تتحدث الأنباء عن مبادرة يمنية لاحتضان مؤتمر وحدة وطنية عراقية.. وإذا ما اتفق الرأي العراقي بقبولها فإن ثمة سؤالاً ينبغي ان تجيب عنه صنعاء أولاً : لماذا فشلت كل مبادرات الوفاق بين الأطياف العراقية من قبل !؟ أكثر من مؤتمر سعى إلى إعادة رص صفوف العراقيين إلا أنه انتهى بالفشل لسبب بسيط هو ان الجميع كانوا يتجاوزون الواقع العراقي، وبتجاهلهم لحقائق الواقع لم تكن المخرجات قادرة على النزول إلى أرضه.. وعليه فإن أمام صنعاء فرصة معقولة للنجاح إذا ما استطاعت ان تبني مبادرتها على أساس من فهم واقع التفاعلات العراقية الحقيقية التالية : أولاً : ان العراق بلد محتل، وان هناك ثلاثة مواقف إزاء الاحتلال : موقف يفهم الوجود الأمريكي انه تحرير، وآخر يعترف بكونه احتلالاً ويفضل الخلاص منه سلمياً «سياسياً» والأخير لايعترف بغير المقاومة المسلحة لإنهاء الاحتلال. ثانياً : ان الاحداث الدامية في العراق متورط بها الجميع بغير استثناء، لكن أبشعها تغذيها قوى التطرف الديني لدى دول الجوار التي تخشى المد «الشيعي» المدعوم إيرانياً.. فهؤلاء برزت بينهم فئة تسمى «الذباحين» الذين يحترفون فصل الرؤوس بمنشار كهربائي.. أما بشكل عام فإن مئات آلاف الأسر الشيعية التي نفاها النظام السابق إلى إيران عام 1980م عادت بعد أكثر من عشرين عاماً وهي تحمل قوائم تصفيات تثأر بها لنفسها.. تقابلها جماعات سنية تقف وراءها الولاياتالمتحدة وتسميها «القاعدة» في الوقت الذي هي ليست إلا قوة ارادت منها قوات الاحتلال لعب أدوار دموية بقصد تأجيج الرأي العام على كل المسلحين.. وبالتالي خلط الأوراق على المقاومة ومحاصرتها خاصة في ظل التعبئة الإعلامية التي تحث على إخبار السلطات عند المعرفة بوجود مسلحين في مكان ما ويضاف إلى من يمارسون القتل جماعات بعثية تثأر لنفسها سواء على أساس حزبي أم عشائري وهم يستهدفون الشخصيات السياسية بالدرجة الأولى ثم الأجهزة الأمنية العراقية.. وهناك أيضاً «البلطجية» من مختلف الدول العربية يقتلون من أجل المال.. ثم «الموساد» وهو متخصص باغتيال العقول العراقية، من علماء ومثقفين ورجال دين ومفكرين، بجانب عمليات نوعية لاشعال الفتن المذهبية.. وهناك أيضاً المقاومة من جميع المدن والمذاهب وهي تستهدف قوات الاحتلال حصراً وأخيراً بعد تأجج الفتنة المذهبية أصبحت جماعات متطرفة من كل الفرق تتولى التكفير والقتل. ثالثاً : العراق بلد لم يمارس الديمقراطية من قبل، وكان الانفتاح المفاجئ على أوسع أشكاله ان قاد إلى الفوضى السياسية بسبب عدم القدرة على القبول بالآخر، وتحولت الحزبية إلى عصبية مترجمة في كل مؤسسات الدولة. رابعاً : اقصاء البعثيين والجماعات المسلحة من جميع مؤتمرات التصالح الوطني السابقة كان خطأ كبيراً كونهم جزءاً من الواقع العراقي بل جزءاً كبيراً يتناقض تجاهله مع الشعارات الديمقراطية التعددية المقرة في الدستور النافذ.. في نفس الوقت الذي نقول ان غالبية عراقية لن تقبل عودتهم أو التسامح معهم، ويحملونهم مسؤولية كل الظلم الذي احاق بهم في زمن صدام حسين.. وهو مايزيد الأمر تعقيداً في كيفية تسوية للعلاقة مجدداً. خامساً : ان الشيعة والاكراد يفضلون الفيدرالية كونهم يعتقدون انهم قادرون على حماية مناطقهم أولاً، ثم لأنهم لايتبنون نهجاً مقاوماً للاحتلال، علاوة على التجانس البشري في مناطقهم بما يؤمن لهم حماية ذاتية من «الغرباء أو الدخلاء» ممن يرفعون الأسلحة سواء للمقاومة أم الإرهاب. سادساً : ان العراق أصبح ساحة خاضعة لحسابات اقليمية تواجه خلالها إيران معارضة خليجية لاتسمح لها بصهر الجنوب العراقي في نفوذها ونهجها السياسي تارة لحسابات مذهبية، وتارة أخرى لحسابات تاريخية وثقافية أو حتى استراتيجية مرتبطة بتوازنات الاقليم، والأمن القومي.. فيما هناك دول جوار لاتتمنى سكون الساحة العراقية لتأمن شر الولاياتالمتحدة.. كما ان موقف هذه الدول من المصالحة مع البعثيين سلبي وتحسبه بمفردات ثأرات حرب الخليج الثانية أي ان أي وفاق يجب ان يسبقه وفاق الأطراف الاقليمية التي تحرك الاحداث من داخل العراق. سابعاً: إن اثني عشرة سنة من الحصار الاقتصادي، اعقبتها سنوات الاحتلال بكل مارافقها كانت كفيلة بتغيير الكثير من قيم الشعب العراقي الأصيلة، ونشر الرذيلة، وارتفاع معدلات الجريمة، والتحول إلى مجتمع مادي إلى درجة كبيرة، علاوة على ان البطالة الهائلة التي تسبب بها الاحتلال كونت بمجملها ظروفاً ملائمة لشيوع الفوضى خاصة بعد السياسات الخرقاء التي تمارسها أقطاب الحكومة فتوزع كل ما في البلد على أساس الانتماء الحزبي، وتمارس التمييز، والفساد المالي، والتفريط بخيرات العراق ومصالح أبنائه. ثامناً : ان غياب السلطة المركزية صاحبة القرار الحر أو بمعنى أصح «الرمز الوطني» الذي تثق به الجماهير زاد تشتت العراقيين وقلل من أهمية القرار السياسي.. فالقوى الوطنية لم تجمع بعد على ان الوجود الأمريكي هو احتلال رغم ان العالم مجمع على ذلك.. فما أصعب الخلاف على المبادئ الأساسية وما أصعب التفاهم مع قوى دخلت بلدها على دبابة المحتل.