تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    اخر تطورات الانقلاب المزعوم الذي كاد يحدث في صنعاء (صدمة)    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    "سيتم اقتلاعهم من جذورهم": اكاديمي سعودي يُؤكّد اقتراب نهاية المليشيا الحوثية في اليمن والعثور على بديل لهم لحكم صنعاء    وزير الخارجية الدكتور شائع الزنداني يطلع نظيره الباكستاني على آخر مستجدات جهود إنهاء حرب اليمن    أخيرًا... فتيات عدن ينعمن بالأمان بعد سقوط "ملك الظلام" الإلكتروني    حوثيون يرقصون على جثث الأحياء: قمع دموي لمطالبة الموظفين اليمنيين برواتبهم!    شعب حضرموت يتوج بطلاً وتضامن حضرموت للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. الإرياني: استهداف ممنهج وغير مسبوق للصحافة من قبل مليشيا الحوثي    وكلاء وزارة الشؤون الاجتماعية "أبوسهيل والصماتي" يشاركان في انعقاد منتدى التتسيق لشركاء العمل الإنساني    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    د. صدام عبدالله: إعلان عدن التاريخي شعلة أمل انارت دورب شعب الجنوب    فالكاو يقترب من مزاملة ميسي في إنتر ميامي    الكشف عن كارثة وشيكة في اليمن    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة أمين مكتب الحزب بوادي حضرموت «باشغيوان»    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    خادمة صاحب الزمان.. زفاف يثير عاصفة من الجدل (الحوثيون يُحيون عنصرية أجدادهم)    الرئيس الزبيدي يعود إلى عدن بعد رحلة عمل خارجية    بعد منع الامارات استخدام أراضيها: الولايات المتحدة تنقل أصولها الجوية إلى قطر وجيبوتي    ميلاد تكتل جديد في عدن ما اشبه الليله بالبارحة    مارب.. وقفة تضامنية مع سكان غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل الاحتلال الصهيوني    البنتاجون: القوات الروسية تتمركز في نفس القاعدة الامريكية في النيجر    كارثة وشيكة ستجتاح اليمن خلال شهرين.. تحذيرات عاجلة لمنظمة أممية    تعز تشهد المباراة الحبية للاعب شعب حضرموت بامحيمود    وفاة امرأة عقب تعرضها لطعنات قاتلة على يد زوجها شمالي اليمن    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    الخميني والتصوف    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مواجهة عسيرة مكلفة وغير مضمونة النتائج
نشر في المصدر يوم 28 - 08 - 2010

بلغة استهجان قال لي:"هل تعرف أن 100 مليار ريال سنوياً هي الفارق بين جميع إيرادات الدولة وبين المرتبات"؟ وبإصرار وحزم استدرك: "من المستحيل استدامة الوضع على ما هو عليه لسنوات قادمة..يجب أن تقلب المعادلة القائمة بحيث تدفع الطاقة الضريبية كاملة"

يعتقد أحمد أحمد غالب – رئيس مصلحة الضرائب - أن إيرادات الضرائب لو سلمت كاملة وفقاً للقانون، دون تهرب أو تهريب أو إعفاءات، فإنها ستكون المنقذ القادم للاقتصاد اليمني. وهو يؤكد أن تلك الإيرادات "ستصل إلى تريليون ريال.." لكن متى؟ يستدرك: "خلال عام أو ربما عامين فقط لو طبق قانون الضرائب بشكل صحيح دون تهرب أو تهريب، وتم إلغاء الإعفاءات الضريبية القائمة.."

معركة شرسة قد يدفع ثمنها غالياً
في الواجهة يظهر "غالب" ليخوض معركة طاحنة مع (محركو الاقتصاد اليمني)، أصحاب رؤوس الأموال من القطاع الخاص، لدرجة أن يعتقد البعض أن تلك المعركة قد تفقده منصبة يوماً ما لن يطول انتظاره كثيراً.. ذلك طالما ظل الرجل في واجهة معركة كان يفترض أن تكون الحكومة بقضها وقضيضها في واجهتها.

