للمرأة اليمنية محطات مشرقة في تاريخ النضال الوطني التحرري ومن أجل نيل الحقوق في العيش بكرامة ، وفي ظل احترام للمواطنة، فمن تحرك نخبة من نساء عدن ضد الحجب والعزل وتهميش المرأة عام 1959م إلى إضراب طالبات كلية البنات في خور مكسر – عدن ضد السياسة التعليمية الاستعمارية ، إلى الدور البطولي المشرِّف لقافلة من النساء اليمنيات اللاتي شاركن في ثورة 14 أكتوبر منذ بداية انطلاقها عام 1963م وحتى انتصارها.ومروراً بدور واسع للناشطات عبر مساحة اليمن (سياسيات وحقوقيات وكاتبات ... إلخ) اللآتي كشفن بجرأة غير معهودة مساوئ النظام سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ورفضنه وعملن من أجل تغييره، وصولاً إلى اندلاع الثورة الراهنة والمستمرة منذ 11 فبراير 2011م والدور الفريد لنساء اليمن فيها ، بالرغم من كل معاناتها والقيود التي تكبلها داخل المجتمع. ويتناول هذا الموضوع بعض ملامح الواقع الاجتماعي للمرأة ، وطبيعة المنطق الذي يقوم عليها وكذلك استعراض سريع لدور المرأة في الثورة ، ويختتم بعدد من القواعد الأساسية لتغيير واقع المرأة كجزء هام من التغيير الذي ينبغي أن تنجزه الثورة في المجتمع. من الواقع الراهن واقع للمرأة : تعيش المرأة اليمنية في بيئة اجتماعية وثقافية تفرض عليها الحجب والعزل بشكلٍ صورة من صور التملك بالمرأة ، وهي إلى جانب انتمائها إلى أغلال عصر الحريم ، فهي لا تعني أكثر من نظام الاسترقاق الذي لفظته البشرية . نظام الاسترقاق الذي ساعدته ودعمته ولازالت تدعمه في هذه المجتمعات سياسات واستراتيجيات المستعمرين الذين بذلوا جل اهتمامهم وجهودهم لتبقى مجتمعاتنا في مؤخرة الأمم بما يتيح لهم استمرار نهب ثرواتها. وقد أثبت التاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي لشعوبنا بأن تلك الثقافة مترابطة باسترقاق الرجل للمرأة لا تجعله حراً وبعيداً عن الظلم ، فهو مستبعد من النظام السياسي الذي يتحكم بمجتمعه القائم على كل أصناف القمع و اللامساواة والانتقاص للكرامة ، و مجتمع كهذا يكون مصيره في قبضة الاجنبي المستعمر المستغل لمصالح المجتمعات. إن المرأة كائنٌ ناقصٌ ولا تشكل شيئاً بدون الرجل بموجب هذه الثقافة ، وهي في مختلف المراحل وحتى يومنا هذا تحيا مأساة لا يمكن مقارنتها بأية مأساة أخرى ، وقد أجج حاملي الفكر الديني المتطرف الموقف من حقوق المرأة المطلوب تحقيقها ، وعادة ما كانوا يشوِهون تلك الحقوق ويقفون ضدها. إن الثقافة الذكورية في مجتمعاتنا محمية بالفكر الديني ومن قبل الدولة أيضاً ومن “العادات والتقاليد” التي يضاف إليها أحياناً تعبير “الاسلامية”، وقد تملكت هذه الاطراف القوة والمال والإعلام ، ومن يتملك ذلك يكون الأوفر حظاً في نشر وتعميم أرائه وتحليلاته. والعادات والتقاليد تتحكم بالأفراد وتخنق الحريات ، وأصبحت تستخدم بطرق تعطيها قوة كبيرة جداً تفوق قوة القانون والدين ، وكل من يجرؤ على تجاوزها يكون مجرماً بحق المجتمع -عند اصحاب تلك الثقافة- . وهذه العادات تكون عادة مدعومة من الدولة التي تحتضن البنى المتخلفة كالقبلية والعشائرية والعائلية والمذهبية وهي جميعاً تتغذى على هذه العادات والتقاليد لتستمر في وجودها، وهكذا تشكل الدولة والدين المسيَّس والبنى التقليدية المتخلفة ثالوثاً عدوانياً يتربص بكل راغب في تطوير الحريات – وبشكل خاص حرية المرأة – بردود أفعال يمكن وصفها في كثير من الحالات بالهمجية. إن المرأة في بلادنا كحال المرأة في الشرق تخضع لحالة من الآلام النفسية وتزداد كثافة الجدران المبنية حولها في المجتمع .. إنها أكثر من سجينة ، وهي نصف عبدة للتقاليد وعبدة كاملة للرجل . وهي محرومة من التصرف بممتلكاتها – إذا كان لديها ذلك – بما في ذلك الارث الذي تحصل عليه، وهي محرومة من اختيار الشريك ويعتبرونها بنصف عقل وجالبة للعار، فكل ما فيها عورة: شعرها، يداها، قدماها، وجهها وحتى صوتها وتؤنّب على كل شيء يصدر منها. ويضيف كثيرون بأنهم يقتلون المرأة بحجة الدفاع عن الشرف، في الوقت الذي يدنِّس فيه الذكور هذا الشرف العائلي ليل نهار ، ولا نرى غيرة باقية للذود عن شرف الوطن عندما يستباح. ويكفي الحديث عن الشرف لأننا نثق بان الاختلاط في المدرسة والعمل العام يقرب الجميع وخاصة الفتيات من الفضيلة وليس العكس كما يدّعي المدّعون. والمتطرفون باسم