ليس حدثاً مثيراً ، وليس مفاجأة مذهلة ، إنما هو كارثة مروعة أن تخبرنا الحكومة بأنها اكتشفت أن شركة صوامع ومطاحن عدن باعت المخزون الاستراتيجي للأمن الغذائي اليمني من مادة القمح !! ومع أن الحدث المروع يعد سابقة تاريخية ، ويؤكد مدى الخطر الذي بات يشكله الفساد ، ويتطاول به على الأمن الغذائي القومي لليمن ، ويضرب كل الاعتبارات الوطنية عرض الحائط ليتخم بطون أسرة مقابل تجويع شعب بأكمله ، إلا أن الغريب هو أن أحداً لم يجرؤ على تسريب الخبر لوسائل الإعلام إلا أمس الأول ، مع أن الحكومة اكتشفت الحقيقة منذ أسابيع ! وهنا نريد أن نكون صريحين ، وجريئين ونسأل الجهات المعنية :لماذا هذا التحفظ على كشف اسم هذا المجرم الخطير الذي استهتر بالجميع ، ولم يحترم حكومة أو قانوناً ، أو سيادة وطنية ، أو شعباً قوامه اثنان وعشرون مليون نسمة !؟ هل أن سمعة هذا الشخص أهم من سمعة اليمن فتخشى الجهات الرسمية من كشف اسمه وأسماء كل المتورطين معه ، فيما لاتخشى أن يلحق العار بنا جميعاً أمام الرأي العام ، ويصبح كل تاجر وكل مواطن يمني تحت شبهة الفساد ، والاستهتار بسلطة الدولة!؟ ماذا بعد أن يبيع الفساد المخزون الاستراتيجي للأمن الغذائي اليمني ! هل سننتظر حتى يبيع الوطن لبنة بعد أخرى لنفضحه ، ونقود حملة تشهير ضده حتى يصبح عبرة للآخرين ، فإذا كانوا لايخافون الله ربما سيخافون الفضيحة والعار الذي سيلحق بهم وبأبنائهم ، ويحرق أسماءهم في السوق إلى الأبد! لقد أعلنها الرئيس علي عبدالله صالح ثورة على الفساد والمفسدين ، وحذر بالفم المليان بأنهم إذا لم يقلعوا عن ممارساتهم المشينة سيكشف ملفاتهم لوسائل الإعلام.. ومن يومها وكلنا رفعنا أقلامنا وقلنا «لبيك ياقائد مسيرة اليمن.. كلنا جنود في خندقك ورهن إشارتك لخوض حرب ضارية على الفساد والمفسدين ، ولن نرحم أياً منهم مهما كانت صفته أو مركزه .. لكننا اليوم نقف عاجزين عن عمل شيء لأننا لانجد من يكشف لنا أسرار الفساد ، أو حتى يدلنا على رأس خيط الموضوع لنتولى البحث والاستقصاء ، والوقوف على الحقائق ، فأقلام الشرفاء كثيرة ، ومتأهبة لكنها تحترم القانون ولاتريد المجازفة بحديث لايستند إلى وثائق مخافة الوقوع في ضلالة الإشاعات والحسابات الحزبية. الأخ رئيس الجمهورية عندما هدد بورقة وسائل الإعلام فذلك لأنه يعرف كل المعرفة أهمية شراكة الإعلام في الحرب على الفساد.. ولأنه يعرف أيضاً طبيعة التركيبة الاجتماعية للشعب اليمني ومعنى أن يرتبط اسم أحدهم بفضيحة فساد مريعة بحجم بيع صوامع عدن للقمح الذي أودعته في مخازنها المؤسسة الاقتصادية اليمنية ، فمثل هذا العار يلاحق صاحبه إلى القبر ، ويورثه عنه ابناؤه وقبيلته ، ولن يمحوه شيء أبداً. ولا أخفي سراً على الحكومة أن معارضيها بدأوا يشيعون قصصاً من التي اعتادت مخيلاتهم المريضة نسجها بمناسبة أو بغير مناسبة ، وهم بعد ساعات من العلم بالخبر نزلوا الى الشوارع ليدافعوا عن صوامع عدن بقصص مرتبطة بموسم الانتخابات.. وهذه الفرصة تم تقديمها لهم على طبق من ذهب حين تم التكتم على الخبر لفترة ، وحين تحاشت الجهات المعنية وأولها المؤسسة الاقتصادية كشف هويات المتورطين ، ربما حرصاً على عدم جرح مشاعرهم في الوقت الذي لم يحتسب أحد أن للفساد انصاراً غارقين في وحله لن يترددوا في جرح مشاعر أولئك الجنود الذين يكافحون الفساد ، وجرح مشاعر الحكومة ، وجرح مشاعر الرئيس باعتباره قائد الحرب على الفساد. ولا أعتقد أن توجيهات الأخ رئيس الوزراء بفتح تحقيق بالموضوع ، ومطالبة المتهمين بإعادة الكمية كافية ، لأن القضية فيها اعتداء وتطاول على سيادة الدولة ، وعلى الأمن القومي لليمن وإذا لم تبادر الجهات الحكومية اليوم وليس غداً لتحويل الموضوع إلى فضيحة رأي عام ، وتتداولها بالاسماء الصريحة على شاشات التلفزيون والصحف فإنها ستضطر غداً للظهور مدافعة عن نفسها من الحرب التي يشنها الفساد ضدها. اتمنى من كل قلبي أن تثق القيادة السياسية ودولة الأخ عبدالقادر باجمال بأقلامنا ، وأن تشركنا في حربها على الفساد ، فنحن أولو قوة وأولو بأس شديد ومثلما سنقارع الفساد سنحمي وندافع عن كل الشرفاء والمخلصين لشعبهم الذين يجازفون بأنفسهم في أشرس المعارك التي تخوضها الدول الحديثة.