يبدو أن الرجل المحترم، وذا الخبرة الطويلة مع إدارة الأموال الضريبية منذ كان وكيلاً لمصلحة الضرائب، وقع وسط كماشة طرفها الأول: مسئولون في الحكومة يزعمون أنه لا يمتلك القوة اللازمة لمحاربة محيطة الفاسد الذي ورثه فكيف به في مواجهة بيئة الأقوياء التي يعمل فيها (التجار)؟

أما الطرف الآخر: فهم مسئولون في الحكومة أيضاً، لكن هؤلاء على العكس يعتقدون أن الرجل تسيطر عليه مثالية زائدة تجعله يغامر في خوض حرب شرسة مع تجار يمتلكون سطوة المال والنفوذ.

أثناء زيارتي له في مكتبه بعد عصر الأحد الماضي كان ينهي اجتماعاً خاصاً مع مجموعة من فريق عمله في الوزارة، أو بدا لي أنهم كذلك - بدا الرجل مختلفاً بشكل لافت عما كان عليه قبل سنوات..فهو هنا في صورة أكثر إنهاكاً. تستطيع أن تلحظ هذا الأمر بنظرة سريعة إلى عينيه الذابلتين وتلك الخطوط السوداء الواهنة تحت جفنيه الأسفلين لتدرك أنهما عينان هجرتا النوم إلا قليلا..

بداية حين وجدته على ذلك النحو من الإنهاك، اعتقدت أنه من غير المناسب أن أخوض معه بضعة تساؤلات تعينني على إكمال هذا التقرير حاولت الاعتذار لكنه بأدبه الجم واحترام لافت – أعتاد عليه - طلب مني الجلوس.

أخبرني أحد المطلعين على تلك المعركة الشرسة أن الرجل على علم بما يحاك حوله من مؤامرات لإقصائه، إلا أنه لا يحفل ببقائه في منصبه أكثر من رغبته وإصراره على تنفيذ القانون وعلى رأسه قانون ضريبة المبيعات الذي ووجه برفض كبير من قبل كبار تجار القطاع الخاص، بل ومازال يثار حوله زوبعة كبيرة وكثيراً من اللغط حتى اليوم.

سألته حول تلك المعركة وما يثار حولها من أحاديث من وراء الكواليس..ودون أن يفاجأ الأمر أجاب واثقاً أنه لطالما أكد استعداده تقديم استقالته - إن كان ذلك مرادهم - شريطة أن يتم تنفيذ القانون دون تلكؤ أو تهرب..

من وراء الكواليس تدار معارك خفية غير معلنة.. ويعتقد بعض من يرون في رئيس المصلحة الحالي عائقاً أمام مطالبهم أنهم قادرون على إزاحته من طريقهم وأن المسألة لا تعدو عن كونها مسألة وقت. ومع ما يصل الرجل من تلك التهديدات المبطنة إلا أنه مازال يشدد – حتى بعد عصر الأحد الماضي - على أن التراجع عن تطبيق قانون ضريبة المبيعات تحت أي ظرف هو أمر من المستحيل قبوله.

وفي ثنايا توضيحه لتجاوب المصلحة مع القطاع الخاص بشأن تأجيل تطبيق قانون ضريبة المبيعات والتحاور معهم على تعديلاته نورد ملخص ما تضمنته التفاصيل كالتالي:

صدر قانون ضريبة المبيعات في وقت مبكر وبشكل رسمي تم إصداره في العام 2001. وبناء على طلب القطاع الخاص تم تأجيل تطبيقه. أخذ مداه من التحاور مع معارضيه ليتم تعديله في العام 2005 نزولاً عند رغبة القطاع الخاص، ليتم تخفيض الضريبة من عشرة في المائة إلى النصف (5 %) .رفعت الغرفة التجارية دعوة قضائية أمام المحكمة العليا الأولي للاعتراض على بعض نصوص القانون، لكن المحكمة أصدرت حكمها في ديسمبر2008م قضت فيه برفض قبول الدعوة. هناك دعوة أخرى لإيقاف تطبيق القانون ما تزال منظورة أمام القضاء ومن المفترض أن يصدر الحكم فيها في ديسمبر المقبل.

