لم تكتمل القصة بعد، لكننا نعيش فصولها الأخيرة قد تطول وقد تقصر لكنها النهاية من تلوح في الأفق اليمني خاتمة حقبة تاريخية هي الأشد بؤساً وكارثية شهدنا فيها عودة شبح الإمامة وقد ظهر من عباءة النظام السابق الذي ارتدى ثوب الجمهورية لقتل الجمهورية وبعث نظامه الوراثي الجديد والهجين (الإمامي الجمهوري) في محاولة لاعتباط التاريخ والمزج بين حقبتي ما قبل سبتمبر 62م وما بعده قبل ان يجتمع أنصار الحقبتين ومعهما أنصار حقبة ثالثة تولدت في كنف النظام الهجين واختلفت مصالحها معه، فالتحقت بالثورة بحيث توحد الجميع بوجه النظام وزعيمه صالح في ثورة شعبية عارمة واحدة ولكن بثلاث رايات جمهورية وإمامية وهجينة، أرادها الجمهوريون استعادة لجمهوريتهم المفقودة مرتين شمالاً في 67م وجنوباً في 94م، وارادها الإماميون استعادة ملكية ما قبل سبتمبر، وأرادها المهجنون فرصة لوراثة صالح والإبقاء على النظام نفسه وبالأدوات والطريقة نفسها التي أدار بها البلد. وإزاء ذلك كان طبيعياً ان يبدأ الصراع داخل معسكر الثورة مبكراً للاستحواذ عليها وفرض طرف من الاطراف الملتحقة بالثورة خياره على شركائه في الثورة وكان المهجنون هم الطرف الأقوى والأكثر تنظيماً والأقل عرضة لضربات صالح لكنهم استعجلوا قطف ثمار الثورة واعتقدوا بنجاحها بعد مرور أسابيع قليلة على اندلاعها وذهبوا لترتيب حقبة ما بعد صالح بأدوات صالح ذاتها دون ان ينتبهوا الى انهم كانوا يعيدون صالح مرة أخرى لواجهة المشهد، هذا ما كان بالنسبة للطرف الأول أما الطرف الثاني الإماميون الذين بعثهم نظام صالح من موتهم وجعلهم ينمون في الظل كقوة مكافئة لحلفائه السابقين من المهجنين، فلم تكن أحلام المستقبل من تدغدغ مشاعرهم وتحشدهم تجاهه، بل كانت أحلامهم هناك في الماضي حيث تأبدت لحظتهم الذهبية فيه وأغرقتهم في حنين استبد بهم وأسلمهم لغواية صالح فذهبوا الى التحالف معه الى أبعد من ما يمكن تصوره آملين في استعادة مجدهم القديم الذي أثبت سبتمبر انه ماضٍ ولا ينتمي للعصر. وكان الطرف الجمهوري الذي بدأ الثورة هو الأضعف في الساحة نتيجة للضربات الموجعة التي ألحقها صالح بهم طوال حكمه وان امتلك المشروع والرؤية الواضحة للمستقبل لكنه فشل في تحشيد الناس في ساحات الثورة حول مشروعه ومع ذلك سيبقى هو الحل اذا ما استطاع إعادة بناء تنظيمه القوي والمعبر عن الغالبية العظمى للمواطنين الباحثين عن الدولة وفرص المواطنة المتساوية رغم ان دلائل التنظيم تبدو ضعيفة ومستسلمة لرومانسية ليبرالية تحلق بعيداً عن الواقع الذي تتخلق فيه بدائل الكفاح المسلح كردٍ على فشل السلمية في تحقيق اهدافها، وهناك فرصة امام الجمهوريين والحركة الوطنية ان تمنحه الأفق الوطني بعيداً عن تخلقه الطبيعي الجهوي. اما بالنسبة لصالح فلم يكن أمام الجنرال العجوز الذي لم تغادره أوهامه في العودة الى السلطة لإيقاف الثورة وقطع الطريق على التحولات الاجتماعية في المجتمع سوى الذهاب باتجاه التحالف مع الطرف الاكثر راديكالية وتخلفاً في معسكر الثورة وإغراق البلد في الفوضى وإشعال فتيل الحروب الداخلية وصبغها بالطائفية والجهوية بغية إنهاك المجتمع وصرفه عن مهمة إنجاز التحولات الثورية بإغراقه في مستنقعات الجريمة والدم. ومع ذلك يعيش الجنرال ساعاته الأخيرة مختبئاً ومطارداً بعد ان عاش سنوات طويلة يطارد ويشرد خصومه حتى عندما وفرت له سذاجة وانتهازية بعض أولئك الخصوم فرصة الخروج الآمن لم يكن يرى سوى حصاد سنوات دامية من القتل والقمع والتشريد ولم يرَ في الفرصة خروجه الآمن بل فسحة أخرى لممارسة الانتقام انتقامه الأخير ليس من خصومه فحسب بل ومن المجتمع والبلد برمته.