الدين هم الذين روَّجوا الصورة الدينية للمرأة التي تطلب دائما من الانثى أن تبقى في البيت ، وأن تبتعد عن الحياة العامة ، وأن تبقى صامتة، منقبة، خلف أسوار البيت، وذلك لكي تبقى المرأة ضعيفة بعيدة تماماً عن أي محاولة للاعتراض على أية محاولة من الرجل للحصول على امرأة أخرى بأية صيغة من صيغ الزواج المبتكرة التي يتم الترويج لها اليوم . وهؤلاء لم يدعموا أية توجه أو حلول إيجابية تقدمية في أي أمر ذي صلة بالمرأة مثل ما دعموا تعدد الزوجات والزواج العرفي بصيغه المختلفة والغريبة على البناء الاجتماعي والتي تصل بأنواعها لدى السعوديين إلى أكثر من عدد أصابع اليدين كما يورد المختصون. إن رجال الدين كأحد أركان ثالوث استعباد المرأة هم من يتبنون أيضاً زواج الصغيرات (تزويج الأطفال من البنات) وقد رأينا بعضهم يصول ويجول خلال المظاهرة التي حشدوها أمام مينى مجلس النواب قبل أكثر لمقاومة تحديد سن الزواج، وكانوا يرفعون شعارات تقول “لا تحرّموا ما أحلّ الله”- وكأن الله سبحانه وتعالى يحلل اغتصاب الطفولة والبراءة ، استغفر الله العظيم -. أيها السادة لا شيء مهين لمجتمعنا أكثر من الاحداث التي اشتهرت داخلياً وخارجيا المرتبطة بزواج الصغيرات وإلى الأن لا زالت تتردد أسماء الطفلة “نجود” وغيرها وقصصهن الشهيرة –التي تدمي الإنسانية - في مختلف المصادر الإعلامية الخارجية. وهؤلاء هم ايضاً من عملوا على تشكيل شرطة دينية تعتدي على النساء والرجال وتعطي لنفسها حق التفتيش في ضمائرهم في ظاهرة جديدة على مجتمعنا مستبيحين القيم والقوانين السارية ، ومستفيدين من تحالف النظام مع افكارهم الغريبة والمستوردة ، وهم أيضاً من يستبسلون لتثبيت الاسترقاق للمرأة في موضوع “بيت الطاعة” التي أريد أن يكون جزءاً من قوانين الاحوال الشخصية وفي القرن الواحد والعشرين. وكنتيجة لاتحاد ثالوث استعباد المرأة، أطلق شيوخ الظلام فتاويهم لترسيخ عقلية الحجز والحجب والتحجير عليها مثل: فتوى الرئيس اليمني الذي اسقطته الثورة. الفتوى التي أصدرها شيوخ دول الجوار. الفتوى التي أصدرها الزعيم الروحي للحركة السلفية ذات النفوذ في الجزائر. جميعها تمثلت ب “تحريم اختلاط الرجال والنساء أثناء المظاهرات والاعتصامات”. ونحن على يقين بأن ذلك لم يكن خوفاً على المرأة بل خوفاً منها وخوفاً على الموروثات البالية التي كرسوها جميعاً وكبلوا بها المرأة و المجتمع. ومهم أن نشير هنا إلى أن كثيرون من المتطرفون وحلفائهم في الفكر يتحججون بالفوارق بين المرأة والرجل ، وهذا الأمر قد درسه المختصون والمفكرون وأكدوا بأنه لا توجد فوارق بين الطفل والطفلة، لكن المحيط هو الذي يظهر الفوارق ويفضل جنساً على آخر ، نمط التربية ضمن العائلة الذكورية هو السبب الاساسي في تحوّل المرأة إلى مجرد عبدة للذكر – أياً كان هذا الذكر – ، فالمرأة تتقبل منذ نعومة الأظافر توجيهات ومحاضرات بأنها جنساً آخر غير جنس الرجال ، وبأنها أقل قيمة وغير مرغوب بها ، وبأنها مشكلة وعورة وغنيمة قابلة للافتراس ويجب حمايتها – فهي قاصرة – ، وعلى العكس يكون الطفل الذكر مرغوب به ، وتفتح له الطريق ليكون صاحب الأمر كله ، وسيّد القرار لنفسه وعلى المرأة ضمن العائلة. إن أساليب التربية تلك تخلق الانهزامية لدى المرأة ، وعدم التفكير الجدي بمستقبلها وحياتها، ومادام مصيرها معلقاً بمصير رجل آخر، ينبغي التخلي عن الدراسة والطموح والهوايات ... إلخ، فالطريق الوحيد للاستمرار في العيش بكرامة هي الحصول على زوج . شيء من الحقيقة والمنطق: هكذا يتضح كيف أنه يتم التعامل مع المرأة ليس كذات بشرية ولكن كشيء أو موضوع، ما يجعل الاستنتاج بأن النساء هن أكثر من يستطيع أن يفهم ما معنى القهر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وقهر التطرف الديني . وعندما نستهين بعقل المرأة مستخدمين كل الأحجيات تظل الحقيقة خلاف ذلك ، فعقلها عقلٌ بشريٌ اعتيادي . اما الاختلاف في الشكل فهو يضيف إلى المرأة محاسنها ويعبر عن قوة ابداع الخالق وعن طبيعة الاشياء، والاختلافات الفيزيولوجية فهي أيضاً طبيعية بحكم الوظائف والأدوار ، وليست بأي حال من الاحوال دليل على افضلية الرجل عن المرأة ، والذين يتحنّطون وراء الفوارق الفيزيولوجية بين الذكور والإناث ، أي وراء عضلات الرجال يمكن إحالتهم لمتابعة التطور التكنولوجي الذي