يحاول علي صالح في كل ظهور له أن يبدو متماسكا وانه هو من ترتكز عليه مجريات الامور وهو من يتحكم بمساراتها، رغم انه في حقيقة الامر قلقا ومنهارا من اعماقه محاصرا بخيباته وبما اقترفه من جرائم بحق اليمنيين مدركا ان هذه الحرب التي خاضها بتحالفه مع مليشيات الحوثي ضد اليمنيين سيذوق وحده الكثير والاسواء من ويلاتها. من هذا الادراك وبعد ان وجد الرجل نفسه محاصرا بكل جرائمه التي ارتكبها علاوة على غضب شعبي تضخم في كل عموم البلاد وبدأ يتوسع حتى في حاضنته الشعبية، يظهر صالح متوددا دول الخليج وعلى رأسها السعودية في كل خطابته الاخيرة تحديدا، وان بدا غير ذلك لكنهم يفهمون رسائله فهم من خبروه كثيرا طيلة عقود مضت. منذ بداية المرحلة الانتقالية التي عقبت ثورة 2011م والتي جاءت مستندة على المبادرة الخليجية والرجل يستنفذ كل اوراقه الورقة تلو الاخرى رغم الفرصة الذهبية التي حضي بها واعوانه بقانون الحصانة، الا ان عقلية المقامر سيطرت وتحكمت على ذهنيته ودفعته بغرور الى ممارسة الانتقام بحق خصومه والشعب عامة حتى اوصل البلاد الى ما وصلت اليه اليوم. يطل صالح بزيفه المعتاد مكررا مطالبه بحوار مباشر مع السعودية، منذ عام ونصف وهو يعزف على هذا الموال المحزن، الذي يعتقد انه طوق نجاته الوحيد من ورطته الكبيرة بعد تحالفه مع مليشيات الحوثي وانقلابه على العملية السياسية الانتقالية وشرعية الدولة ممثلة بالرئيس هادي. وبقراءة اعمق لخطابه الاخير، يذهب صالح الى ابعد من ذلك موهما دول الخليج انه تحت رحمة سلطة الحوثي وانه لم يعد متحكما بشيء ولو فُتح معه خط مباشر للتفاوض سيكون عونا للتحالف العربي في القضاء على من اطلق هو بنفسه عليهم العقائديين والذي حرض بصورة غير مباشرة اعلامه على فضحهم، وان التفاوض مع الحوثيين لن يجدي نفعا. وبالتأكيد فإن "الغريق يبحث عن قشة للنجاة" لذا نرى صالح يتخبط في كل اتجاه يبحث عن مخرج لازمته من دول الخليج، ويطلب من ايران في نفس الوقت التحالف معه ومد يد العون لدفع ما يسميه هو وحلفائه بالعدوان، الامر الذي يعكس مدى انهياره كبير الذي يعيشه. شن صالح في خطابه الاخير هجوما لاذعا على مليشيات الحوثي حليفه الاستراتيجي في الحرب والانقلاب، وان بدا ذلك مبطنا، فهل فعلا انفرط العقد وانقسمت الارادة السلطوية الانقلابية التي احكمت قبضتها على اجزاء واسعة من البلاد طيلة ثلاث سنوات بقوة السلاح، ومنهجية الغلبة الانتقامية الجهوية الاستبدادية الطائفية. يرى محللون سياسيون ومراقبون للشأن اليمني ان الانقسامات بدت واضحة اكثر في تركيبة تحالف الانقلاب والثورة المضادة "صالح – الحوثي" وان الشرخ بدا اعمق ويتوسع اكثر واكثر، وان الامور ذاهبة لامحالة الى التشظي، والصدام للقضاء كل على الاخر. فمن سيكون اللقمة السائغة للآخر؟ تفيد كثير من التقارير والمعلومات الموثوقة ان مليشيات الحوثي بدأت تضيق الخناق كثيرا على صالح في الآونة الاخيرة حتى وصل الامر الى تقليص حراساته ورصد تحركاته على كل المستويات، كما تعمل بجهد كبير على استقطاب عدد كبير من قواته وانصاره الى صفوفها. وفي حادثة تكشف مدى ما وصلت اليه العلاقات بين صالح والحوثي من انهيار اقدمت مليشيا الاخير على اقتحام منزل نجل شقيقه "توفيق صالح" والكائن في بيت بوس جنوبي صنعاء وصادرت كل محتويات مخازن الاسلحة والتي تحوي اسلحة متوسطة وكميات كبيرة من الذخيرة والاسلحة الخفيفة، وتم ذلك بتواطؤ من افراد حراسته التي استقطبتهم