تعد المشاركة السياسية للمرأة أحد المؤشرات الهامة لمعرفة مستوى السير في عملية التحديث والتنمية، فإمكانية النهوض الحضاري لأي مجتمعٍ من المجتمعات مرتبطة بمدى اتساع مساحة الحقوق والحريات، بما فيها تمتع المرأة بحقوقها على الصعيدين النظري والواقعي، فلم يعد الاهتمام بحجم المشاركة السياسية للمرأة من قبيل الترف، لما يحمله من دلالات واقعية على مدى النهوض الحضاري والعقلانية السائدة في المجتمع. وفي اليمن مرت المشاركة السياسية للمرأة بتطورات مطردة منذ قيام الثورة و حتى اليوم، ففي مرحلة الدولة الشطرية، وبالرغم من الاهتمام الذي أولته الحكومات اليمنية المتعاقبة للمرأة في مجالي التعليم والعمل، إضافة إلى إقرار دستور 1978-1970 م، للمرأة بالحقوق والواجبات أسوةً بالرَجُل، إلا أن مشاركتها الفعلية في مواقع السلطة واتخاذ القرار كانت شبه منعدمة، فلم يحدث أن تقلدت امرأة منصباً وزارياً، ولم يضم مجلس الشعب التأسيسي في عضويته عنصراً نسائياً واحداً، فالقوانين المتصلة بالمشاركة السياسية للمرأة في اليمن ظلت، في معظمها، مجرد أمنيات ، إذ أن المرأة اليمنية – في هذه المرحلة- لم تنل الحق القانوني في التمثيل السياسي أو شَغل المناصب في الشؤون الأخرى التي تخضع وتتحدد بناءً على معايير الإرث الثقافي، فقد سيطرت القيم التقليدية للثقافة على الممارسة السياسية، وظلت القيم الحداثية – في معظمها- قاصرة على الخطاب الرسمي ، و لم تتحول إلى عُرف جماهيري واتجاهات تحظى بتأييد المجتمع والرأي العام ككل، مسحةً المجال للثقافة التقليدية التي ظلت تمارس حضوراً قوياً في توجيه الأفعال والممارسات، لذا تأجل توسيع المشاركة السياسية للمرأة وضاقت أمامها فرص التفاعل السياسي، لتظل حقوقها السياسية أقرب إلى الهبة أو التفضل من النخب الحاكمة منها إلى الحقوق الأساسية، أما في مرحلة دولة الوحدة فقد تحقق تقدم نسبي في مضمار الحقوق السياسية للمرأة اليمنية ، بفضل أجواء التعددية السياسية والحزبية، وما رافقها من استحقاقات سياسية، فعلى الصعيد النظري تضمن دستور دولة الوحدة في المادتين (43 )، ( 41) من الدستور ، ما ينص على الحق في الترشيح والانتخاب، دون تمييز على أساس الجنس أو النوع، ويشير القانون الذي يتناول بالتفصيل هذه النصوص إلى حق المرأة في الترشيح بشكلٍ صريح في المادة (2) فقرة (ب) . أما على الصعيد الواقعي فإن نتائج الدورات الانتخابية التي شهدتها الساحة السياسية في اليمن، تشير إلى ارتفاع نسبة المشاركة السياسية لتسجيل المرأة في جداول قيد الناخبين بشكلٍ مطرد، على أن هذه الزيادة في عدد المسجلات من النساء في جداول قيد الناخبين تدفعنا إلى التفاؤل، على الأقل بوجود انفراج اجتماعي وتطور في موقف قطاع واسع من الرجال. لم يكن يتقبل- في السابق- فكرة خروج النساء ( الحريم) إلى مرافق عامة من أجل الشأن العام ، وما يرتبط بهذه العملية من التقاط الصور للناخبات، وتسجيل أسمائهن ، الأمر الذي كان الريفيون أو معظمهم، يتحاشونه في السابق، والطريف في الأمر أن المشاركة السياسية للمرأة في مدن رئيسية، كأمانة العاصمة، صارت تأتي في مرتبة تالية لبعض المحافظات التي يغلب عليها الطابع الريفي، كمحافظات لحج وأبين و شبوة، وبعض المناطق النائية في محافظة تعز، ولأن الزيادة الملحوظة للمشاركة السياسية النسوية، تأتي في محافظات ترتفع فيها معدلات الأمية بين الإناث أكثر من غيرها، فيمكن القول بأن هذه المشاركة لم تكن سوى مؤشر على حدة المنافسة بين أطراف العمل السياسي على صوت المرأة، كرقم في الصندوق يصب في مصلحة الرَجُل ، مما يدلل على قوة النزعة الذكورية، ولا تقل المرأة قناعة عن الرجل بالقبول بدوام الموقف من التصويت للمرأة، ويتجلى ذلك من خلال تصويت المرأة للرجل دون المرأة المرشحة، إلا فيما ندر، ومع ضُعف استعداد الناخب اليمني للتصويت للمرأة يلاحظ تراجع نسبة المرشحات من النساء من دورة انتخابية إلى أخرى، نتيجةً لاستمرار التكوين الاجتماعي الذي يغلب عليه الطابع التقليدي العصبوي والنزعة الذكورية التي تجعل الشأن السياسي حكراً على الرجل، لتأتي الانتخابات بما لا تشتهي المرشحات. وفي ظل الموقف المتخاذل للمجتمع تجاه المرأة المرشحة، و بعد أن تضاءلت أمامها فرص الفوز في الدورات الانتخابات السابقة، تتردد الأحزاب السياسية، بل وتحجم عن ترشيح المرأة، عقب التجارب القاسية التي منيت بها شخصيات نسائية بارزة تم التغلب عليهن بسهولة، نظراً لصعوبة الاختلاط