وخلاصة الأمر يؤكد رئيس المصلحة أنهم على استعداد لتنفيذ الحكم كيفما كان في حال صدوره
.
ضريبة المبيعات وأهميتها
قام الدكتور ريما الترك العريس - الجامعة اللبنانية الأميركية كليّة الاقتصاد والعلوم المالية – بتنفيذ دراسة تحت عنوان "تعبئة الموارد المحلية من أجل تمويل التنمية". وهي دراسة صادرة عن "اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) – الأمم المتحدة – وتضمنت تشريعات وتجارب خمس دول عربية حول الإيرادات الضريبية خلال ستة أعوام من 2001 وحتى 2006. والدول الخمس هي: اليمن مصر الأردن لبنان سوريا.

وضمن مسارها الدراسة – التي سنتناول أهم ما جاء فيها ضمن سياقات مختلفة– تطرقت إلى ضريبة القيمة المضافة (المبيعات) وأهميتها الإيرادية والتنموية بالنسبة للدول غير النفطية.

وجاء في الدراسة: "تعتبر الضريبة على القيمة المضافة‎(VAT) تطوراً ماليا هاماً، إذ تشكل أحد أهم الموارد الفعالة للإيرادات الحكومية. وقد اعتمدت ال‎ VAT في 160 بلداً وفقا للمعلومات الصادرة عنBird (2005) ، وأن هناك 68 بلداً أخرى مهتم جداً في اعتماد ال‎ VAT في المستقبل".

وحول أهميتها أضافت: "هذه الوسيلة الضريبية أحدثت مساراً عاماً وظهرت كأداة فعالة لأي نظام ضريبي اقتصاديا وإدارياً لأنها تساعد على خفض كلفة التحصيل، وتسهل المعاملات، وتحد من التهرب الضريبي، مما يؤدي إلى ارتفاع حصيلة الإيرادات الضريبية"‎.‎

كما أوضحت أن لبنان وحده -من أصل البلدان الخمسة موضوع البحث- اعتمد هذه الضريبة عام 2002، وأن سوريا أبدت اهتماما زائداً في ذلك وأعدّت خططاً لها. ومن الضروري توصية سائر البلدان العربية غير النفطية بإقرار واعتماد الضريبة على القيمة المضافة‎.‎

مسار الإصلاحات الضريبية
بعد قيام الوحدة اليمنية (مايو 1990) بخمس سنوات دخلت بلادنا معركة الإصلاحات الاقتصادية الضرورية بالشراكة مع أهم المنظمات المالية الدولية بغية إنقاذ اقتصادها المتضعضع.

وبهذا الشأن أوضحت دراسة الدكتور ريما أنه: منذ العام 1995، وبتعاون وثيق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قامت الحكومة اليمنية عبر "برنامج التثبيت الاقتصادي والتكيّف الهيكلي" بجهود مكثفة بغية تركيز دعائم الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري.

ويعتقد معد الدراسة أن الهيئة العامة للاستثمار قامت بدور فعّال في عملية تطوير الإعفاءات من الضرائب والرسوم الجمركية، وإعفاء الإنتاج من الضرائب لمدّة عشر سنوات وإعفاء الاستثمارات من ضريبة الممتلكات العقارية وضريبة الدخل على الإرباح، وإعفاء الصادرات المنتجة بغرض التصدير من كافة الرسوم والضرائب المفروضة على الصادرات.

وفي هذا السياق يعتقد رئيس مصلحة الضرائب بأن تلك التسهيلات كانت ضرورية في زمن ما لجذب الاستثمارات، لكنه بات اليوم يؤمن أن استمرار بعضها يمثل ضرراً بالغاً بمصلحة الوطن. وتأكيداً على ذلك يقول "إن أهم القطاعات الإرادية معفاة من الضريبة مثل الزراعة الأسماك..." توقف ليفكر قليلاً – ربما حتى لا يثير مزيداً من النقمة حوله – ليستدرك بحرص: "..بشكل عام نجد أن القانون أعفى قطاعات إيراديه وصناعية هامة..". وبسبب تلك الإعفاءات – يؤكد – "نجد أن القطاع الخاص لا يدفع سوى 25 % من إجمالي الضريبة المفترضة عليه..".

وضمن الحديث نفسه تواصل الدراسة: "وفي العام 1996 أنجز قانون الضريبة على المبيعات ليحل مكان قانون ضريبة الإنتاج وقانون الاستهلاك، لكنه لم يدخل التطبيق إلا في العام 2005 بسبب المراجعات والاعتراضات التي قامت بها القطاعات المختصة. فجرى إعفاء 27 مجموعة سلعيّة من الأكثر استهلاكاً وتحتوي على أكثر من 300 سلعة غذائيّة وغير غذائيّة، كما جرى إعفاء 15 مجموعة خدمات من تلك الأكثر استخداماً كالكهرباء والمياه والهاتف والخدمات الصحية والتعليمية وخدمات النقل البري الداخلي وغيرها".

وتعتقد الدراسة أنه: "ومن خلال عملية الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري تمكنت الدولة اليمنية من تنويع الإيرادات الحكوميّة وتحسين أداء النظام الضرائبي". لتخلص بالإشارة التالية "ومؤخّراً أقرت الحكومة خطة تنمية ذات إصلاحات اقتصادية واجتماعية وضريبية تناولت الفترة الواقعة ما بين العام 2006 و2010 انسجاماً مع البرامج التنفيذية لمنطقة التجارة العربية الحرة الكبرى".

بلوغ الاستدامة المالية للموازنة العامة
وتحتل الإيرادات الضريبية مكانة هامة في معظم الموازنات العامة للدول فهي أهم مصادر تمويل الإنفاق العام، وبالاعتماد عليها كمورد أساسي وفي المرتبة الأولى في قائمة موارد الموازنة العامة للدولة السنوية.

ومن اللازم التوضيح أن خطة التنمية الاقتصادية المشار إليها آنفاً بدأت بعد أشهر من كشف رئيس الجمهورية – في 2005 – من أن الموارد النفطية التي تعتمد عليها البلاد بشكل رئيسي في موازنتها (75 % من الإيرادات) آيل للنضوب خلال فترة من 7 – 10 أعوام تقريباً. وعليه فقد تضمن مسار الخطة إصلاح وتنمية أهم القطاعات الإرادية: الاستثمار، الجمارك، الضرائب. وهدفت تلك الخطة إلى ضرورة إيجاد عناصر للإصلاح المالي والاقتصادي من شأنها أن تعمل على استدامة المالية العامة..

وعليه فبعد أن كانت الضريبة على السلع والخدمات محدودة جداً – بلغت: (46.642) مليون ريال في العام 2004 و(69.702) مليون ريال في العام 2005 - فقد اقتربت ثم تجاوزت الضعف في العامين التاليين، بعد تطبيق القانون وفقاً لنسبة 5 %، حيث بلغت (100.883( مليون ريال، ثم (118.229) مليون ريال على التوالي خلال العامين 2006 2007.

وفي العام المنصرم 2009، تؤكد بيانات مصلحة الجمارك، أن إجمالي ضرائب المبيعات بلغت (130) مليار و(656) مليون و(967) ألف و(035) ريال.

وتأتي ضريبة المبيعات في المرتبة الثانية بالنسبة لكافة الموارد الضريبية وذلك بعد ضرائب الدخل (التي بلغت في العام نفسه: 197 مليار و 649 مليون و718 ألف و625 ريال). بينما بلغ الإجمالي العام لكافة الموارد الضريبية للعام 2009 (334) مليار و(223) مليون و(111) الف و(567) ريال.

الأمر الذي قد يؤكد فعلاً أنه، ومع تصحيح الأوضاع الضريبية بشكل كلي، بحيث يطبق القانون ويمنع التهرب وينتهي التهريب وتلغى الإعفاءات.. فمن الممكن أن يصل الإجمالي الكلي للإيرادات الضريبية إلى (تريليون) ريال خلال عام أو عامين، كما أكد رئيس مصلحة الضرائب. وفي هذه الحالة سيمكن تغطية العجز القائم والمستمر في الموازنة العامة وصولاً إلى استدامة المالية العامة للبلاد..

