترشيحات. وبعد قيام وحدة الشطرين في 22 مايو 1990 م والتي أكدت على أهمية الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية كأدوات لحل المعضلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لليمن. كان الامل يملأ صدور المناضلين والمناضلات اليمنيين بنيل كثير من الحقوق وتوسيعها على مستوى الوطن اليمني. غير أن الظروف والتطورات التي شهدتها الساحة اليمنية، والازمة السياسية بين شركاء الوحدة ثم حرب 94 م الغادرة والظالمة، جاءت بغير ما حلم به اليمنيون وتمنوه، وحدثت انتكاسة حقيقية ليس على مستوى قضية المرأة فحسب بل وعلى مستوى القضية الوطنية اليمنية، اذ اختل التوازن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لصالح الفئات التقليدية ومراكز القوى القبلية التقليدية، التي حاولت وتحاول فرض أفكارها وقيمها قسرا على المجتمع، وهذا ما أثبته تراجع تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة ومؤسسات المجتمع المدني. ففي أول برلمان لدولة الوحدة كان عدد النساء فيه 11 امرأة من اجمالي 301 عضوا أي بنسبة 3٪ تقريبا. وكنا نأمل أن تكون هذه النسبة القاعدة التي تتراكم عليها زيادة نسبة مشاركة النساء في المجالس المنتخبة. غير أن انتخابات اعوام 1993 م و 1997 و 2003 م خيبت الآمال وكادت أن تصل النسبة الى الصفر. حيث فازت عضوتان فقط في انتخابات 93 و 97 وواحدة في 2003 وبصعوبة. لقد وقعت الحكومة على اعلان القضاء على التمييز ضد المرأة الذي أصدرته الاممالمتحدة في نوفمبر 19967 م كما انظمت الى اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة وكل ذلك جعل الاعلان والاتفاقية ضمن القانون الوطني في اليمن .. أي انه ملزم للدولة حكومة وشعبا. لكن ذلك لم يمنع المشرع اليمني من سن نصوص عنصرية قائمة على تمييز واضح ضد المرأة بعد الانقلاب على دستور دولة الوحدة بعد حرب 1994 م وبما لا يتفق وبما لا يتفق والاعلان والاتفاقيتين الدوليتين. كان دستور دولة الوحدة (1990) منصفا، حيث أكد على مبدأ المساواة، وحرم التمييز في الحقوق والواجبات، حيث كان النص: "المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس او اللون او الاصل او اللغة او المهنة او المركز الاجتماعي او العقيدة". ولم يكتف المشرع حينها بذلك بل زاد بوضع احكام أخرى تحظر التمييز بين المواطنين من ذكر أو انثى في مختلف مجالات الحياة وكافة الحقوق، ومن تلك الاحكام ما ورد في المادة (19) التي نصت على "ان تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتصدر القوانين لتحقيق ذلك ". بعد حرب 1994 العبثية الظالمة جرى الانقلاب على دستور دورة الوحدة، واستعيد نص دستور الجمهورية العربية اليمنية وحذف النص الذي يحرم التمييز في الحقوق ضد المرأة. ليصبح نص المادة من الدستور المعدل في المادة (41) على النحو التالي: "المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة" وتم حذف بقية المادة (27) من دستور دولة الوحدة والتي تنص على انه لا تمييز بسبب الجنس او اللون او الاصل او المهنة او المركز الاجتماعي او العقيدة ". كم اضيفت مادة في الدستور المعدل كالتالي: المادة (31) والتي نصت على ان النساء شقائق الرجال لهن من الحقوق ما عليهن من الواجبات بما تكفله وتوجهه الشريعة وينص عليه القانون ". وهذا النص مأخوذ بالحرف من دستور الجمهورية العربية اليمنية قبل الوحدة. وهو نص يوحي بأن هناك تمييزا بين الجنسين، وان هناك حقوقا للمرأة تختلف عن حقوق الرجل، وتمييز للرجال على النساء في الحقوق الدستورية والقانونية، وجعل الدستور حقوق الرجال في الباب الثاني للدستور تحت عنوان "حقوق وواجبات المواطنين الاساسية" وتحدث عن حقوق المرأة ليس في باب الحقوق وانما في الفصل الثالث من الباب الاول وتحت عنوان " الاسس الاجتماعية والثقافية "ومؤدى ذلك أن الدستور -. النافذ حاليا - خال من حقوق المرأة فقد احال حقوقها الى الشريعة والقانون، وجرى تقويم حقوقها وان عليها ان تبحث عنها في ثنايا النصوص القانونية وأحكام الشريعة. ان الغاء نص المادة (27) من دستور دولة الوحدة يعد تراجعا صريحا من التزامات اليمن بتعهداتها الدولية في مجال حقوق الانسان والحقوق المكتسبة للنساء في الجنوب. لذا ونحن على وشك وضع جديد دستور، فإنا ندعو الى اعادة المرأة الى كنف الدستور، بإعادة النص المحذوف من دستور دولة الوحدة وموائمة القوانين الوطنية بالاتفاقات والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها اليمن وصادقت عليها والخاصة بالحقوق والحريات وتثبيت ذلك في الدستور الجديد. لقد قدمت المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية ثم قراري مجلس الامن (2014) و (2051) آفاقا واسعة لتجاوز حالة الاقصاء والتهميش والتمييز التي فرضت على المرأة طويلا، ورسخها انسداد أفق التحول الديمقراطي والاصلاح السياسي بعد الوحدة. وأمام النساء اليوم فرصة تاريخية يجب استغلالها لتأصيل حقوقهن دستوريا وقانونيا وبما يمكنها من الاسهام الفاعل والمؤثر بالدفع بعملية التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الشاملة بعد اخفاقات متواصلة في تحقيق مستوى تنموي يلبي احتياجات اليمنيين نتيجة عدم اشراكها في الحياة السياسية والاقتصادية.