يهزم هذا الطرح ، حيث أن القوة العضلية ليس لها مكان في عالم التكنولوجيا الجديد ، ويضع المرأة في نفس المكان .. بمعنى أنه لا فوارق أبدية فكلها من صنعنا نحن. إن المرأة اليمنية تبذل جهداً أكبر بكثير من الجهد الذي يبذله الرجل، فهي تعمل في شئون الحياة والعمل في الريف ( والوظيفة في المدينة) ثم تقوم بكافة الأعمال في المنزل (طبخ ، غسيل، تربية الأولاد ، تنظيف والعناية بالحيوانات) . وأعمال البيت بحد ذاتها في الريف والمدينة لا يقوى عليها أقوى البشر ، وهي تقوم بها طول اليوم وطوال العمر ، ومع ذلك لا ينظر إليها كأعمال لها نتائج في قوام المجتمع وتطوره. وفي خضم ذلك ومن خلال المتغيرات فقد تعلمت المرأة الحكمة والصبر والانتظار، فلا يوجد ألم ومعاناة وانتظار أكثر من الحمل والولادة ، وفوق ذلك فإن صبرها العظيم ذلك قد أضيف إليه صبرها على مشقات الحياة وصبرها على مشقات الزوج. ولو حصر الحديث عن البيت فقد أشار أحدهم إلى أن الرجال يعرفون كيف يبنون البيوت من الخارج ولكنهم لا يعرفون إلا القليل وعلى الاطلاق عن الاشعاع الداخلي .. عن صنع الحياة الذي تقوم به المرأة داخل البيت ، وهي تملئه سعادةً واستقراراً. وفي خضمّ الجدل حول المرأة قال الفيلسوف الألماني “غوته “ إذا أردت أن تعرف كيف تسلك اسأل امرأة نبيلة عن ذلك”. ويضيف، كلما تأملت عزل المرأة عن الرجل تحت أية مفاهيم وانعكاس ذلك على خروجها للعمل تحت أعذار أكثرها مضحكة، منها أن المرأة مكانها البيت والالتفات إلى تربية الاطفال الصالحين، اسأل لماذا كل الميزانيات الضخمة للتعليم والشهادات العالية إذا كانت المرأة ستجلس بعد التخرج بين جدران البيت؟ . وكان المفكّر المصري المعروف رفاعة الطهطاوي قد أدرك أهمية الدور الإنتاجي للمرأة، وقد ربط بين التعليم والعمل بقوله: “إن التعليم يساعد المرأة لأن تحدد لنفسها مكاناً في الحياة، يعودها على العمل، فالعمل في الحقيقة، يصون المرأة ويدنيها من الفضيلة، وإذا كانت بطالة الرجل مدانة فإنها عار كبير بالنسبة للمرأة”. وسأل أحدهم أحد الحكماء: كيف تتقدم الأمم؟ فأجابه “بأن تعمل حساب المولود الجديد وترعاه قبل مولده بعشرين عاماً ، أي يجب الاهتمام بتعليم النساء منذ صغرهم”. والمحامية المصرية “أميرة بهي الدين” تقول بسخرية لا تخلو من المرارة “يسوقون لنا حجة الطبيعة البيولوجية للمرأة كمبرر لمنعها من العمل في الهيئات القضائية، ويقولون ان المرأة تعاني من اضطرابات عدة أيام كل شهر بسبب الدورة الشهرية، وأنا أقول لهم وما عليكم إلا تعيين النساء في القضاء بعد أن يبلغن سن الأمان” . و الكاتب العراقي إبراهيم حيدر في كتابه (النظام الأبوي واشكالية الجنس عند العرب ،2003م ، دار الساقي) وبعد تأكيده بأن المجتمع العربي هو مجتمع أبوي يقول “ اذا كان المجتمع الأبوي التقليدي شكلاً من أشكال المجتمعات الراكدة عن مواكبة التقدم والتحديث فهو بالتأكيد مجتمع تابع للبنى التقليدية، ويعاني من العجز والنكوص، ويفتقر إلى القوة الداخلية والوعي الذاتي للنهوض من التخلف والعجز هذين، بالرغم من أنه ملقح بكثير من مظاهر الحداثة”. ويضيف أنه في هذا المجتمع تظهر سيطرة الأب على العائلة وشأن ذلك في المجتمع إذ أن العلاقة بين الأب وابنائه وبين الحاكم والمحكوم، علاقة هرمية، فإرادته مطلقة ، قائمة على التسلط من جهة والخضوع والطاعة من جهة أخرى، وتظهر على مستوى العائلة والعشيرة في القيم والتقاليد وفي وسائل التربية والتنشئة الاجتماعية التي تعمل على تشكيل نمط الثقافة والشخصية من خلال ترسيخ القيم والعلاقة الاجتماعية التي يحتاج إليها المجتمع الأبوي. إذاً فإن من يقاومون تحرير المرأة والاعتراف بحقوقها المتساوية يمتلكون ذات العقليات الذكورية السلطوية التي تخشى خطر فقدان امتيازاتها الاجتماعية ، ويتفننون لأجل ذلك بابتداع الحجج ويلبسونها لباساً دينياً دائماً ، ونحن ندرك ان الاسلام لا يبرر على الاطلاق اضطهاد النساء ولا يعارض تحررهن، مثل ما درج عليه الخطاب الديني في مجتمعاتنا. ايها السادة إن تخلف وتدني وضع النساء في مجتمعنا علامة هامة وجوهرية على تخلف المجتمع اليمني . كما ان القيم والممارسات الاجتماعية تتقدم او تتراجع وفقاً لسياسات النظام السياسي ومواقفه منها، والمنطق المادي في الحياة الاقتصادية – الاجتماعية التي سادت حتى الأن انعكس على العلاقات الاجتماعية وادى إلى تشيء الانسان، والأنظمة المستبدة التي سادت أضعفت بنية الاسرة والعلاقة بين اعضائها وبالنتيجة أضعفت بنية المجتمع، وصحيح تماماً ما يؤكده المفكرون بأن الحضارة تبنى على العلم الطبيعي والرياضي وعلينا تمثل التقدم العلمي والثقافة والتفكير، فليس من الطبيعي أن يظل الناس متمسكين بآراء ومواقف تستجر من الماضي في ظل متابعة التقدم العلمي، وفي ذلك تناقض وخلل. وعلينا أن نتحدث بوضوح فيما يتعلق بالمرأة وعملها في المجتمع فعملها ليس له علاقة ببطالة الرجل كما يحاول البعض أن يدّعي ، حيث أن البطالة في المجتمع هي قضية تنموية وليست قضية تنافس نوعي بين الرجل والمرأة . كما أن الفقر ليس المبرر الوحيد لعمل المرأة ولكن حاجة المجتمع وتحقيق الذات والمشاركة في بناء الوطن ، بمعنى أنه حقٌ كامل من حقوق المواطنة. إن فشل التنمية واستفحال الفساد في اليمن قد أدى إلى اتساع دائرة الفقر وتزايد أعداد العاطلين عن العمل ، وهذه البيئة تشكل دائماً مرتعاً خصباً للتيارات التقليدية والأيديولوجيات التي تعمل لجر المجتمع إلى الوراء والمعادية للمرأة من خلال الدعوة إلى تبني ثقافات عزل المرأة و وحجبها وملاحقة والتفتيش في ضمائر الناس وفي فحوى سلوكهم وفيما يكتبوه أو يقولوه ، ولإخضاع الناس لأفكارهم واتجاهاتهم تعمد إلى استخدام وسائل العنف المختلفة منها المادية ومنها المعنوية ، كالتكفير على سبيل المثال والخطاب الدين المتطرف عبر منابر المساجد أو عبر وسائل الإعلام المختلفة التي تستخدمها أو تمتلكها . ونحن نعلم أنه لا يوجد في الإسلام ولا لدى مفكري الإسلام الحقيقيين ما يقف ضد تحقيق المرأة لكامل كيانها لذلك يمكن المراهنة أيضاً على رجال الذين يبدون عقلانية ويحاولون الفصل بين العادات الثقافية والفهم العقلي للدين. إن قضية المرأة هي أكبر القضايا التي تعاني من التناقض في الثقافة السائدة والسلوك في المجتمع وفي الخطاب الديني والسياسي ، فقد احتل الرجال الصلاحيات كلها وحتى يثبتون أنهم أوفوا بشعارات تحرير المرأة أحضروا بعض النساء وبشكلٍ انتقائي في البرلمان وبعض الهيئات كديكور بين الرجال مثلما توضع المزهرية الجميلة في قاعة كبيرة مكتئبة كما يقول البعض ، أو أن يجري الاهتمام بالمرأة والتوظيف السياسي لقضاياها من قبل أطراف النظام السياسي في فترات ما قبل الانتخابات من أجل استغلال صوتها لما تمثله من نسبة تصل إلى نحو 50% من القوة الانتخابية . وقد أكد أحد المتابعين لقضايا المرأة إننا أصبحنا لا نرى من المرأة إلا ثقوباً في الوجه (والمقصود الوجوه التي تختفي وراء النقاب ) ، و إنه شكل الوجوه البشرية المصابة ، غير إننا قد نجد وراءه وجهاً أفرودوتي يفوق الجمال الأسطوري السومري، وعقل ودماغ .. وهناك كل الذاكرة وتجددها. والمنطق لا يقبل أن يكون المرء ثورياً أو مناضلاً أو مجاهداً من أجل التغيير في المجتمع ونحو بناء مجتمع مدني ديمقراطي ، وبنفس الوقت يحمل موقفاً متخلفاً من المرأة ويعمل لإعادتها لحياة العصور الوسطى ، إضافة إلى التمسك بثقافة بيت الطاعة والعمل لتكريس الزواج من الأطفال (زواج الصغيرات) على سبيل المثال. المرأة اليمنية قوة الثورة: إن كل ما أوردناه سابقاً والذي يعكس واقع حياة المرأة بملامحها من الحجب والحصار والقهر المركب الذي عاشته ، قد راكم بدون أدنى شك تطلعاتها من أجل الانعتاق ، وقد عجّل الغليان الشعبي وساعدت أحداث الثورات العربية في تفجير ما تختزنه المرأة اليمنية من عنفوان نضالي محكوم بمجموعة من العوامل التي تتفاعل في حياتها وعلاقاتها بالآخر والمجتمع ، إضافة إلى العوامل السياسية والاقتصادية، ولم يكن غريباً ان تبادر في التحرك وان تشارك بفاعلية بل وان تكون في طليعة ثورة شبابية – شعبية فريدة في التاريخ من حيث اتساعها الجغرافي و التنوع الكبير في الفئات الاجتماعية والقوى السياسية والفكرية المشاركة فيها. إن التاريخ السياسي لليمن لم يشهد دوراً واسعاً وقوياً وجريئاً ومؤثراً للمرأة اليمنية مثل ما شهدته ولاتزال تشهده في أحداث ثورة 11 فبراير 2011م. فقد اندفعت المرأة من كل الأعمار والمستويات التعليمية: أميات، متعلمات وحاملات الشهادات العليا والمتوسطة والدنيا، متخصصات وحاملات خبرات فنية مختلفة ... عاملات وموظفات وربات بيوت وطالبات في المراحل الدراسية المختلفة، سافرات