بعد خمسين عاماً على قيامها، تبدو ثورة “26” سبتمبر أكثر احتياجاً لتقييمها بعيون مشرقة على مستوى إنجازها العام، البنية المؤسسية، تقييم ما تحقّق، التقييم للثورة اقتصر هنا على شباب الثورة الشبابية السلمية “11” فبراير. أملاً للذين ارتبطوا بها مثلت أملاً كبيراً لأولئك الذين ارتبطوا بها، وكانت أشبه بعملية إنقاذ وفتح بوابة لوطن كان يعيش في غياهب العصور الوسطى ليخرج منها إلى رحاب العالم الحديث، كانت أشبه بليلة قدر انفتحت لهذا البلد ليعيد رسم ملامحه كملامح البلدان الأخرى، ولينتقل هذا البلد الواقع خارج التاريخ تماماً والذي كان يعيش مرحلة من الانعزال عن نفسه وعن العالم إلى آفاق أرحب للحياة التطور. ما تحقّق أقل بكثير من حجم الطموح ذلك ما يشير إليه عبدالهادي العزعزي، عضو اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية الشعبية والذي يضيف إلى ما سبق رؤيته لثورة سبتمبر بعد مرور “50” عاماً على قيامها بقوله: - كثير من أهداف ثورة “26” سبتمبر لا نستطيع القول إنها لم تتحقّق؛ لكن ما تحقّق كان أقل بكثير جداً من حجم الطموح الذي رافق الثورة حينها، ففيما يتعلق بالقضاء على الحكم الاستبدادي؛ عدنا إلى الاستبداد بطريقة أخرى، وفيما يخص إقامة نظام جمهوري عادل؛ ظهرت لدينا إشكالات وحضر النظام العائلي. جيش وطني - جيش عائلي ويزيد العزعزي: - كان من ضمن الأهداف إقامة جيش وطني قوي لحماية البلد، فكان الجيش الذي بُني كخدمة للعائلة، وبمعنى آخر فإن المشكلة الأساسية هي مشكلتا التنمية والإدارة، مشكلة الديمقراطية والحرية أو شكل نظام الحكم، فالجمهوريات العربية بشّرت بالديمقراطية ولكنها لم تكن ديمقراطية، حيث كانت السلطة محتكرة لفئة أو بيد الضباط الذين وصلوا إلى الحكم ولم يبنوا مؤسسات ديمقراطية، واعتبروا الديمقراطية هي الانتخاب والتي لم يكن يوجد هدف لها سوى إضفاء الشرعية عليهم. إشكالية الانتقال إلى الدولة ويواصل العزعزي: - ومثّلت شرعية السلطة الآتية من الجماهير القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لامتداد ثورة “26” سبتمبر، فالانتقال أو بمعنى أدق وأوضح الانتقال إلى الدولة، وكانت مهام ثورة “26” سبتمبر بناء الدولة بكل معاني هذه الكلمة، وهذا ما لم يتحقّق. تقييم لا محاكمة وفي معرض التقييم لثورة “26” سبتمبر بعد مرور “50” عاماً على قيامها؛ يقول العزعزي: - أعتقد أنه بعد مرور “50” عاماً كان علينا أن نعيد تقييم ثورة “26” سبتمبر، ما لها وما عليها، علينا ألا نحاكمها بلغة اليوم وبمعايير اليوم، علينا أن نحاكمها بمراحلها، في حقبة البناء، في حقبة الحزب الواحد، الهيمنة الواحدة، حقبة الجيش الذي كانت عليه مهام بناء الجمهورية، ما أنجز وما تحقّق، وأين الإشكال الحقيقي. تقييم حقيقي ويضيف العزعزي: - فلماذا لا يجرى تقييم حقيقي، ونبدأ بمواجهة أنفسنا؟!، فهذا جزء من تاريخنا وتاريخ أبنائنا، وكذلك من تاريخنا نحن، نحن أبناء هذه الثورة، وكان علينا تصحيحها، فالثورة الفرنسية بكل عظمتها وبأهدافها الثلاثة “الحرية الإخاء المساواة” شهدت خمس جمهوريات بعد الجمهورية الفرنسية الأولى. قراءة لمستوى الإنجاز العام ويزيد العزعزي بالقول: - فعلينا بشكل أساس إعادة قراءة هذه المرحلة وتقييمها من كل الاتجاهات، تقييم المرحلة على مستوى الإنجاز العام، على مستوى بنية الدولة المؤسسية، تقييم ما تحقّق في المستوى الثقافي، الاجتماعي، الاقتصادي، هل ما تحقّق كان بقدر الطموح أم لا، ما هي المعوقات والسبيل لتجاوزها؟ وتقييم ما الذي كان يجب أن يتم، ولماذا لم يتم، وكيف يمكن إنجازه، وكيف يمكن إصلاح الاختلالات. تقييم بمنطق العقل والقيمة ويواصل العزعزي بالقول: - وما نأمله هو أن يتم تقييم كل عقد زمني تقييماً تاماً بمنطق العقل وبمنطق القيمة، ليس بمنطق ما نريد بقدر منطق ما نحتاج وما نستطيع، فأنا ضد عملية الهدم الكلي، ومع البناء التراكمي شريطة أن يستمر ويُغيّر بشكلً دائم، والأهم ألا نحاكم الماضي، فمحاكمة الماضي إغراق في جلد الذات. إعادة الاعتبار لسبتمبر وليد العماري، الناطق الرسمي باسم المنسقية العليا للشباب، من جانبه قال: - إعادة الاعتبار للثورات اليمنية ومنها ثورة “26” سبتمبر هو ما هدفت إليه الثورة الشبابية السلمية في 2011م، وبقدر ما قدّمت ثورة سبتمبر من تضحيات وأرواح والطموحات العالية التي رافقت الشعب اليمني ومن قاموا بها من أجل الانتقال باليمن من دولة متخلّفة إلى دولة حضارية؛ إلا أن الحكومات المتعاقبة فشلت أو أفُشلت في تحقيقها، والآن يُراد لمشروع التوريث ومشروع الإمامة أن يعودا إلى اليمن من جديد. إعادة النظر الطموح والآمال وما تحقق، هو ما يقود إلى إعادة النظر لأهداف ثورة “26” سبتمبر، والعمل على تنفيذ وتحقيق هذه الأهداف. تحقّق القليل ويضيف العماري : - فجزء بسيط هو ما تحقّق كاستقلال البلد وإزالة الاستعمار وجزء من مخلّفاتهما، إلا أن الكثير من المخلّفات لايزال باقياً، ورغم تحقيق الوحدة اليمنية والتي كانت نواة للوحدة العربية التي كان يتطلّع الشعب اليمني إلى تحقيقها، لكن للأسف الشديد حتى هذه الوحدة كان البعض يريد أن تصاحبها أهداف مشوّهة. شباب الثورة كل ما سبق كان دافعاً حسب العماري لانطلاق الثورة الشبابية الشعبية السلمية لإعادة صياغة وتحقيق أهداف ثورة “26” سبتمبر التي هدفت إلى إحداث فارق في تاريخ الشعب اليمني والتي رغم أنها بلغت الخمسين من عمرها، إلا أنها في فترة فتوّتها وشبابها لتبدأ البناء وتحقيق أهدافها الحقيقية. شعور بالأسى الشعور بالأسى هو ما يشعر به مطلق الأكحلي، أحد القيادات الشبابية في تعز والذي يوضّح سبب ذلك بالقول: - فبعد خمسين سنة نخرج كشباب ثورة ونخب وسياسيين لكي نعيد الاعتبار إلى أهداف ثورة “26” سبتمبر، وكأن الخمسين السنة الماضية لم تلغِ الاستبداد ولم تزيل الفوارق الطبقية، ولم تبنِ جيشاً وطنياً، ولم تعد الاعتبار إلى الشعب اليمني في الجانب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، بل ظل الشعب اليمني مرهوناً لقوى بعينها، قد تتغير المسميات لكنها نفسها القوى التقليدية التي ظلّت متربعة على صدر الشعب اليمني وعلى السلطة السياسية من القبيلة ورجال الدين والعسكر. إعادة لنفس اللحظة التاريخية ويضيف الأكحلي: - فنحن لا نلمس تحقق الكثير من أهداف ثورة ال ”26” من سبتمبر، ولذلك فإن ثورة 11 فبراير أعادت الاعتبار إلى مضمون ثورة سبتمبر وأهدافها، فعندما ننظر إلى كل الأحلام التي كان يريد ثوار “26” سبتمبر تحقيقها، نرى أننا نعيد نفس اللحظة ونفس المرحلة التاريخية. نقلة من غيبوبة تاريخية ويزيد الأكحلي بالقول: - مثّلت ثورة “26” سبتمبر نقلة لليمنيين من عصر كان فيه الإنسان والمواطن اليمني يعيش في نوع من الغيبوبة التاريخية والسياسية، كما أتت هذه الثورة بعد نضال مرير من كافة النخب الوطنية والسياسية وبخاصة الضباط الأحرار لكي ينقلوا اليمن إلى مرحلة جديدة تواكب العصر والتاريخ الذي تعيش فيه أمم العالم. لذا فإن حدث كثورة ”26” سبتمبر هو حدث نفخر به ونقرأه دائماً بعيون مشرقة، لكن ما حدث فيما بعد يجعلنا نتساءل: ما مدى واقعية أو قوة هذا الحدث أمام مراحل تطوّر أو تحوّل المجتمع فيما بعد خصوصاً بعد مرحلة السبعينيات؟!. الخروج من فكرة السيد والتابع حسين مغرم، عضو المركز الإعلامي للثورة في صنعاء قال: - تعتبر ثورة 26 سبتمبر هي بداية التغيير في الفكر اليمني والخروج من فكرة السيد والتابع