لارتكاب ما اصطلح على تسميتها بقوات التحالف الثلاثيني المنضوية تحت ألوية الولاياتالمتحدةالأمريكية حماقة غزو العراق .. أسبابه ودواعيه،التي لم تعد خافية على أحد،وإن كانت تلك القوى المعادية لإرادة الشعوب قد تعمدت تغليف نواياها الحقيقية بذرائع ملفقة، لتبرير ماجرى شرعنته قسراً، عبر تسخير شماعة المجتمع الدولي كمسوغ لتمريره. ولما كان حبل الكذب قصيراً كما يقولون.. فقد افتضح أمر الأمريكيين وحلفائهم،بفعل تعرية ما ادعوه كذباً أمام شعوبهم، وقد تأكد للجميع على حد سواء، وبما لايدع مجالاً للشك أو التشكيك أن هذا البلد العربي الشقيق بريء من تهمة امتلاكه أسلحة دمار شامل، براءة الذئب من دم ابن يعقوب. لا غرابة إذاً .. في أن تتدنى شعبية الرئيس الأمريكي جورج بوش، لدرجة أنْ بات الرجل في وضع لايحسد عليه أمام مواطنيه، ولا غرابة كذلك في أن يواجه وزير دفاعه دونالد رامسفيلد سيلاً من الشتائم والإنتقادات،في آخر مؤتمر صحفي له قبل أيام، وعلى الهواء مباشرة، مما أجبر رجال أمنه على طرد مناوئيه من قاعة المؤتمر. وفوق .كل هذا وذاك.. تأتي استقالة بورترغوس مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من منصبه، في مطلع شهرنا الحالي، وبعد أقل من عام على توليه هذه المهمة، وإن لم تفصح الدوائر ذات العلاقة في الولاياتالمتحدة عن الأسباب الحقيقية لتقديمه استقالته، وبصورة مباغتة، بينما اكتفت المصادر المعنية من جانبها بالإشادة بإنجازاته،واعتبار الفترة التي أمضاها في منصبه هذه مرحلة انتقالية، في الوقت الذي أجمع فيه المراقبون على أنها ضربة موجعة لسيد البيت الأبيض الأمريكي بالدرجة الأولى. وعلى الجانب الآخر.. نشهد تراجعاً مماثلاً لشعبية توني بلير وحزبه الحاكم في بلاد الإنجليز، وهو ما أسفرت عنه نتائج الإنتخابات البلدية هناك، وقد اعتبره البعض بداية النهاية لرئيس الوزراء البريطاني، باعتباره بمثابة الهزة العنيفة التي عصفت بأركان إدارته العمالية،على حد تعبير أحد المراقبين. ويبدو أن لعنة العراق ستظل تلاحق كل من لهم أدنى صلة من قريب أو بعيد بارتكاب حماقة غزوه ذات ليل، وإن كان كبارهم لايزالون يتبجحون بمشروعية فرض وصايتهم عليه وتدخلهم السافر في شئونه دون تفويض من أحد. فلا هم تمكنوا من تبيان دليل واحد على أن هناك أسلحة دمار شامل عراقية، ولاهم خجلوا من أنفسهم أمام شركائهم فيما تحالفوا من أجله. ومن دواعي الدهشة والاستغراب .. أن نراهم لايتوقفون كثيراً في حالة مواجهتهم بفداحة ما ارتكبوه تحت ذريعة أكذوبة العصر، بل عادة ما يلجأون إلى استدعاء غيرها من الذرائع لتبرير فعلتهم النكراء. فتارة يدعون بأنهم جاءوا لتخليص إنساننا العربي في بلاد الرافدين من ديكتاتورية رئيسه الأسير، وتارة يتشدقون بشعار دمقرطة العراق، وإن كنا لانعرف على وجه التحديد أية دمقرطة تلك التي يسعون إلى جعلها نموذجاً يحتذى به في سائر بلدان منطقتنا العربية،ولم يعد هناك شبر واحد على اتساع خارطة عراقنا هذا لم يرتو بعد بدماء الضحايا الأبرياء ممن لاناقة لهم ولا جمل في كل مايجرى من حولهم، من تجليات مايسمونه بالفوضى الخلاقة، وقد طال أمد ماخلفته من دم وخراب.