خطوات ثابتة، أنامل فولاذية، هامات شامخة، همةٌ تناطح الجبال، هؤلاء هم الذين رسموا خطى الغد الواعد في البارح السقيم.. فعلى غرار تلك الذرات التي سلبوها الشمس ورموها بين أيدي المستقبل كانت بداية الطريق إلى عهدٍ تتدلى من على شرفاته ثمار الحرية والديمقراطية والنماء والاستقرار في بلدٍ أبت ينابيع الإيمان والحكمة إلا أن يكون لها موطناً . فبعد أن تمخض جبل ردفان بفجر الحرية على أيدي الثوار في الرابع عشر من أكتوبر 1963م والذي سرعان ما انتشرت خيوطه لتباركها السهول والأودية والقرى والمدن حاملةً معها بشرى لميلاد اليمن السعيد كانت نقطة البدء لانتهاء عهد تصفدت فيه الروح عن الجسد السبئي طيلة قرن ونيف تعتقت خلاله الثورة في رحم النساء لتنجب أبطالاً حملوا على عاتقهم بناء صرح الحرية والاستقلال بعد أن جعلوا من أجسادهم لبناتٍ لذلك الصرح الشامخ . فمنذ أن اندلعت شرارة الثورة من جبل ردفان الأشم أدرك حينها المستعمر البغيض أنه لا مقام له في هذه الأرض التي تنبت نبات الثوار في كل ذرة من ذراتها ليحصد المستعمر ثمار الهزيمة والانكسار أمام أبطال هذا الشعب الأمر الذي جعلهم يذهبون أوار البحر علّهم يطفئون نيران المقاومة الشرسة إلى أن جاء يوم الثلاثين من نوفمبر 1967م والذي تم فيه جلاء آخر جندي مستعمر من هذه الأرض الطاهرة لتتوالى الأيام بعدها بين مدٍ وجزر، ولوحة سبأ لا تزال تشكو التشطير بعد ذلك تجلى اليوم الثاني والعشرون من مايو 1990م لتكتمل فيه ملامح تلك اللوحة السبئية على يد قيادتنا السياسية الحكيمة ودماء الشهداء الأبرار لتتوطد من خلال ذلك اليوم وشائج الأسرة اليمنية الواحدة . بعدها استطاعت اليمن أن تنفض عنها غبار الماضي سائرةً في درب الحكمة الذي وصلت به إلى واحة الحرية والأمن والاستقرار بخطىً راسخة وتجربة منقطعة النظير شهد العالم بنجاحها لتُزف إلى رصيد اليمنيين ممثلةً بالقيادة السياسية الحكيمة والشعب اليمني العظيم حضارة وتقدماً. أخيراً نستطيع القول: إن يوم الرابع عشر من أكتوبر هو دستور في الشجاعة والبطولة والحرية.. سطرته دماء الشهداء على يد التاريخ في بساط هذه الأرض المباركة .