في كل مرة تنال إساءات أخلاقية من أشخاص بدعوى اقترافهم عيباً اجتماعياً أو خرقاً شرعياً، يزمجر الغضب وتثور الانفعالات في ألوان مختلفة من الشجب والتضامن. وهذا جيد مبدئيا، لكنه لا يتجاوز دائرة الأخلاقي أو التعييبي. والمفارقة أن غالبية المنفعلين والغاضبين حيال ما يضيق على الحريات الشخصية ويحاصر إمكانات التقدم الاجتماعي إما نشطون في تيارات معادية للتقدم الاجتماعي ومؤازرون للاستبداد السلطوي المكرس لثقافة العيب والتحريم أو منحازون بمراتب متفاوتة لهذه التيارات التي تدرك أن سيطرتها على المجتمع مرهونة باستمرار هذا الواقع وترسيخه. لن تزول سطوة الانغلاق والعيب والتحريم المكرسة سلطوياً والموظفة سياسياً إلا بتغيير الشروط المنتجة لها بنضال اجتماعي طويل يقود إلى تغيير سياسي يقر آليات وتشريعات لحماية المجتمع وكفالة حريات أفراده الشخصية واختياراتهم المختلفة من العقيدة حتى الأزياء، وكذا يرعى الترقي الاجتماعي. ولن يكون المرء تقدمياً ولا حداثياً وإن طارد كل مظاهر التقدم وارتدى مسوحه ما دام نشطاً في تيارات معادية للتقدم أو داعماً لنظام سياسي متسلط، يسهر على رعاية الأغلال المكبلة لتطور المجتمع ويبث الحياة في كل ما كان قد اندثر من شروط التخلف وظروفه. ذلك أن التقدم بنية شرطية لا تتجزأ؛ ينطلق من وعي سليم بحقيقته و يثمر موقفاً حاسماً من مجمل القضايا الاجتماعية والسياسية، فضلا أنه يحدد لدعاته وطالبيه الموقع الذي عليهم أن يلزموه خلال الصراعات كافة. ولعل أشد الأكاذيب سفهاً وإسفافاً، تلك الاقتحامات الطارئة من مخبرين تافهين وسلطويين أنذال لمجال التقدم في وجهه الشكلي بغية تبييض مواقفهم المنحطة من القضايا العامة والصراع الدائم بين تطلعات الشعب ومستبديه. ثم بعدما يقفز هؤلاء تلك القفزة المصطنعة القبيحة إلى مجال التقدم المزعوم وتنهال عليهم إساءات غوغائية ومتزمتة من فئات هم الذين كرسوا تخلفها وتطرفها، يصب المثقفون والناشطون والساسة غضبهم في صيغ شتى من الحمية الأخلاقية والانفعالات والسباب المضاد متوهمين أنهم بذلك قد أنجزوا إحدى مهام التغيير الاجتماعي ورجحوا كفة الميزان لمصلحة الترقي والتحديث! يا أدعياء الدفاع عن التقدم: بدون انحياز خالص لشروط التقدم الاجتماعي والنضال ضد الشروط المعادية له، ارتضوا بأدواركم كما هي في قلب معركة التخلف فما من سبيل لتزيينها بالمظاهر التقدمية الخادعة.
قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet