إن ترجمة البرنامج الانتخابي للأخ رئيس الجمهورية إلى واقع ملموس أصبحت حقيقة مؤكدة، فمثلما سعى البرنامج إلى إحداث تغيير سياسي، هاهو يسعى اليوم إلى تحقيق نهضة اقتصادية تعمل على رفع المستوى الاجتماعي والصحي والتعليمي، يظهر ذلك من خلال حرص رئىس الجمهورية على حضور مؤتمر المانحين ليعطي له الضمانات الكافية لتحقيقه.خطوات رئيس الجمهورية تحتاج إلى خطوات أخرى تعززها وتساعد على إنجاحها؛ أولى هذه الخطوات تأتي من قبل وزارة التموين المنوط بها ضبط الأسعار ووضع قوانين رادعة، لأن ما يجري يسيء للمرحلة القادمة. ثاني هذه الخطوات تأتي من قبل وزارة الثقافة، فالثقافة كما نعلم هي المفتاح الرئيسي لحل مشاكل المجتمع، وهي القادرة على مواجهة الفكر المتطرف، فهي تعمل على تحرير الإنسان وتنظيم المجتمع. علينا أن نتوقف أمام الفعل الحقيقي للثقافة بوصفها القدرة الفعلية التي يمتلكها الإنسان ويتصرف وفقها؛ ذلك أن الحياة المجردة من الثقافة تظل حياة مشلولة وتساعد على الاستغلال والاغتراب. وفي غيبة الثقافة تغيب حرية الفكر والاعتقاد على المستوى الفردي والجمعي، ومن أجل اليمن الجديد مطلوب من كل القوى والأحزاب السياسية أن تعمل على خلق الثقافة الوطنية وتساعد على خلق ثقافة التوافق بدلاً من ثقافة الرفض والتوتر، فالأحزاب السياسية في بنيتها الحالية تشكك في كل ما حولها وترفض الحريات الجمعية وتستعيض عنها بالحريات الفردية، مما جعل الكثيرين من الأفراد يهجرون أحزابهم مولين وجوههم شطر أحزاب أخرى في غياب حرية الفكر والتعبير كحريات فردية، وقد أدى ذلك إلى ضعف بنية الأحزاب وأصبح صراع الأفكار جزءاً لا يتجزأ من الصراع الاجتماعي السياسي. وفي مثل هذا الصراع تحولت الأفكار إلى قوالب جامدة، وأصبح المواطن يعيش حالة اغتراب وتضليل. إن بناء اليمن الجديد يحتاج إلى مواطن مثقف متحرر من الأيديولوجيا، وفي كل ما يجري فإن وزارة الثقافة لم تقم بدورها في كل مناطق الجمهورية ولم يكن حضورها إلا حضوراً شكلياً في بعض عواصم المحافظات، وهذا الغياب سمح لثقافة الشعوذة والتضليل في الانتشار. وأصبحت ثقافة التطرف سائدة في كثير من المناطق؛ يقود هذه الثقافة حزب معادٍ للنهضة والحداثة، وقد استفاد هذا الحزب من الفراغ الثقافي، وحاول ملئه بثقافة التدين الزائف وحول مفهوم الحريات إلى مسخ واختزلها إلى شعار. إن اليمن الجديد يستدعي من وزارة الثقافة أن تتواجد في كل أنحاء الجمهورية، وأن تضع لنفسها مشروعاً ثقافياً يترجم برنامج الرئيس إلى واقع عملي ويحد من الثأر ويرشد المواطن إلى المساعدة على التغيير. وهذه دعوة إلى المثقف اليمني لأن يقدم رؤيته للمستقبل، وعليه أن يفصل بين الاعتبارات الأيديولوجية والنضالية من جهة، وبين الشواغل المعرفية وصناعة المفاهيم من جهة أخرى، كم هي الساحة الثقافية فقيرة للمثقف المنتج للأفكار والمفاهيم، فالمثقف اليمني فاقد للفاعلية، لأنه لجأ للنضال فتحول إلى مثقف فاشل ومفكر غير مبدع وغير منتج، وعلى هذا الأساس فإن الثقافة اليمنية لم تنتج فيلسوفاً بحجم محمود أمين العالم أو الجابري أو علي حرب أو حسن حنفي أو محمد أركون، ولا محللاً سياسياً يضارع أحمد يوسف أحمد أو المسفر أو الربعي، ولا عالم اجتماع يضارع سيد ياسين أو خلدون النقيب أو أحمد زايد، ولا مفكراً دينياً يضارع أحمد كمال أبو المجد أو رضوان السيد أو محمد عمارة. مازال المثقف اليمني لم يقم بدوره حتى الآن؛ فهو مازال غارقاً في غيبوبة القات، وكل معارفه يستقيها من مجالس القات، لذا فإن المثقف إذا لم يخرج من هذه الأماكن المغلقة إلى الأماكن المفتوحة، فإنه لن يستطيع أن يخرق السقف المحلي أو الإقليمي نحو الأفق العالمي. ففي غياب وزارة الثقافة تنشط الأيديولوجيا وتصبح الحداثة سخفاً، والمعرفة قاصرة، والإيمان وحده يهتك الألغاز وينطق الغوامض ويؤمن للإنسان قوتاً وكسوة ومأوى.. وتصبح اللحية والسواك ركناً أساسياً من أركان الإسلام. كم نحن بحاجة إلى ثقافة تنزع إلى التحرر وتترجم الأحلام النظرية إلى وقائع عملية من منطلق التفكير الجماعي وليس الفردي.