كتب: خالد عبدالهادي - اقتطع قادة القوات الرئاسية المشبعون بالهزائم الميدانية ثلاث ساعات من ليلة ظلماء ليحولوا سماءها إلى جحيم مشتعلة كي يقنعوا الناس بأن نجمهم مازال يلمع في السماء. ليلة الخميس، أمطرت المعسكرات الجاثمة على قلب المدينة والبلاطجة المتسربون من المخابرات والجيش والأمن سماء البلاد بأطنان مهولة من الرصاص المضيء الذي انطلق من الرشاشات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة في سلوك هستيري حجته تجاوز الرئيس علي عبدالله صالح خطر الموت بعد أيام من تفجير مازال غامضاً في المسجد الملحق بقصره الرئاسي. وفي الوقت الذي كان قتلة المحتجين العزل يحتفلون بنجاة زعيمهم، كان عشرات من المواطنين يتساقطون جرحى في مختلف مناطق البلاد جراء الرصاص العائد من الجو، وكان الرعب يتملك نفوس المواطنين والعائلات التي لم تعرف في البداية ما يحدث. نحو 80 شخصاً سقطوا جرحى في الاحتفال بإفاقة صالح من بروفة لسكرة الموت. حتى الاحتفال بتعافيه يستلزم بركة من دم مواطنيه. إنه النظام الذي قام على الدم من أول طلقة مهدت له باغتيال الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي في 1977، وهو النظام نفسه الذي حكم 33 عاماً بالدم والمؤامرات حتى إنه ليرسم نهايته اليوم بالدم. لم تسجل القوات الرئاسية التي يقودها أنجال عائلة علي صالح المدللون أي نصر ميداني. ولطالما استسلمت أو انكسرت أمام مسلحين لا يملكون شيئاً من تجهيزاتها العسكرية الحديثة ففطن هؤلاء إلى الحرب على الهواء ليسجلوا أول انتصار لهم في مسيرتهم الخائبة على حيز الفضاء المفتوح وقلوب الصغار والنساء. حتى عبده الجندي بائع النوادر الشهير في محفل صالح لم يرق له ذلك التصابي الفاحش فأبدى امتعاضه منه خلال مؤتمر صحفي يوم الخميس قائلاً إنه "غير مستحب" وهو الذي برر لقتل المحتجين العزل مراراً وابتدع لأجل ذلك نظرية "الجثث الجاهزة". وليس من تفسير لما حدث سوى أنه انتقام مجنون من عواطف المواطنين الذين لم يرف لهم جفن بما أصاب الزعيم بل احتفلوا به ليظهروا إلى أي حد يمقتونه ويرجون زواله أو أن قادة الجيش الرئاسي أرادوا تهديد الشعب المنتفض عليهم بأن البلاد ستصير في حال الإصرار على اقتلاعهم من الحكم بعضاً من ذلك الجحيم الذي أسعرته نيرانهم المنفلتة. وبين التفسيرين، لا بد أن نفض الشماتة عن عائلة صالح وأتباعه كان أحد دوافع إهدار كل تلك الذخيرة الكافية لهزم جيش عرمرم دون اكتراث لسكينة الناس وأمنهم أو توفير شيء رمزي على الأقل لمفعول الحساب والمساءلة. سيسجل التاريخ لأيقونات الفتوة المتصابية: أحمد، يحيى، طارق، خالد، عمار... أن جيشهم الخاص نفذ أضخم مناورة بالذخيرة الحية في الهواء تقريباً غير أنها لن تمنع سقوط عهدهم وذكراهم إلى أسفل سافلين. من يقول لمحاربي الهواء ..إن الشعب الذي سموه عدواً يدب على الأرض.