إلى طور الحرية الواسع، وخروج من فكر الوالي الأوحد، فكانت الثورة هي بداية الانتقال الثقافي والتمرُّد على الحكم الإمامي الذي كان يعزلهم تماماً عمّا يدور في العالم، وبداية الاستثمار الحقيقي للعقلية اليمنية، وصياغة أهداف الثورة الست كانت تدل على مدى الوعي الذي كان يمتلكه الثوار، ومدى النقلة التي كانوا يخطّطون لها. فثورة 26 سبتمبر لم تكن ضد الإمام كشخص وإنما كانت ثورة ضد التخلُّف الإمامي ومشروعه الرجعي واستعادة هيبة الشعب اليمني وأصالته وإعادته إلى موقعه بين الشعوب العربية. وفيما يخصُّ خروجنا إلى الساحة، فإنه كان نتيجة لعدم تحقيق أهداف الثورة اليمنية، فقد حملت أهداف الثورة اليمنية مبادئ وقيماً تدل على فكر الثوار في الستينيات كان أرقى مما وصلت إليه النخبة في الوقت الحالي، والأهداف التي صيغت ولخّصت في ستة أهداف كانت قادرة على إنشاء دولة تحترم كينونة كل مواطن يمني وتحفظ له كرامته وتؤمّن له حياة كريمة بدأت ببناء جيش وطني قوي لمعرفتهم أن أهم ركائز قيام الدولة هي الجيش المنحاز فقط إلى الوطن، بعد حوالي خمسين سنة لاحظنا أننا نعيد نظام الإمامة بشكل «صالح» وإن اختلف الزمان، فكل أهداف ثورة 26 سبتمبر تم العمل بما يعاكسها تماماً، فكان لابد لنا أن نعمل على إحياء مسيرة الأجداد، وإعادة تطبيق أهداف الثورة المجيدة، وكان يجب أن نسقط من يقف عائقاً أمام هذه الأهداف في الوقت الحالي والذي تمثّل في نظام «صالح». فثورة التغيير في اليمن كانت امتداداً لثورة 26 سبتمبر؛ لأنه بحسب رأيي لو تحقّق حتى الجزء اليسير من أهداف ثورة سبتمبر لكان من الصعب أن نقنع الشعب اليمني بفساد النظام والتفافه على أهداف ثورة سبتمبر لمصلحة أطراف تعيش على بؤس هذا الشعب. تتطابق كثيراً أهداف الثورتين، وتتفق كثيراً على أن تكون كرامة المواطن اليمني هي مقدمة لأي فعل ثوري يتم في اليمن. التخلص من الكهنوت نادية عبدالله، مصوّرة وناشطة في الثورة الشبابية من جانبها قالت: - ثورة 26 سبتمبر جاءت بخطوة مهمة اختصرت الكثير على الشعب اليمني وخاصة في بناء الدولة المدنية الحديثة، حيث حوّلت الحكم من النظام الإمامي الكهنوتي المتخلّف الذي أحاط الوطن والشعب بأسوار العزلة والتقوقّع وكبّله بقيود الخرافة والأساطير إلى نظام جمهوري، واعتبر هذا هو الإنجاز الكبير الذي حقّقه لنا أجدادنا، ولكنهم أخطأوا خطأ كبيراً حيث لم يستمروا في ثورتهم حتى تتحقّق بقية أهدافها من بناء جيش وطني...إلخ. ثورة 26 سبتمبر إلى الآن لم تحقّق أهدافها أبداً، وما قامت ثورة الشباب السلمية إلا تكملة لثورة 26 سبتمبر، فقد خرج أجدادنا كي يتخلّصوا من الجهل، ولكن للأسف من جاءوا إلى السلطة وخاصة «علي صالح وعائلته» عمّقوا الجهل بالوطن، وخرجوا من أجل القضاء على الفقر ولكن زاد الفقر، وخرجوا من أجل القضاء على المرض فزاد المرض. كل ذلك بسبب من تولّى الحكم بعد الثورة وبسبب أجدادنا أنهم لم يستمروا في ثورتهم حتى تتحقّق جميع أهدافها، وأهم أهدافها التخلُّص من الأسرة الحاكمة وعصابتها، وبناء الدولة المدنية الحديثة التي تقوم على أساس الحكم الرشيد والمواطنة المتساوية. والخطورة التي تكمن الآن على ثورة 26 سبتمبر هي ظهور بعض القوى «الحوثيين» التي تسعى إلى إعادة الإمامة من جديد، والجميع يعلم ما معنى قيام دولة إمامية مرة أخرى بسبب ما تقوم عليه من مبادئ وفكر سلالي عنصري تمييزي. فاليمن يمر بمرحلة خطيرة جداً وحرجة، فإما أن يخرج منها إلى دولة مدنية حديثة وينهض، أو يدخل اليمني في نفق مظلم كالعراق وأفغانستان والصومال. اتمنّى من الشعب اليمني أن يستيقظ وينقذ اليمن.. وإلا سيكون الدمار على الجميع، والحزن لن يترك بيتاً يمنياً إلا وسيدخله!!.