المليشيات والحقتهم بدورات تثقيفية مكثفة حسب ما نقله موقع "سبتمبر نت" الناطق الرسمي باسم الجيش التابع للشرعية. فيما وجه اعلام مليشيات الحوثي اتهامات لعدد من القيادات المؤتمرية المقربة من علي صالح وعلى رأسهم عادل الشجاع ونبيل الصوفي بالعمالة وما اطلق عليه زعيم الجماعة "الطابور الخامس". علاوة على ذلك تعرض مسؤولون ووزراء في سلطة الانقلاب -الغير معترف بها لا شعبيا ولا دوليا- محسوبون على صالح للاعتداءات والطرد من مكاتبهم كما شكى بحسب تغريدات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي عديد من كوادر مؤتمر صالح وانصاره تعرضهم للإقصاء والتهميش من قبل مليشيات الحوثي في كثير من الوزارات والمرافق الحكومية التي فرضوا سيطرتهم عليها منذ سقوط صنعاء في 2014 عبر ما سمي اللجان الثورية التي طالب صالح حلفائه الحوثيين بإلغائها. صحيح ان علي صالح كما يرى البعض لم يغادر السلطة مطلقا وان كان تنازل عنها بعد ثورة 2011م لكنه بقى يديرها عبر ادواته المعروفة والتي اشتغل على تأسيسها لمدة ثلاثين عاما ونيف، واعتقد انه بتدبير الانقلاب على شرعية الرئيس هادي سيتمكن من استعادة حلمه في توريثها، لكنه اليوم فقدها هو واسرته. فيرى مراقبون وسياسيون كثر ان لا مستقبل سياسي في المرحلة القادمة بعد انتهاء الحرب لهذا الرجل واسرته بعد كل ما الحقه بالبلاد من خراب ودمار وقتل وتقويض لكل مؤسسات الدولة، هذا من جانب، ومن جانب اخر اصطدمت مخططات صالح بطموحات جماعة الحوثي الفتية التي ترى احقيتها بالحكم عن سواها وفقا لمنطلقاتها العقائدية الدينية، فقوضت طموحاته وان كان يرسمها على النطاق الجغرافي ليمن ما قبل الوحدة. الجديد في خطابات صالح الاخيرة انه لم يعد يتغنى بما يمتلك من قوات كما في السابق طيلة العامين الماضيين، فهل صالح لم يعد يعول على قواته التي عجز عن دفع رواتبها وباتت تحت رحمة مليشيا الحوثي، ام لازالت الورقة الرابحة التي لا يريد اللعب بها ويدخرها في حال اندلاع أي صدام دامي مع حلفائه. منذ نهاية العام المنصرم والمعلومات تتوارد اما بشكل تسريبات او ممارسات وتكشف عن ان تحالف صالح والحوثي بدأ يشوبه الخلاف، لكن في الآونة الاخيرة بداء الصراع والتوترات تظهر للعلن وتعبر عن انقسام عميق في كينونة تحالف الثورة المضادة والانقلاب، انقسام يعكس تضارب مصالح حليفين يعمل كل منهما بروح المقامر في لحظة انهياره الاخير الذي لم يعد هناك ما يخسره ويمضي بخياراته الى ما لانهاية غير آبه بأي مآل. المقلق في الامر ان هذا الصراع الجديد والانقسام في بنية الارادة الانقلابية وان بدا انه يخدم مشروع استعادة الدولة والشرعية الا انه سيعيق أي تقدم في الحل السياسي للازمة كما سيطيل امد الصراع، فيما يرجح مراقبون ان دول التحالف وفي مقدمتها السعودية تلعب على الاوراق المتناقضة في عمق هذا التحالف الامر الذي قد يسهل عليها القضاء على صالح والحوثي بأدواتهم انفسهم على طريق استعادة استقرار المنطقة وشرعية الدولة اليمنية. في الواقع يبدو ان الحوثيين ادركوا هذه اللعبة وبدأوا متيقظين لكل تحركات صالح، فلهم جهازهم الامني الخاص الموازي لجهاز صالح، ومن خلال معطيات الواقع فهم مهيؤون اكثر من أي وقت مضى لخوض صراع دامي معه، وبدأ الاستعداد حقيقة منذ اعلان زعيم مليشيات الحوثي ترصد الطابور الخامس والذي كان المراد به انصار صالح اكثر من أي طرف اخر والذين وجههم صالح لخلق تذمر شعبي في اوساط الناس بصنعاء ومحيطها.