ماكنت يوماً لأشفق على زعيم كما هو حالي اليوم مع ما آل إليه أمر الرئيس/ علي عبدالله صالح، فليس من رجل كلما عمل وضحى يجازى بالسؤال عن المزيد! أشفق عليك فخامة الرئيس لأنك حلمت ذات يوم من طفولتك أن تصبح رئيساً لليمن فإذا بالأقدار تلقي بك على أعتاب قصر رئاسي يخترقه الموت متى ماشاء ويغتال كل حلم يدخله ، وكل وطني يحمل مشروعاً لإدارة حكم اليمن .. فلم تكن فرصة الرئاسة أمامك غير ارتحال من أحلام فقر وظلم وحرمان إلى عذابات خوف على ثورة تكاد أن تتماهى، ووطن يكاد أن ينتكس للأبد، ويصبح الحطب الذي يلتهم أبناءه بلا تروٍ. وأشفق عليك لأنك عندما جازفت ، وتوليت الحكم، ونجوت بالوطن بعيداً عن موسم اغتيالات الزعماء والوطنيين والأبرياء كان في انتظارك عشرات التحديات الكفيلة بأن لا تغمض لأحد جفن .. فقد كان الفقر يكسر ظهور اليمنيين ، والجهل والأمية تعشعش بخرافاتها في سقوف البيوت ، وكان المرض كابوس اليمن لزمن النوائح والأوبئة ، وكان التشطير عنوان كل تمزق، وصراعاً دامياً يجوب بفتنه ربوع الوطن، وكل العالم يراهن عليه في التآمر على اليمنيين .. وكانت عشرات الملفات تنتظر من يفتحها ويحسم أمرها وينزع فتيل فتنها ، ولم يكن في الرئاسة أي حلم جميل يخفف العناء. اليوم أشفق عليك أكثر من أي زمن مضى لأنك حتى بعد أن ناضلت وكافحت واجتهدت ليلك ونهارك لقهر كل تلك التحديات وتحقيق حتى ما لم يكن لليمنيين في الحسبان يكافئك شعبك بأن لا يسمح لك بالرحيل .. وليس ذلك لأنه يريدك أن تنعم بهدوء الحياة السياسية وثمار الأمن والاستقرار بل لأنه يريدك أن تعمل له المزيد .. وأن تبقى حارساً أميناً لمستقبل الأجيال ، ولهذه المنجزات العظيمة التي بات كل اليمنيين قلقين من أن يفقدوها يوماً على يد سياسي طائش لايقدر الثمن الذي تحققت به. أليست هذه مفارقة غريبة يا فخامة الرئيس أن تنقلب تضحيات المرء وانجازاته عبئاً عليه، وتصبح كما لو أنها نذر على علي عبدالله صالح أن يفي به إلى ما شاء الله !؟ ربما سر الأمر هو أن علاقة الشعب اليمني برئيسه لم تعد كما المعتاد بل تحولت إلى علاقة أبناء بأبيهم لذلك لا يكف الابن من طلب حنان أبيه ورعايته، ومشورته، وتجربته والحكمة التي تؤمن له العيش بأمان وسلام! ومع أنني أشفق عليك فخامة الرئيس من طمع اليمنيين في بقائك ، لكنني في الوقت ذاته أتساءل : ياترى إذا كان الرئيس/ علي عبدالله صالح، قد خسر زهرة شبابه في خدمة الوطن وبنائه فما الذي بقي من العمر الذي يستحق البخل به على الوطن !؟ كل ما يمكن أن يتمناه المرء عندما يصبح رئيساً أو بمركز رفيع قد فات علي عبدالله صالح الاستمتاع به، فهل سيفكر علي عبدالله صالح، بقضاء إجازة في منتجع أوروبي ، وقد فاته أن يفعل ذلك في عز شبابه!؟ وهل سيأمل قضاء نزهة مع أسرته وقد أصبح كل أبنائه آباءً وانهمكوا بمشاغل الحياة ، ولم تعد فيهم عذوبة الطفولة التي يستمتع بها أب في الاجتماع بأبنائه!؟ ماذا أبقيت لنفسك يافخامة الرئيس للاستمتاع به إذا ما ابتعدت عن دوائر الحكم .. فكل شيء بذلته لشعبك ، وضحيت به لأجل اليمن .. وكل شيء سيتحول إلى تاريخ عظيم تفاخر به الأجيال ، وتزايد على الشعوب الأخرى به ، وتجني ثماره برغد الحياة في وقت لايرجو فيه أي واحد منا إلاّ أن يقابل الله بوجه أبيض ، كريم يجازيه الله عليه خير الجزاء. ليس أمامك فخامة الرئيس غير أن تكمل المشوار فأنت من نذر نفسه لشعبه ووطنه وأنت من عليه أن يفي نذر نفسه .. وأنت النموذج التاريخي الذي يجب أن يبقى لرفع هامات اليمنيين وكل العرب .. فأنت إنسان بمعنى الكلمة لهذا يريد الجميع بقاءك بينهم.