ينظر خبراء الاقتصاد إلى الخصخصة على أنها أسرع حلول الركود الاقتصادي، نظراً لحجم الأموال التي تدرها على خزينة الدولة فتنعش بها مشاريع التنمية وتتغلب بها على عجز الموازنة.. لكنهم في الوقت نفسه وقفوا على هامش عريض من الحذر. فالانفتاح باتجاه الخصخصة يقتضي من الدولة أن تكون بموضع قوي يسمح لنفوذها بالتدخل لموازنة علاقات السوق.. وان يكون لديها نظام ضريبي رصين يتيح لها على المدى القريب ضمان موارد متنامية تعوضها ما كان يأتيها من عائدات المؤسسات التي خصخصتها.. إلى جانب الأهمية المترتبة عن بقية التشريعات المرتبطة بالمناخ الاستثماري وقوانين التنافس. التجربة اليمنية في الخصخصة لم تكن موفقة، فالدولة أقدمت على بيع الكثير من مؤسساتها في منتصف تسعينيات القرن الماضي بأسعار زهيدة جداً نظراً لعدم إقدامها على إصلاح وإدامة تلك المؤسسات قبل عرضها للبيع كما هو الحال في العرف الاقتصادي السائد وبدت كما لو أنها تتخلص من عبء كان ملقىاً على كاهلها، وبالتالي لم تكن الموارد المستحصلة ذات تأثير كبير في دفع العملية التنموية. الأمر الثاني هو أن الحكومة لم تستطع ضمان عائدات ضريبية مناسبة تعوضها الأرباح التي كانت تجنيها من تلك المؤسسات وذلك لسببين: الأول عدم نضوج القوانين الضريبية واحتوائها لكثير من الثغرات ومواضع القصور، والثاني لكون معظم المؤسسات المخصخصة آلت إلى مراكز نفوذ اعتادت التهرب من الاستحقاق الضريبي. أما الأمر الثالث فهو أن الحكومة أقدمت على الخصخصة من قبل ان تحظى على قدرة التدخل لموازنة علاقات السوق سواء من الناحية المالية أم كسر الاحتكار المطلق، أو توجيه دفة النشاط الاقتصادي.. ومن هنا تحولت سلطة القرار الاقتصادي في العديد من الجوانب إلى أيدي القطاع الخاص في ظرف لم يكن فيه المناخ الاستثماري مهيأ لخلق منافسة لصالح السوق المحلي نتيجة للتحديات التي كانت تعترض اليمن وفي مقدمتها التحديات الأمنية. ومع ان البنك المركزي تبنى التدخل في السنوات الأخيرة إلا ان تدخله وإن كان يوازن سوق التعاملات المالية إلا أنه لم يتوافق مع السوق التجارية مثلاً نظراً لوجود احتكار مطلق مقابل تلاشي ثقل الحكومة فيه الذي يمثل في هذه الحالة الصمام الأمين على عدم انفلات السياسات الخاصة. ولعل أوضح صورة ترجمها هذا الاختلال هي ما حدث قريباً من أزمات سعرية فجرها سوق الاحتكار التجاري المطلق، وفي ظرف سياسي حساس وقفت أمامه الحكومة عاجزة عن التفاوض من موقع القوة مع المعنيين لإعادة استقرار السوق، لكنها عندما خلقت لنفسها نفوذاً في قطاع اتصالات «جي، أس، إم» الموبايل ساهم ذلك النفوذ في ازدهار هذا القطاع وانخفاض تكاليفه وبالتالي تحقيق غايات وطنية في نشر المعلومة والربط الحضاري لمختلف التكوينات الإدارية للمناطق. إذن ما نستخلصه هو ان الخصخصة لا ينبغي ان تحدث بغير توفر الحماية الحكومية لمفاصل الاقتصاد الوطني، وإذا ما كان هناك كلام كثير يدور حول مطالب بإلغاء الرسوم الضريبي بعد أن ألغت الحكومة الرسوم الجمركية لسلع معينة، فلابد للحكومة أن تفكر كيف تجني الموارد وتغذي ميزان المدفوعات خاصة في ظل وجود رغبة حكومية جامحة لإيجاد بدائل عن الموارد النفطية. ومن جهة أخرى فإن الخصخصة نظام اقتصادي عالمي له قواعده الخاصة وخرائط معاملاته الواضحة، وهو ما يستوجب الأخذ به كاملاً وعدم الانفصام على سياسات معينة وترك أخرى، وما دامت الضرائب هي أحد عناصره فإن من أكبر الأخطاء التي يمكن ان تقدم عليها الحكومة هو إلغاؤها، لأن إلغاء الضرائب يعني تحميل الموارد البترولية أو الزراعية عبء تمويل المشاريع التنموية والخدمية الأخرى في الوقت الذي لا تحتمل هذه الموارد المزيد من الأعباء في ظل انخفاض إنتاجها.