ومحجبات ومنقبات. لقد تجمهرن وشاركن في التجمهرات وشاركن ونظمن التظاهرات العارمة في مختلف محافظات اليمن، وصرخن بأعلى الأصوات التي انطلقت بعد حبسها طويلاً .. صرخن بإسقاط النظام ورحيل رئيسه ، ثم صرخن من أجل محاكمة النظام ورئيسه على ما اقترفوها من جرائم ضد شباب الثورة وضد المجتمع اليمني كله. كتبن على صفحات الصحف وفي المواقع الإلكترونية واستخدمن شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت ، وتصدرن الحديث على الفضائيات ، وفي كل ذلك كنّ صوت الثورة، شرحن طبيعتها وأهدافها وقواها ومآلها، أكدن مراراً على إصرار الشعب اليمني على الخلاص ، وأن لا عودة عن ذلك ، وقد كان تصدرهن أجهزة ووسائل الإعلام المختلفة بقوة منطق وشجاعة دافعاً كبيراً لزيادة خروج الرجال إلى الساحات وصمودهم . كتبن على أكفهن شعارات الثورة وربطن الشعارات على رؤوسهن وعلى وجوه بناتهن وابنائهن. وحفرن كلمة “ارحل” على الكعك وعلى أرغفة الخبز التي تعد في المنازل مساهمة منهنّ لدعم المعتصمين في الساحات وإنجاح حركة الاعتصامات . وبجرأة هتفن بشعارات الثورة بجوار الدبابات وحواجز الجيش والأمن، وبعبايتهن السوداء رفعن رايات النصر ، وصلين في الساحات سواء في الجُمع الحاشدة (أيام الجمعة) او في الايام العادية. لقد أسرعت كل طبيبة وكل فتاة لديها الخبرة في التمريض لأداء دورها في المستشفيات حتى من لم تمارس الطب كانت تعرض خدماتها وتتوسل أن يسندوا إليها أي عمل حتى ولو كان إطعام أو سقي المرضى بالماء. وكما كانت الطبيبة تعمل في المستشفيات الميدانية فقد كانت الحقوقية تعمل في رصد الانتهاكات وإعداد ملفات قانونية ، وكانت الناشطات السياسيات يعملن على رفع الوعي السياسي للأخريات في الخيام وعبر محاضرات يومية. وهناك فتيات وهبن انفسهن لخدمة الثورة والثوار من خلال العمل التطوعي في ساحات الحرية والتغيير ، وقد كان للعاملات الصحيات في المستشفيات الميدانية خيامهن الخاصة للراحة او المبيت ، وتم توفير حماية خاصة لهن. و النساء تواجدن بفاعلية في كل اللجان منها الطبيبة ولجان الطعام ولجان الحراسة والنظام وتقديم برامج الساحة وجمع التبرعات، إضافة إلى إنهن شكلن قوة مهمة في التكتلات الثورية.. وهن مشاركات وقادة من خلال دورهن اليومي الذي يتم التأكيد خلاله على المواطنة المتساوية. في الواقع أن هذه الملاحم للمرأة اليمنية سيرصدها الكتاب والمؤرخين ، وسيتناولها الأدباء وسينضم فصولها الشعراء ، أو هكذا ينبغي أن يحدث ، لكننا نتناول ما نستطيعه و بطريقتنا . فإلى جانب ما سبق كانت من الادوار الهامة للمرأة اليمنية إنها إلى جانب دفعها لزوجها وإخوانها وأخواتها للمشاركة في فعاليات الثورة، فإنها تشارك مع أمها واطفالها لتقديم ما اقتنعت به لنفسها من بالواجب والدعم والمساعدة ، فلم يكنّ يرددن الشعارات التي تطالب برحيل النظام ومحاكمته فحسب بل ويلقين البيانات والقصائد الشعرية لشعراء يمنيين وعرب معروفين، وهناك من قدمن خياماً ودعمن الساحات بالتجهيزات المتنوعة وخزانات المياه والمؤون الغذائية، ومنهن من يوصلن النساء بسيارتهن الخاصة يوميا من منازلهن إلى الساحات ثم إلى المنازل. ومن البيوت وشرفاتها قمن أخرات برش المياه على المتظاهرين والمتظاهرات للوقاية من شدة حرارة الشمس ، ومن أثر الغازات المستخدمة ضدهم . وتميزت المرأة اليمنية بحسٍ إنسانيٍ عالٍ خلال فعاليات الثورة في الساحات والمظاهرات وبرز ذلك أثناء تقديم الخدمات والاسعافات وكنّ يقتحمن الحشود لتأدية ذلك الواجب بوعي وكل تلقائية لم يتوقعها الكثيرون ، وهي بذلك تعكس صورة إضافية لما عملته المرأة العربية في ثورتي مصر وتونس، وكانت بذاك تعيد إلى الذاكرة ما التقطته الكاميرات من صور للشابة التونسية الجميلة التي انحنت بكل تلقائية وثقة على الشاب الذي سقط على الارض في الشارع مصابا لتقدم له الاسعافات الاولية والنفخ في فمه لاستعادة التنفس ، وقد كبُر هذا الحدث لدى المتابعون ووصفوه بحق بلحظة الارتقاء بالحس الانساني والوطني فوق كل الاعتبارات. ونساء اليمن لم يرفعن الشعارات على اجسادهن أو صرخن بالهتافات فقط ، بل تحولن إلى زخمٍ عارمٍ في جميع المحافظات ، من صنعاء إلى تعزوعدن والحديدة و إب وذمار وحضرموت وحجة ومأرب وصعدة وماوية والمهرة وشبوة .. إلخ، واسمعن العالم كله هديرهن الذي تميّز