ضريبة الدخل على الاتصالات
تعتبر إيرادات ضريبة الدخل – كما أشرنا سابقاً – في المرتبة الأولى على مستوى أنواع الضرائب. ذلك مع أن بعض الجهات – سواء في القطاعين العام والمختلط أم في القطاع الخاص – مازال بعضها معفياً، بينما البعض يتهرب من التسديد، وآخرون يسددون بنسبة أقل بكثير من المفترض عليها..

ومؤخراً حصلت الحكومة على أكثر مما كانت تحلم به حين رفعت إلى مجلس النواب بمشروع قانون حددت فيه فرض ضريبة دخل بمقدار (35%)على قطاع المواصلات والاتصالات – الذي ظل معفياً طوال السنوات الماضية تقريباً. لكن أغلبية المجلس كانت أكثر كرماً من الحكومة لتستقر عند (50 %) بعد أن أسهب البعض مطالبا رفعها إلى (80%) في جلسة كانت أشبه بالمزاد العلني..

ويعتقد مشغلو الاتصالات في اليمن أن هذه النسبة كبيرة جداً بالمقارنة مع قطاع الاتصالات في بقية الدول الأخرى حيث لم تتجاوز فيها النسبة أكثر من 25 % كحد أعلى تقريباً. ولذلك يطالب مشغلو الاتصالات هنا بتخفيضها إلى 20 % على الأقل أسوة بالقطاعات الأخرى في البلاد.

لكن رئيس مصلحة الضرائب (الذي أعرب عن خشيته من إمكانية حدوث ذلك والتراجع عند تلك المطالب) يعتقد أن الضريبة التي حددها النواب ضريبة مستحقة وغير مبالغ فيها من حيث مقارنة حجم الربح مع الخدمات والاستثمارات المنعكسة عن تلك الشركات لخدمة الاقتصاد الوطني..

واعتبر المقارنة مع بعض الدول العربية مقارنة مختلة كون هذه الشركات في بلادنا تمتعت بإعفاءات واسعة على خلاف مثيلاتها في البلدان الأخرى، كحصولها على تراخيص العمل بدون مقابل، إلى جانب الإعفاء من الضريبة مع مزية احتكار تقديم الخدمة لمدة زمنية طويلة.

تخفيض الضريبة يؤدي إلى الالتزام والتوسع أم العكس؟
تعمل الكثير من الدول وفق معادلة طبيعتها الحتمية: أن تخفيض الضرائب يؤدي – أو من المفترض أنه يؤدي – إلى التزام كافة القطاعات بتسديد مستحقات الدولة من الضريبة وبالتالي توسيع مساحة المسددين. وإذا ما سدد غالبية المكلفين ما عليهم فإن الإيرادات سترتفع بشكل طبيعي.

وبحسب الدراسة الدولية السابقة (دكتور ريما) فقد بذلت دولة مصر – مثلاً – جهوداً كبيرة لتطوير وإصلاح النظام الضريبي. وقد بسّط القانون رقم 91/2005 الإجراءات الضريبيّة في كافّة مراحلها عبر: إقرار مبدأ العفو العام على جميع المتهرّبين من الضرائب ضمن شروط معيّنة. (وهذا يحصل لأوّل مرّة في مصر) - توحيد مبلغ الإعفاء بغض النظر عن الحالة الاجتماعيّة للمكلّفين - تخفيض ملحوظ في معدلات الضريبة بصورة عامّة (من 42 إلى 20%) والتدرج في سعرها، وإعفاء أصحاب الدخول الزهيدة -إقرار تخفيضات في التعرفة الجمركيّة وتبسيطها وإلغاء بعض الرسوم، وإعفاء أرباح معيّنة لبعض المشروعات الجديدة.

وتؤكد الدراسة أن النتائج كانت مثمرة. إذ ساعد تفعيل وتطوير الأداء الضريبي على:تطوّر اٍيجابي في مناخات الاستثمار وتنشيط الدورة الاقتصاديّة والتخفيف من حجم البطالة - خلق مناخ من الثقة بين المكلّفين وإدارة الضرائب - الحدّ من التهرب الضريبي وتبسيط حساب الضريبة وتنظيم إدارتها وعصرنتها (زاد عدد الإقرارات الضريبيّة حوالي مليون إقرار عام 2006(.

لكن "غالب" - مع أنه تحدث عن بعض المزايا من هذا القبيل ضمن قانون ضريبة الدخل - إلا أنه من جهة أخرى يرى أن مثل هذا الأمر لن يكون مجدياً بالنسبة لنا في اليمن. ويؤكد: "إذا كان هناك التزام وعدم تهرب كان من الممكن أن نخفض الضريبة إلى الحد الأدنى..لكن التجربة هنا أثبتت العكس". واستشهد بما حدث مع مصلحة الجمارك التي يؤكد أنها خفضت الجمارك إلى أقل نسبة "غير أن التهرب من القانون والتهريب عبر المنافذ والغش في الفواتير ما زال قائماً فيما كان يفترض أن يتم العكس.."..!

مقارنات مالية
قدمت الدراسة مقارنة للأرقام المالية بين اليمن وبقية الدول الأربع الأخرى – التي تضمنتها الدراسة – وشملت المقارنة جدولا لمعدل توزيع الإيرادات للأعوام من 2001 - 2006 - جدول رقم (1)
جدول رقم (1) معدّل توزيع الإيرادات 2001-2006 (%)


الأردن
سوريا
لبنان
مصر
اليمن
الإيرادات الضريبيّة
39.39
73.04
71.75
64.95
24.93
الإيرادات غير الضريبيّة
60.61
26.96
28.25
35.05
75.07

ومن الجدول استنتجت الدراسة الآتي: يتبيّن من الأرقام أعلاه أن 75% من إيرادات الجمهوريّة اليمنيّة العامة هي غير ضريبيّة بينما معظم الإيرادات العامة في سوريا ولبنان ومصر تحصّل من الضرائب المختلفة. ويمكن الاستنتاج من هذه الفروقات أنه بوسع بعض البلاد مثل اليمن والأردن تفعيل الأداء الضريبي كمصدر للتنمية.

ومن المعلوم أن الإيرادات الضريبية في بلادنا تحتل المرتبة الثانية من الموارد العامة الذاتية في الموازنة العامة بعد إيرادات الدولة من حصتها من النفط والغاز.

أما نسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي للأعوام الثلاثة 2006م 2007م 2008م فهي على التوالي: (7.1% 6.4% 7.4%)..

وتعلق إحدى الدراسات الداخلية الخاصة لأحد المتخصصين في الحكومة على هذه النتائج بالتأكيد التالي: "ولهذه الأسباب تعزى الحصيلة المالية الضئيلة السنوية للإيرادات الضريبية التي تحد من طموح دولتنا لتلبية الاحتياجات الضرورية من قائمة الحاجات الإنسانية العامة المتزايدة وغير المحدودة".

حجم الفاقد الضريبي
إن مثل هذا الأمر يقودنا بشكل حتمي للحديث عن أمرين: حجم الفاقد الضريبي، وحجم الإيرادات الضريبية التي لا تدخل ضمن إيرادات مصلحة الضرائب.

وفي دراسة رسمية (قدمت أواخر عام 2009) نفذها الدكتور مطهر العباسي وكيل وزارة التخطيط والتعاون الدولي لشؤون قطاع خطط التنمية بعنوان «الضرائب.. البديل المتاح». أكد فيها أن الحكومة اليمنية تتكبد خسائر تقدر ب3.5 مليار دولار سنوياً نتيجة النسبة الضائعة من الموارد الضريبية السنوية جراء التهرب الضريبي.

وأفادت الدراسة أن النسبة السنوية الضائعة من الموارد الضريبية السنوية تتراوح بين 400 و700 مليار ريال، وبما يساوي 2 - 3.5 مليار دولار، وهي أكثر من ضعف العائدات المتوقعة من تصدير الغاز اليمني الذي دشن مؤخراً والتي تقترب من مليار دولار سنوياً في أحسن الحالات.

