الوطنية هي السيادة الموطدة بتأثير التطوير المستمر, وهي وليدة العصر الحديث المرتبطة بذورياً ثم جذورياً مع نشوء الرأسمالية منذ القرن الخامس عشر, فالقرن الذي يليه, وصعوداً, حيث توطد المفهوم بمقدار ما ارتبط أفراد المجتمع وجماعاته بالقواسم المشتركة السوقية والثقافية العامة. وفي الحقيقة لا تطوير حقيقي بلا سيادة أو بلا تهديد جدي بالسيادة, كما لا سيادة بدون تطوير هذا الذي يقبع خلف توطدها, ولذلك نشأت الوطنية في اليمن مرتبطة بالتطورات الرأسمالية, حيث كانت العلاقات السلعية النقدية معروفة فيها بعد نشوء الطبقات؛ إلا أنها ظلت مسودة وجزئية ومحدودة, حتى توفرت الظروف المادية والتكنيكية والذاتية لانطلاقتها في الاتجاه المباشر نحو الرأسمالية كمجتمع ونظام. لذلك كانت الوطنية كنسق اجتماعي ثقافي ثم سياسي نافذ كانت مرتبطة كإرهاصات بالتطورات والمتغيرات الخاصة بالحرب العالمية الثانية وبُعيدها مع نشوء وانتشار العلاقات السلعية النقدية, وتعمقها الإنتاجي اللاحق في عدن ثم حضرموت ثم الشمال اليمني حتى قيام الثورة التي أطلقت لوتيرتها العنان وإن بدون منهجية وطنية نافذة, فيما كانت أقطار عربية عديدة ونامية أخرى سابقة لليمن في هذا الشأن ولعدة عقود بل ولقرنين من الزمان عند البعض أو حتى أكثر. أما قبل ذلك فكان المظهر الرئيسي للحراك الاجتماعي المتبدل أو التحولات الاجتماعية المتضادة, مظهراً أثنوغرافياً ثقافياً, حيث يستفيد الطامح من الاضطرابات التي تقلقل الجيران لفرض السيطرة الإثنية الثقافية عليه بل والسيادة الفعلية عليه ولو لردحٍ طويلٍ من الزمان, خاصة إذا ما استطاع تمثل انجازات المهزوم الأكثر تطوراً. طبعاً بعد حضور واتضاح قوة الشكيمة البربرية النابتة أو الآتية من أدنى المواضع الخاصة بالتطور الاجتماعي التاريخي, كالقبائل العربية في وجه الإمبراطورية العالمية المجاورة إثر انتصار الإسلام, أو كالقبائل الجرمانية مع الإمبراطورية العالمية الرومانية, أو من وضع اجتماعي ثقافي آخر متطور بوضوح وفتي يؤثر على الأوضاع الأدنى كما هو حادث إثر الثورات والمتغيرات العالمية في القرون الحديثة الأخيرة. ولذلك نجحت الثورات ومنها اليمنية في زحزحة الأنظمة التقليدية القديمة الصماء لإغفالها لمقوم ومدماك التطوير الجاد أو رفضها له, وهو ثاني ثنائي عضوي ديالكتيكي لمفهوم الوطنية الناشئ كمصطلح جديد مع تبلور العلاقات السلعية عموماً والإنتاجية خصوصاً, أي مع تبلور النشاط البرجوازي المهجري فالمحلي العدني والحضرمي ثم الشمالي. إن تعمم وانتشار العلاقات السلعية بمظهره التجاري ثم بتعمقه الإنتاجي المحلي (المتناسب) مع حاجات توثب واستقلال المجتمعات والأوطان يفضي شيئاً فشيئاً إلى قيام السوق الوطنية العضوية الواحدة, فيفرز ويعمم شخصياتها الحديثة الوطنية على أنقاض الوضع التقليدي القديم المتجزئ المتصارع المفكك عملياً والمتخفية خلف مظاهر ركودية ساكنة تكاد تبدي الأبدية على الصعيد الصوري, حيث لا تعكس ولا يمكن لها أن تعكس إمكانات نشوء شخصية وطنية حديثة أصيلة, إلا بالكاد, كما أنها لا تستطيع الانتشار والتعمم إلا إثر التغيير الصاعد الذي قد يأتي استمراراً لتداعيات داخلية أو خارجية طارئة. وفي الواقع ثمة من يشكك بهذا التعريف للوطنية راهناً للتغير النسبي أو الكبير لدلالاتها لتشابك وتداخل اقتصاديات وثقافات أقطار الكوكب التي حتمت الشراكة الإقليمية أو الدولية, إلا أن هذا التشكيك يسقط إذا ما ضمنا وجود إصرار جدي فعال لدى اليمنيين على سبيل المثال والذين يلتفون خلف القيادات والعناصر الجادة المستبصرة القائمة على الاستفادة من خبرات التحرر اليمني منذ الثلاثينيات حتى الآن, فضلاً عن الخبرات الأخرى المتصلة العربية والإسلامية والعالمية, وكذلك أيضاً الاستفادة المستندة على المزايا التنافسية الضخمة لليمن في شتى المجالات وحيث الشعب المحب والمُشبَّع بتقاليد العمل الغنية, وضرورة الارتباط الاستخراجي لكنوزه البكر في جميع مناحيه الحلوبة براً وبحراً وجواً, وأيضاً استفادته من وجوده الضامئ داخل شبه الجزيرة العربية في تحولاتها الراهنة المشرئبة كعمق استراتيجي فعال لها, فضلاً عن الاستفادة العلمية الدبلوماسية الفعالة من التباينات بل التناقضات المواتية للأسواق والاقتصاديات والسياسات العالمية والإقليمية, خاصةً وأن اليمنيين قد تفتحت آفاقهم العلمية الدستورية, واختاروا الديمقراطية كمنهج بناء ونماء منظومي, ولذلك يناضل المشترك المعارض من أجل توسيع التحالفات المعارضة في اتجاه جبهة أعرض في تاريخ اليمن المعاصر لا يستثني أحد ولا يقصي أحد, طالما كان في المعارضة في اتجاه التفرغ للتنمية الطوعية الشاملة وتنفيس مجدي للطاقات وكسب الناس وأيضاً ضمان القدرة على صون الدستور والدفاع عنه إلى جانب جهد ونشاط الحكومة الموقرة في هذه المجالات جميعها كالتزام مسئول منضبط للدستور الملزم في هذا الصدد, وعكسه تنفيذياً, تخطيطاً وتفعيلاً وإبداعاً علمياً, فنجاح. والحقيقة أن هذه الجبهة الأعرض المعارض لها مهمات كثيرة بحجم مشاكل البلاد, إلا أنني هنا أركز على مقومين اثنين فقط من مكونات نشاطها الشامل, إذ أنها ستتفرغ للإبداع العام وذلك في بعث أشكال النشاط التنموي الطوعي الجماهيري الواسع جداً مستعيدة الأشكال الفاعلة المتجددة والجديدة من الأنشطة الاقتصادية والخدمية, حيث تبعث التعاونيات المختلفة التي لها تاريخ إيجابي في التاريخ الحديث لليمن قبيل وإثر الثورة, كما يمكن لها أن تستنزف الفساد من خلال تشكيل لجان العاملين المتعددة الأغراض بالتعاون الوطيد والودي مع الحكومة. والسلام قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة @aleshterakiNet