بالقوة والاصرار والعزيمة والثقة بالنصر. وقد شاهدناهن وشاهدهن العالم كله يتصدين لقضايا الثورة أمام وسائل الاعلام، ويوجهن الرسائل الاعلامية السياسية المختلفة على امتداد فترة ال “سنة أولى ثورة” كما تصدين للافتراءات والاكاذيب والتشويهات التي تقوم بها عناصر واجهزة اعلام النظام والمتطفلين على موائده ، الذين تفننوا في عكس الحقائق والاساءة إلى التحرك الثوري لشباب اليمن وشعبه. وأنا أدرك بأنه ليس منصفاً أن تختصر الرواية ببعض الأمثلة إلا أن الأحداث والصور الحية تحكي القصة بالتفصيل ، ولإظهار بعض مواقع القوة نذكر هنا نماذج فقط ، منها إننا سمعنا أُماً في المظاهرة النسائية العارمة في صنعاء في اليوم الثاني لصدور الفتوى الشهيرة للرئيس المخلوع حول تحريم الاختلاط تقول (وهي توجه حديثها له) بأن كلامه عيب وبقاءه على الكرسي عيب وكل ما يفعله عيب وانهن سيواصلن النضال حتى يرحل وسيبقين في الساحات مع ادواتهن (الدسوت والصحون والملاعق) وسيطبخن وسيقدمن الاكل للمعتصمين ... إلخ، وأنه لا يضرهن ما يقال . وأردفت أخرى – كانت أصغر عمراً وكاشفة الوجه – قائلة لقد ائتمناك على الحكم فخنت الأمانة وعلى أموالنا فسرقتها وائتمناك على اعراضنا فانتهكتها .. وبعد كل ذلك تعتقد بانك ستبقى ... قسماً إنك سترحل ونحن من سيرحِّلُك (وتقصد هنا نساء اليمن ). وصورة أخرى من تلك ، كان يوم استشهاد الشهيد هاني الشيباني بقذيفة فاجأتهم إلى المنزل في تعز ، حينما رأى العالم على شاشات الفضائيات جرأة وشجاعة أخته وهي بكل جلد وصبر تقوم بجمع المخ المتطاير من رأسه في أرض الغرفة بملعقة ووعاء ، ثم تطبع بيدها على دمه في قاع الغرفة وتكتب بالدم على الجدار فقط كلمات بسيطة “ارحل يا سفاح “. شواهدٌ كثيرة وعظيمة دلّت على أن نساء اليمن في خروجهن وتواجدهن في ساحات الحرية والتغيير كسرن حاجز الخوف و الموانع الاجتماعية التي صنعتها العادات و التقاليد و تيارات الإسلام السياسي و غيرها من حملت الثقافات المعادية للمرأة. وقد دأبت تلك القوى بتحالف متين بين ثقافتها وثقافة النظام المطلوب إسقاطه إلى إثارة قضية الاختلاط بين الرجال و النساء في الساحات والمظاهرات ، بهدف الحد منه سيراً نحو إضعاف الحركة الشعبية العارمة التي أخافتهم جميعاً. ولمواجهة ذلك قاومت المرأة اليمنية حتى محاولات عزلها في ساحات الحرية و التغيير من قبل متطرفي تيار الإسلام السياسي ، ويجزم المشاركون بالساحات بانتماءاتهم إلى “حزب التجمع اليمن للإصلاح “، وهم عادة ما يهاجمون خيام فيها رجال و نساء من الثوار الذين يعملون معاً في مهام نضالية ويخوضون نقاشات مشتركة تتعلق بخطوات العمل، وقد عملت تلك القوى على تفريق الاختلاط بالقوة نتيجة لسيطرتهم على ساحة التغيير في صنعاء و منصتها و لجنتيها التنظيمية و الأمنية ، ويعتبرون سلوكهم ذلك عملٌ جهاديٌ . وقد وصفت حوادث الاعتداءات على الناشطات داخل الساحات وخارجها عن حق بأنها كانت مؤشرٌ على مدى عجز الحركة الاحتجاجية المطالبة بإسقاط النظام و الانعتاق من واقع ثقافة النظام الذي تدعو إلى تغييره . وكما حصل في بلدان عربية أخرى كنّ نساء اليمن دائماً الهدف الأسهل أيضاُ للأجهزة الأمنية التابعة للنظام فقد تعرضن للإهانة و السب والشتم باستخدام أقدح الألفاظ وأكثرها بذاءة ، وكانت تهم الشرف و العار جاهزة بخطابات أزلام النظام كبارهم وصغارهم ، وأجهزة الإعلام التي يتم الإنفاق عليها من أموال المجتمع ، كانت وسيلتهم الناجعة من وجهة نظرهم ، في العمل من أجل التخفيف من الضغط الثوري الذي أضافت إليه المرأة قوة وعظمة بل وصنعته، وعندما لم ينفع كل ذلك تعرضت النساء لتهديدات من أشخاص مجهولين بعد المظاهرات أو بعد خروجهن من الساحات وعودتهن إلى البيوت ، وتعرضن للضرب مباشرة والاختطاف والقتل والجرح من قبل قوى الأمن القومي والمركزي والحرس الجمهوري واستخدموا لذلك حتى المرتزقة المجندين بملابس مدنية، وحدث ذلك في مناطق عدة .. حدث في صنعاء: في شارع العشرين ، وجولة الحرية ( كنتاكي سابقاً) وفي موقعة القاع الشهيرة التي لازالت كثيراً من خفاياها ومعلومات ما جرى فيها طي الكتمان ، وفي تعز: في المسيرات العامة وساحة الحرية أثناء التظاهر والاعتصام ، وأثناء صلاة الجمعة الشهيرة بتاريخ 11/11/2011م حيث استشهدن ثلاث ثائرات من جراء قصف قوات النظام ، وفي