فئة باغضة مبغضة .. نفوسهم منغلقة.. مدمنون على التذمر والتباكي .. ومؤمنون بنظريات الشك والارتياب.. مهووسون بذواتهم حد التقديس والعصمة عن الزلل والخطايا.. بشر .. نعم .. هم بشر.. لكنهم يبغضون البشر والاستبشار.. فقط لأنهم يرون حياة غيرهم شراً في شر.. أراذل الناس لساناً.. وأقبحهم بياناً.. يصادرون حق الآخرين في نقدهم.. وينقدون غيرهم بلسان بذيء مبين.. فيتبوأون المجالس والمقايل، والمكاتب والمقاهي، وكلما جمعتهم الظروف مع الناس حصدوا العباد حصداً.. من رئيس الدولة إلى أبسط عامل أو موظف!! مع القات يقتاتون البلاد والعباد، بالغيبة والنميمة.. ويلوكون بأساليب الخسة والدناءة أعراض الجيران.. وفلانة وفلان.. يحافظون على ترتيبهم في صدارة قائمة أولي الفحش والمنكر في الأقوال والأفعال. هؤلاء إن صاموا فسحورهم وفطورهم ، طعام وشراب ممزوج بآفات اللسان.. ويبتكرون افتراءات وتلفيقات ودسائس ومنكرات وبطرائق تفوقوا بها على إبليس الملعون، وجنوده. بفلتان ألسنتهم.. وهذيانهم، أحلوا لنفوسهم الموبوءة بالأدران والنقائص والصغائر، أن تتناول أسنة أقلامهم.. لحوم خلق الله.. فينقدون ويفرمون من يخالفهم الرأي فرماً.. ويمزقون سمعة الوطن وانجازاته تمزيقاً سواء في الصحف أم منابر الوعظ والارشاد.. فحولوا الجميل قبيحاً والحق باطلاً.. ومن إفكهم صارت مقايل رمضان عندهم موائد «لحم ضان». وهاهي العشر الأواخر التي فيها ليلة القدر، ومازالوا يؤكدون أن رمضان بالنسبة لهم ليس إلا «مرضان» فحالتهم ميئوسة.. وكان المؤمل أن يطابب الشهر المبارك ذوي النفوس المريضة.. غير ان عضال مرضهم قد تجاوزوا طور السرطان الحميد إلى الخبيث والعياذ بالله، ولا نملك سوى الدعاء لهم بالراحة التامة، وما داموا من ذوي البلاء والبلبلة، فديننا يحثنا على أن نقول كلما رأينا أمثال هؤلاء:« الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيراً من خلقه وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً». فمع أن الله تعالى أنعم على عباده بشهر رمضان وفرض عليهم في أيام معدودات الإمساك المفطرات ورغم ان الشهر الكريم مناخ صحي للتوبة والانقطاع عن الذنوب والآثام، والتعافي من التناحر والتنازع، وكف الأذى، وتطهير القلوب كما الأبدان من ملوثات التصقت بها خلال العام.. إلا أن تلك الفئة من أراذل الناس ما زالوا محافظين حد المغالاة على تقاليد وطقوس «طول اللسان» من سب وشتيمة، وألوان البذاءة واللعن وأخواتها.. جاهلين أو جاحدين نعمة الله عليهم.. بمحطة رمضان المبارك. ما يعجب له المرء السوي، ويكاد يفقد صوابه، أن يرى البغضاء تتجذر في نفوس بعض الناس إلى درجة عجزت الأيام المباركة للشهر الكريم عن استئصالها واجتثاثها، أو نزعها مؤقتاً من تلك النفوس الموبوءة.. مع كل ما يتضمنه رمضان من عناصر الطهارة، وما تزخر به أيامه ولياليه من شعائر ومشاعر تصفو بها الأرواح، وتجلو صداها.. وتتعافى بروحانية وجمال لياليه القدرية، وأنوار الرحمات والمغفرة الإلهية.. ونفحاته الربانية.. وبما يغمر كوكب الأرض من تنزل الملائكة والسلام والسكينة في عشره الأواخر التي فيها ليلة القدر هي خير من ألف شهر في الأجر والمغفرة والعفو والرحمة. لا عجب إذاً، إن أغلق هؤلاء على أنفسهم زنازين، ولا غرابة أيضاً إن أدوا دور الشاويش.. ولهذا فالقلم واللوم مرفوع عن أصحاب الغرف المغلقة التي يرون منها اليمن الوطن والإنسان.. فالمغلولة نفوسهم والمعلولة قلوبهم ينامون ويستيقظون ويخزنون القات في غرقهم، فغرقوا في أوهامهم.. وسيهرمون أيضاً.. لكن لن يهرم اليمن ، ولن تصيبه منهم بذاءة أوعداوة.. ويا يمن «إن شانئك هو الأبتر».