مع كل حدث وسانحة لاسترداد الكرامة والسيادة العربية وتحرير الإرادة والقرار العربي المغتصب تأبى الزعامات العربية إلا أن تكون زعماً لا حياة فيه ولا حقيقة تعبر عن وجوده.. الأحداث المتتالية التي تعرضت لها الأمة، وتتعرض لها من غزو واحتلال، وقتل وتدمير لمصادر الحياة وأسباب العيش في أدنى مستوياته، تبرهن أن ما نسميهم حكاماً ليسوا في الحقيقة إلا موظفين في أدنى السلم الوظيفي لدى الصهيونية العالمية التي تحكم واشنطن وتل أبيب، فهم يؤمنون أن وجودهم يرتبط بكل فعل يترجمون فيه انتماءهم لتلك القوى.. ومن ثم فهم يؤمنون أن أي فعل يصدر عنهم يكون على النقيض ولو في أحلامهم يهدد بقاءهم حيث هم الآن، ويجعلهم ذلك يعيشون حياة في ظاهرها وأمام المتابعين لشاشات القنوات الفضائية القضائية وعبر وسائل الإعلام المختلفة السلطة والقرار، وفي باطنها ومن خلفها تظهر صورة أخرى هي صورة المهانة والوقوع في قعر التبعية، صورة تظهرهم أجراء يعملون وفق عقد أبرموه قبل وصولهم أو أثناء الوصول حولهم إلى قطع شطرنج تحركها القوى الاستكبارية، وتوجهها نحو حماية مصالحها ولا تمنحها إلا مساحات ضيقة ومحدودة جداً لتروج لأقطارها والتشدق بالسيادة والاستقلال والإرادة الحرة. لسنا بحاجة إلى شواهد من الماضي القريب بل يكفي أن نقف على الشواهد الحية التي نراها اليوم ونعايشها، فالكيان الصهيوني يقوم بأسر الشعب في فلسطين داخل السجون وفي السجن الكبير المفتوح في كل شبر فلسطيني وعلى مستوى كل فلسطين من الماء إلى الماء، وحين قامت المقاومة الباسلة بأسر جندي غاصب للأرض والتاريخ قامت الدنيا ولم تقعد وشن الهمج والبرابرة الغاصبون حرباً واسعة أتت على كل حي من البشر والأرض الزراعية والمساكن، واعتبر ما قام به الصهاينة دفاعاً عن النفس وما قامت به المقاومة تهوراً وعملاً مغامراً لا مبرر له.. وجاء هذا على لسان «البيت الأسود»، ولم نسمع «الزعم العربي» الذي يسمى «حكاماً عربياً» ركزا، ولم يحركوا شيئاً في اتجاه الانتصار للأمة في فلسطين، ولكنهم لم يتوقفوا عن جهود لم تكل ولم تمل في ممارسة كل أشكال الضغط على الفلسطينيين ليسلموا «الأسير» دون قيد أو شرط. ياسبحان الله لم تحرك الدماء الفلسطينية المهدرة من قبل الصهاينة الدماء المتجمدة في عروق «الحكام هنا» و«الخدام هناك»، وتظهر الصورة جلية حين تكرر موقف مماثل في لبنان الذي سعت المقاومة الإسلامية اللبنانية الانتصار للأمة عبر عملية نوعية لقن فيها المقاومون العدو الغاصب ومن يقف معه وحوله ووراءه درساً لم يقوَ على تحمله «الزعم العربي»، لأنه أدى إلى كشف جديد عن حقيقة سعي كثير من الحكام الزعم لإخفائها والادعاء بغيرها.. فرأينا عبر القنوات الفضائيات وسمعنا أخباراً بُبغاوية، مفادها أن ما قامت به المقاومة في لبنانوفلسطين مغامرات غير محسوبة، وحمّلت المقاومة المسئولية، ولم تتحدث عن مأساة وكارثة استباح الغاصبون فيها كل شيء في لبنان من مؤسسات ومواقع مدنية وحيوية تقوّض معها الحياة في أوساط المواطنين، وصار من الصعب عليهم الانتقال للفرار من حرب الإبادة البشعة، أو السعي للبحث عن مصادر لمواد غذائية تعينهم على البقاء وتسد رمقاً في متطلبات العيش، فالمطارات قصفت، والجسور دمرت والمنازل نسفت، والأحياء أزهقت أرواحها وسفكت دماؤها في أكثر من موطن سكاني بلغ حسب الأخبار أكثر من أربعين مدنياً، فيهم أسرة كاملة مكونة من اثني عشر فرداً هدم المسكن عليها جميعاً ولم يخرج من أفرادها أحد فيه حياة!! نقول رغم هذه الصورة الكارثية، خرج البعض ينددون بفعل المقاومة ويعدون ما قام به الكيان الصهيوني رد فعل مبالغ فيه، لهؤلاء نقول إنكم لم تستوعبوا الدروس ولم تفهموا جيداً الحقائق الجارية على الأرض كما لم تفهموا من قبل دروس التاريخ وغيره، فكان بإمكانكم أن تؤسسوا على ما قامت به المقاومة في فلسطينولبنان لعمل عربي مشرف، يعطي مبرراً لاتفاقيات الدفاع العربي المشترك من ناحية، ولأسباب وجود جيوش ينفق عليها الكثير على حساب مستوى المعيشة للإنسان العربي الذي وصل حداً لا يُحسد عليه. من ناحية أخرى وإذا لم تكونوا على فعل من هذا النوع وهو الواقع، فكان عليكم الصمت ودفن رؤوسكم كما هي العادة في الرمال، ولكن إلى حين فمسيرة الانعتاق منكم تتشكل وتغذيها من وقت إلى آخر أفعال المجد والكرامة للمقاومة في فلسطين والعراق ولبنان، ولهذا فأنتم أمام مفترق طرق إما العودة إلى الأمة والتكفير عن أخطائكم بالاصطفاف معها في خندق المقاومة والتحرير، أو الفرار إلى الأمام إلى مزبلة التاريخ لاجئين إن نجوتم في عواصم أجنبية إن سعدتم بهذا، تلطمون خدودكم وتندبون حظكم العاثر لأنكم ستجدون أن عمالتكم للصهيونية لا يثمر ولا يوفر حماية شأنكم شأن الكثيرين أمثال امبراطور الفلبين وشاه ايران وعقيد بنما وغيرهم.. لأن من يتنازل عن كرامته ويقبل بدوسها والعبث بها لا يجوز له أن يطالب بها بعد أن صار عظماً لا قيمة له.. فهل تعتبرون..؟ فأمامكم فرصة ثمنية للتعجيل بالفجر العربي الذي باعدتم بأفعالكم وانهزاميتكم بينه وبين الأمة، والذي تعمل المقاومة اليوم على تسريع بزوغه وظهوره ظهوراً كاملا