بالناخبين في الأماكن المعتادة لتجمع الرجال، والنظرة الدونية والأنثوية للمرأة، المرتبطة باجترار الثقافة التقليدية، انعكاساً لتذبذب المشروع الحداثي وتنامي الولاء القبلي الذي لا يعترف بدور المرأة في الشأن العام، و ترتبط النظرة الدونية للمرأة بالثقافة التقليدية، القبلية والتقاليد الأرستقراطية، كامتداد لثقافة عصور الانحطاط الحضاري العربي، وما رافقها من استبداد القوي بالضعيف، ووصم الجانب الأضعف بالرذيلة والعار، ناهيك عن قبول فكرة اعتلاء المرأة لمناصب سياسية، فالموقف الاجتماعي الراهن تجاه المرأة لا يزال أسير المقولات التي تصف المرأة بأنها ناقصة عقلٍ ودين، وأنها خُلقت من ضلعٍ أعوج... إلى غير ذلك من الأقاويل التي امتزج فيها الموقف القَبلي الذي لا يكف عن قمع المرأة و تمجيد الذكورة، باعتبارها مصدر القوة والعِز و صمام أمان القرابة من جهة الأب، مع الفكر الديني اليهودي، الذي ينظر للمرأة بازدراء ويربطها بالخطيئة والشرور، ويرى فيها وسيلةً لإمتاع الرَجُل، ليس إلا. فمن الوارد أن مثل هذه الأفكار قد تسللت عبر أتباع الديانة اليهودية الذين استوعبهم المجتمع اليمني والعربي عموماً، واختلطت ثقافتهم بثقافة المجتمع، خصوصاً في الفترة التي شهدت ضُعف الحضارة العربية الإسلامية، بفعل حاجة القوى المسيطرة على المجتمع - آنذاك- لتوظيف أي فكرة مؤيدة للموقف القبلي والأرستقراطي المناهض للمرأة، وعلى الرغم من أن اليمن قد شهدت خلال العقود الخمسة الماضية تغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية واسعة، إلا أنها لم تكن من الشدة والعمق بحيث تُحْدث قطيعة مع الماضي بثقافته التقليدية التي لا تزال ماثلةً أمامنا حتى اليوم، ومتعايشة مع الثقافة العصرية، بما يحد من فاعلية التوجهات الحداثية، فالإسهام القوي للنظام القبلي في الحياة الاجتماعية والسياسية يعيق الاستقلال الاقتصادي للمرأة، ويضعف من قدرتها على التصرف في مالها، بما يترتب عليه من تدني مستوى تطلعاتها، لذا فإن رغبة المرأة في تقديم نفسها كمرشحة لا تزال محدودة، فكونها أقل استقلالية بمواردها المالية وممتلكاتها من الرَجُل، مسألة تُضعف من مقدرتها على خوض الحملات الانتخابية.. كما تعمل الأمية المتفشية في أوساط النساء على تكريس تبعية المرأة للرجل، وقد أسهم قانون الانتخابات في تقليص عدد المرشحات المستقلات، لاشتراطه ضرورة تزكية المتقدم أو المتقدمة للترشيح من قبل 300ناخب من مركز الدائرة التي سيرشح فيها وهو ما يمثل عقبةً أمام المتقدمات للترشيح، خصوصاً من النساء المستقلات، فموقف المجتمع اليمني من المشاركة السياسية للمرأة كمرشحة، يتسم – في معظمه- بالرفض إضافة إلى أن المرأة ليست بمنأى عما تمليه الثقافة السياسية السائدة والتي يغلب عليها الطابع التقليدي والنزعة الذكورية، ومهما بلغت ثقة المرأة بذاتها ووعيها بقدراتها إلا أن من شأن توقعاتها لسلوك الناخب أن تحبط من عزيمتها وتنال من إصرارها على خوض المنافسة الانتخابية، وإذا كان من شأن تقدم الرَجُل للترشيح أن يجمع حوله الأعوان والمؤيدين من ذوي القُربى فإن ترشح المرأة قد يُنظر إليه، من قِبل الأهل والأقارب، بأنه مدعاة للخزي والعار - إذا لم يتمكن الأهل من ثني المرشحة عن عزمها- وغالباً ما تصدق التوقعات بفشل المرأة المرشحة وعدم جدوى ترشحها، في ظل المنافسة غير المتكافئة مع الرَجُل، إذ شتان بينهما، فليس الذَكر كالأنثى في عُرف المجتمع، إذ يغلب على المجتمع، بأطره التقليدية ومنظماته المدنية، الميل إلى رفض تقبل المرأة كشريك سياسي له حقوقه، مع الحرص على الاستفادة من صوتها كرقم يحق للرَجُل أن يستغِله في صالحه، انطلاقاً من هيمنة الإرث الثقافي الذي يحاصر المرأة، ويعمل على تهميشها، والنيل من مكانتها، بما يقلص من فرص حصولها على حقوقها السياسية كما عبرت عنه بعض القوانين المتعلقة بالمرأة. وعُموماً يمكن القول بأن ما تحقق للمرأة اليمنية في مضمار المشاركة السياسية يجعلها الأفضل حالاً بين نظيراتها العربيات على المستوى الإقليمي، فقد تمكنت المرأة في الجمهورية اليمنية من الوصول إلى مجلسي النواب والوزراء..معتليةً مناصب كانت لفترات طويلة حكراً على الرجال، وإن ظلت هذه المشاركة عُرضةً للكثير من العقبات و العراقيل، على الأقل في الوقت الراهن، إلا أن مجرد إقرار الدستور و القانون بالحقوق السياسية للمرأة يعد تقدماً بالاتجاه الصحيح، إلى جانب قبول بعض الأفراد في المجتمع بهذا الأمر.