ما أتعس هذه الدنيا.. وما أحقرها.. اليوم على ظهرها وغداً في بطنها.. ولا يبقى إلا العمل.. إن كان صالحاً فخير ونعمة.. وإن كان غير ذلك فمغفرة من الله ورحمة. - كم ودعنا أقرباء وأصدقاء وزملاء .. وكم مرة مشينا في موكب الوداع الأخير.. وكم مرات رأينا ضيق القبر حين نواري عزيزاً علينا التراب وليس معه سوى قطعة قماش بيضاء.. وكشف حساب جمع كل كبيرة وصغيرة!!. - يوضع في جانب من الحفرة ويُبنى عليه جدار صغير من الحجر.. ثم يدخله.. ويُترك هناك.. لا جاه.. ولا سلطان.. ولا مال.. ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم. - لا أخفيكم.. تعودنا أن نسمع خبر الموت فجأة.. أو بحادث.. أو بعد مرض.. وما أن نودّع ميتاً حتى ننسى الموت أو نتجاهله مع أننا في قطار الانتظار ودورنا آتٍ لا محالة. - وهذه الأيام .. نلاحظ أننا نودّع أكثر مما نستقبل، أي أن نسبة الوفيات مرتفعة، ولا يكاد يمضي أسبوع أو أسبوعان إلا وقد ودّعنا صديقاً أو حبيباً. - وهنا .. السؤال .. يفرض نفسه: لماذا قست قلوبنا.. ومتى نتعظ؟!. - ثم .. هل يكفي أن نتحسر على من فارقنا.. وأن ننتزع الآه على ما هو آتٍ.. وإذا عُدنا لقراءة سيرة حياتنا وما ارتكبناه من أخطاء وخطايا نقول بعدها: إن الله غفور رحيم؟!. - لماذا لا نصلح ما استطعنا عليه في أنفسنا.. وحياتنا.. ونغير ما بوسعنا سعياً لتجاوز أي أخطاء وحتى نجني المزيد من الحسنات اللاتي يُذهبن السيئات. - الموت خير واعظ.. فكم مرة دعانا الموت للتفكر ومحاسبة النفس استعداداً ليوم الرحيل. - أنا وأنتم.. لسنا معصومين.. والزلات ترافقنا.. والشياطين يزينون لنا المعاصي.. وكما أن الله عز وجل غفور رحيم.. هو أيضاً شديد العقاب. - والذين يتنافسون على بناء أفخر القصور وهم يمرون يومياً أو أسبوعياً من أمام «مقبرة» عليهم أن يفهموا أين القصر الذي سيدوم؟!. - ومن مازال مغروراً بالجاه عليه أن يقرأ في قصة المنصور عندما أتوه بغتة إلى البستان.. ومن يظلم عليه أن يتأكد بأن الظلم ظلمات يوم القيامة.. ومن يترك الصلاة يجب أن يعلم بأنها عماد الدين وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. - جميعنا راحلون.. مغادرون.. وها أنا أذكّركم.. كما أتمنى أن تذكّروني في كل حين بالموت.. وماذا أعددنا له.. وأرجوكم المسامحة والدعاء.. واللهم نوّر قلوبنا.. واهدنا إلى سواء السبيل.. ولا تمتنا إلا وأنت راضٍ عنا.