المنازل التي لم تستثن من القصف الهمجي . لكن نساءنا اللاتي قدمن نحو 20 شهيدة وعشرات الجريحات تحملن كل ذلك ، وتحملن التيتّم من الأب والأم ، وفقدن الأبن والبنت والزوج والقريب والصديقة ، وكنّ أقوى من كل تلك الممارسات والأعمال الإجرامية وقد أدهشن الجميع. إن مشاركة المرأة اليمنية الواسعة في المسيرات والاعتصامات والفعاليات المختلفة داخل ساحات الحرية والتغيير اكسبتها خبرة جديدة ، ونقلتها إلى واقع اَخر رفع من مستوى ثقتها بنفسها، وكانت احداث القتل التي عاشتها قد زادتها صلابة وعمقت من قناعتها بضرورة مواصلة مسيرة الثورة حتى التغيير الشامل ، وأثبتت انها قادرة على تتجاوز الثقافة النمطية للمجتمع ، التي ما انفكت تتعاطى مع أي دور مفترض للمرأة خارج حدود “المطبخ والمنزل” بالكثير من التشدد والتحفظ وحتى الاستخفاف بسقف الإنجاز المحتمل . الا أن اليمنيات استوعبن مكونات العمل الثوري في مختلف المدن اليمنية ، واستطعن قيادته في جوانب عديدة مهمة ومؤثرة. لقد وحدتهن أهداف الحرية والكرامة والعدالة في وطن لا يفرّق فيه بين شخص وآخر بسبب لونه و نوعه وانتمائه الاجتماعي والسياسي والفكري . وكدليل على قوة الإرادة وارتفاع مستوى الوعي ، تم تشكيل كيانات ثورية معبرة عن الحضور النسائي كأحد عناصر الفعل في الثورة الشبابية – الشعبية ، لتشهد ساحة الحرية في تعز ذاتها تشكيل أول حركة تنظيمية نسائية من نوعها تنشأ في ساحات التغيير والحرية الممتدة على خارطة (17) مدينة يمنية تحمل اسم “حركة المرأة الحرة” وتضم في عضويتها - التي لا تقتصر على النساء بل الرجال أيضاً- ، ناشطات وناشطين يمثلون العديد من المدن اليمنيةكصنعاءوعدنوتعز، ورؤية هذه الحركة ترتكز على تجذير المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية واحترام حضور ودور مشاركة المرأة. من أجل واقع جديد للمرأة اليمنية بعد الثورة : علينا ان نعترف بأن هناك خوف لدى المرأة اليمنية من المجهول القادم أي من ماذا بعد قطف ثمار الثورة؟ وهل ستتراجع حالة المرأة أم ستتحسن؟ وينبع هذا الخوف من القناعة القائمة على ان الرجل الذي يثور ضد الحاكم المستبد في الدولة سيرجع إلى بيته مشتاقاً للاستبداد بزوجته ، وهو قلق لدى المرأة العربية أيضاً حيث يطرح السؤال المشترك بصيغة واضحة، هل يا ترى تتحرر المرأة أوتوماتيكياً من القهر الأبوي في الاسرة حين يتحرر الرجال من القهر الطبقي والسياسي في الدولة ؟. وبصورة أخرى يخيّم على كثير من النساء خوف من أن الرجال الذين رحبوا وحرصوا على وجود المرأة في الشارع يتظاهرن من أجل الحرية قد لا يرحبون بوجودها فيما بعد في البرلمان والحكومة والمجالس المختلفة المحلية والمركزية . لذلك لن يكون هناك اي معنى أو مبرر للديمقراطية الجديدة في بلادنا إذا تم استبعاد المرأة باعتبارها صانعة للأحداث وليست فقط مشاركة فيها . وعليه يجدر بنا وبعد كل المعاناة التي عاناها شعبنا وعانتها المرأة، أن نضع آفاق التغيير المطلوب في واقع المرأة، وقبلها علينا أن نتسلّح بالقدرة لإقامة نظام مجتمعي قادر على مقاومة ذلك الارث ونقده وإحلال نظام العدالة محله - العدالة ذات الطابع المجتمعي المتحرر من جبروت الانسان نفسه أولاً ، ثم من أشكال الجبروت الأخرى- ذلك النظام ممكن إقامته كثمرة لجهود عدة ، منها خلق نهوض فكري إنساني واسع في مجتمعنا، وتطوير التعليم واساليبه لتتحول الحقائق العلمية إلى ثقافة في المجتمع تحل محل المسلمات الناتجة عن الثقافات القديمة والعالقة في أدمغة الناس والتي هي تتناقض مع ما يدرس من علوم في يومنا هذا، وسيساعد ذلك على تصحيح وتطوير المفاهيم لدى الناس وبشكلٍ خاص الرجال. لذلك لابد من التأكيد أن حرية المرأة في بلادنا ليست مرتبطة بإسقاط النظام السياسي فقط ، بل بتفكيك الانظمة الاجتماعية الأخرى التي تحالفت وقوَّت النظام السياسي والمنظومة الفكرية التي كبّلت المرأة على مر العصور . ولتحقيق ذلك فإنه بعد النجاح في تحرير المجتمع من الاستبداد ، لابد من العمل لتحرير الرجل من فكر الاستبداد في البيت ، وفي علاقته بالمرأة عموماً. واليوم فإن المسئولية التاريخية تحتّم علينا أن نعمل لتنمية تلك الشجاعة التي اظهرتها المرأة في الميادين بشكلٍ لم يسبق له مثيل ، والمشاركة في استمرار تحريرها من الخوف الذي زرعه المجتمع في عقلها ، وفرض