• من خلال المتابعة للأحداث الجارية والمعطيات على الأرض يمكنُ القولُ: إن طرفاً داخلياً يسعى إلى خلط الأوراق وإعادة ترتيب المشهد السياسي بدعم وإسناد قوى إقليمية. فالسعوديةُ التي عقدت لقاءاتٍ مكثفةً مع رموز الفساد والفارِّين من قبضة الشعب، ومع قيادات مؤتمرية تريدُ إعادة المشهد السياسي بما يتلاءَمُ ويتناسب مع مصالحها. ففي الأيام القليلة الماضية عُقدت لقاءات بين أمراء سعوديين وقيادات مؤتمرية بعد أن عجزت عن تحقيق أجندتها في إخماد الثورة الشعبية عبر القيادات الفارة، فلجأت إلى استدعاء قيادات مؤتمرية بارزة للتنسيق معها ولدعمها خلال المرحلة القادمة بكل الإمكانيات؛ مِنْ أَجْلِ إخماد وهج الثورة المستمر والمتصاعد. المؤتمر الذي اعترف بوجود لقاءات مع أمراء سعوديين لم يكشف عن طبيعة تلك اللقاءات ولا عن ما دار فيها. لكن المتابع للتطورات الأخيرة يجد أن الزعيم صالح يسعى إلى خلط الأوراق بدعم وإسناد سعودي لإعادة المؤتمر إلى الواجهة من خلال إلحاق الانكسارات في نفسيات الثوار. هروبُ هادي أو تهريبُه لا يخرُجُ عن وُجُود دور خارجي يتمثَّلُ في المخابرات السعودية وطرف داخلي لا يخرج عن صالح ومن معه، باعتباره المستفيد من ذلك، حتى وإن بدا بأنه ضد هادي، لكن لأنه يشعر بأن الثورة قد لا تستثنيه فإن عليه البحث عن إسناد ودعم خارجي؛ مِنْ أَجْلِ إعاقة الثورة عن مواصلة تقدمها حتى لا يصل إليه المد الثوري المتسارع الذي أخذ شعبيته وأصبح اللاعب الرئيسي في الساحة. فكل انتصار وتقدم للثورة يزيد من مخاوف آل سعود، ومن مخاوف صالح، من هنا كان صالح بحاجة إلى آل سعود والعكس كذلك. كان لا بد من إحداث إرباك في المشهد السياسي الراهن لكسر نفسيات الثوار الذين وضعوا حداً لمهزلة هادي ومن معه، وشرعوا في الإعلان الدستوري، متجاوزين آخر قلاع صالح والمتمثل بمجلس النواب، ولم يكن أمام صالح سوى التخطيط والتنسيق مع السعودية لإرباك المشهد وخلط الأوراق؛ لأن الثورة بدأت تتجاوز آخر الأعمدة التي يتكئُ عليها صالح ويراهن عليها وذلك من خلال تهريب هادي، وبالفعل تمكن صالح من الحفاظ على مجلس النواب الذي حظي فيه بأغلبية واسعة، وتمكنت السعودية من إيجاد طرف يمكن أن يؤدي مهمة عجز حلفاؤها الفارون عن تأديتها والحفاظ على الطرف الآخر المتمثل بهادي الذي أوكلت إليه مهمة تمزيق الوطن، وإيجاد توازُن في الجنوب مع الثوار وسَحْب البساط من الحراك في الجنوب ولو عبرَ مراحل. لا يوجدُ طرف مستفيد من تهريب هادي سوى صالح والسعودية، فحين بدأت نفسيات الثوار بالعودة إلى المشهد الثوري وبنفس الزخم، وتم التغلب على ذلك الحدث الذي أوجد تذبذباً لدى ضعفاء النفوس، وبدأ الطرح الثوري يعيد الثقة للناس كان لا بد من إيجاد حدث آخر يؤثر سلباً على نفسيات الثوار من خلال الهروب المنظم لبعض القيادات في الدولة بالتزامن مع الدعوات للتظاهرات المؤيدة لنجل صالح للترشح للرئاسة، باعتباره المنقذ كما يقول مروجو الحملة، وحتى تكون الحملة عند المستوى المطلوب عمل صالح ومعه دولٌ إقليمية على تهريب قيادات في الدولة حتى يكسروا معنويات المتفائلين ويحطموا آمال الناس، وحتى يعطوا نجل صالح تعاطفاً شعبياً من باب أن الثورة لن تحقق شيئاً، وأن العودة إلى عهد صالح ولو عبر نجله هو الحل. يخطئ صالح ومعه السعودية والإمارات وغيرها إن اعتقدوا أن نجل صالح هو الحل لليَمَن، ستعود الأزمة إلى نقطة البداية إن هو فكَّرَ بالترشح ولو حتى بضغط شعبي مفتعل. باعتقادي أن صالح ذكيٌّ ولن يجرؤَ على ترشيح نجله، وإنما سيدفَعُ بأحد القيادات المقبولة شعبياً للترشُّح؛ ليكونَ المجالُ مفتوحاً أمام نجله فيما بعدُ، ويكون بذلك قد حَقَّقَ ضربة معلم، لكنه بكل الأحوال سيصطدم برفض شعبي قد يغيّر من قواعد اللعبة والأيامُ القادمةُ كفيلةٌ بتغيير المعادلة.