عليها الطاعة المطلقة للرجل والاذعان له. و منطلقنا في ذلك هو الإدراك بأنه في نهضة المرأة نهضة الأمة وبرفعتها رفعة المجتمع ، وتنمية الفخر لدى المرأة بكونها امرأة ، وأنه لولا إنها امرأة لما كان المجتمع ولما وجد القادة والفلاسفة ، والمرأة اليائسة والذليلة والمُهانة لا تصنع للمجتمع إلا أطفالاً غير اسوياء ورجالاً غير واثقين بأنفسهم والمستقبل . إن الدور العظيم للمرأة والحقوق الانسانية الاساسية تفرض علينا بأن مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في كل مجالات الحياة غير قابل للنقاش ، ولا حل دون المواطنة الكاملة والتساوي أمام القانون والدستور دون اي تمييز مهما كان شكله أو اصله ، وهذه المساواة تحمل في طياتها إشراك النساء في كل ميادين الحياة والسعي معهن من أجل الوصول إلى مناصب المسئولية السياسية من أدناها إلى أعلاها. وإذا كان من ابرز المهام التي يجب أن تنجز بعد الثورة هي صياغة دستور جديد للبلاد فإن المطالبة بتغيير الدستور يعني فيما يخص المرأة بوضوح ، تغيير قواعد الحياة الاجتماعية التي تكبل المرأة بالقيود الاجتماعية وغيرها من المعتقدات الاجتماعية التي تتمحور حول الذهنية الذكورية والتي غالباً ما يتم تلبيسها لباساً دينياً . أي المطلوب أن يتضمن الدستور كافة الحقوق الإنسانية للنساء والمساواة في المواطنة، حيث أن الحقوق الإنسانية للنساء هي محور الديمقراطية والتحديث والعدالة الاجتماعية ، الاجتماعية، وترسيخ القيم الإنسانية العامة، في سبيل التحرر من الإقصاء والتمييز وعدم تكافؤ الفرص وتقليص الفجوة الشاسعة بين الرجال والنساء. هذا كله يعني أن ينص الدستور صراحة بالمساواة بين النساء والرجال في الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأن ينص على الاعتراف بالقوانين الدولية لحقوق الإنسان. و على تجريم التمييز ضد المرأة ، وتجريم العنف ضدها ، واعتبارها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ومساً خطيراً بالنظام العام، والنص الصريح بالحماية الفعلية للنساء من العنف والتمييز وتحديد آليات تلك الحماية . ووضع السياسات والآليات الكفيلة بتفعيل المساواة في مختلف مراحل بلورة السياسات العمومية وانجازها وتقييمها. وحول تعزيز المشاركة لابد من أن ينص الدستور على مبدأ المناصفة بين النساء والرجال في كافة مراكز القرار، ومسئولية الدولة في اتخاذ كافة التدابير الإيجابية الضامنة لذلك في النفاذ إلى كل مواقع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقضائي والإداري ، وذلك على الصعيد الوطني والمحلي. إن إثبات المرأة اليمنية لجدارتها ولدورها العظيم في الثورة يعطي مشروعية وحق للمرأة ومنظماتها المدينة في صياغة كل ما يخص المرأة والطفل في الدستور الجديد ، وينبغي على الجهات كلها الاعتراف بذلك وتسهيله . على الدولة والمجتمع جعل مناهج التنمية البشرية ومفاهيمها جزء من الفكر التنموي في اليمن ، فبدون تنمية البشر لا تنمية في المجتمع ، وإضعاف المجتمع وتجهيله ليسهل حكمة فلسفة يرفضها القرن الواحد العشرين ، من هنا فإن الدولة مسئولة مسئولية كاملة على الرعاية الصحية الكاملة للأم و لطفل وبصورة مجانية ، إضافة إلى الحق الكامل بالغذاء وحمايتها من سوء التغذية ، فذلك هو استثمار المستقبل . وعلى كل الجهات مسئولية التأثير باتجاه جعل مقررات الدراسة ومعلميها يدرّسون ومن المراحل الدنيا أساليب التعامل بين الجنسين والاحترام المتبادل بينهما منذ الصغر ، ليتم إنشاء وتخريج جيل يحترم حقوق المرأة ويدعمها . ومن القضايا المهمة المطلوبة إلى جانب الاهتمام بتعليم البنات باعتباره حقاً وواجباً ، هو توفير الفرص المتكافئة أمام المرأة للوصول الى منابع المعرفة وموارد الانتاج ، وتعزيز استفادتها من التكنولوجيا ومن النظم التقنية المتطورة إلى جانب تأهيل النساء الناشطات في مختلف القطاعات الانتاجية وخاصة القطاع غير المنظم ، بهدف تحسين قدراتهن وجعلهن أكثر ارتباطا بمنظومة الاقتصاد المتطور . ولكي نحقق نجاحات فعلية ومباشرة ترتقي الى حجم المشكلة ، على النساء تنظيم أنفسهن في منظمات موحدة وبالتالي لخلق جبهة موحدة مع بقية أطراف المجتمع المدني ، ليكنن قادرات على فرض مطالبهن والتأثير على مواقع القرار وأن يكن جزءاً من القرار لتثبيت الحقوق ابتداءً من صياغة الدستور .