كما أشارت إلى: أن الطاقة الضريبية الكاملة تشكل نسبة تقارب ال40 بالمئة من الإيرادات العامة المتوقعة، ما يعادل 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك كمتوسط للدول النامية. وفي هذه الحالة فإن نحو 25 بالمئة من الإيرادات العامة لا تصل إلى الخزانة العامة، وهذه النسبة تزيد على متوسط الإنفاق الاستثماري خلال السنوات الثلاث الأخيرة والذي يشكل نسبة 20 بالمئة فقط من إجمالي النفقات العامة وأقل من 25 بالمئة من الإيرادات العامة. كما أن نفقات الباب الأول من المرتبات والأجور تمثل نحو 28 بالمئة من النفقات العامة وهي نسبة تزيد قليلاً على نسبة الفاقد الضريبي سنوياً. حسب ما يؤكده العباسي في دراسته.

وبحسب الدراسة الداخلية الخاصة لأحد مسئولي الدولة المتخصصين – كنا أشرنا لها سابقاً بشكل سريع – فإن الإيرادات الضريبية في بلدان الاقتصاديات الرأسمالية المتقدمة تشكل نسبة (30 - 40%) من الناتج المحلي الإجمالي. كما تشكل نسبة (15- 25%) من الناتج المحلي الإجمالي لمعظم بلدان اقتصاديات العالم النامي مما ينعكس بالتالي على توافر حجم كبير من الإنفاق العام في الموازنات العامة لتلك الدول يفتح آفاقاً رحبة لتطورها وتقدمها .

وبهذا الخصوص يؤكد "أحمد غالب" أن الأرقام التي تنشر حول معدل الضرائب بالنسبة للناتج الإجمالي المحلي هي أرقام غير مضبوطة من حيث أن هناك نسبة كبيرة من إيرادات الضرائب لا تدخل ضمن إيرادات المصلحة. حيث يؤكد أن نسبة 35 % - وهي النسبة الخاصة بضرائب الدخل على الشركات النفطية -تذهب مباشرة إلى وزارة المالية ولا تحسب ضمن إجمالي إيرادات مصلحة الضرائب. وهو الأمر الذي يظهر الموارد الضريبية أقل من حجمها بكثير.

النسبة إلى أهم المؤشرات المالية
وكانت الدراسة الخارجية أكدت أن نسبة الضرائب إلى الدخل القومي اليمني تساوي (8.14 %) خلال السنوات الست من 2001 وحتى 2006 . وهي أقل نسبة بالمقارنة مع بقية الدول الأربع الأخرى قيد الدراسة..انظر الجدول رقم (2)

جدول رقم (2): نسبة الضرائب إلى أهم المؤشّرات المالية 2001-2006 (%)

البرتغال
اليمن
مصر
لبنان
سوريا
الأردن
إجمالي الإيرادات العامة
55.38
24.93
64.95
66.98
50.18
39.39
إجمالي النفقات
51.73
24.96
46.52
62.99
38.22
38.99
إجمالي تراكم رأس المال الثابت
99.05
51.06
92.72
106.58
59.17
78.91
الدخل القومي
23.41
8.14
16.20
14.35
12.67
18.12

وعليه استنتجت الدراسة الآتي: (الملاحظ أنه بالرغم من الإصلاحات الضريبية وتحديث الأداء الضريبي، فإن المرونة الضريبية لا تزال دون المستوى المطلوب. فالإيرادات الضريبية لا تشكل نسبة عالية من الناتج المحلي الإجمالي، مما يفرض على الدول العربية المختلفة العمل على تحسين أنظمتها وإداراتها الضريبية باستمرار. وعلى سبيل المقارنة بلغت هذه النسبة 48% في الدنمارك، 36% في السويد، 30% في بريطانيا، 29% في إيطاليا، 25% في المغرب، و21% في تونس).

خلاصة
بعد أن كنا قدمنا مجموعة من القضايا الهامة وبعض تفاصيلها وإشكالياتها، مستشهدين بين الحين والآخر بمجموعة من الدراسات المحلية والدولية وربطها بتصريحات المسئول الأول في مصلحة الضرائب مع تعزيز ذلك بمجموعة من الأرقام والبيانات الهامة..

رأينا هنا أن نختم بما جاء من توصيات في دراسة الدكتور ريما الهامة التي تضمنت مقارنة بين خمس دول عربية لا نفطية بينها اليمن.

تؤكد خاتمة الدراسة ضمن توصياتها على الآتي: "أظهر‎ Djankov and Symons (2006) وImam and Jacob (2007) أن الفساد هو مشكلة حادة في الشرق الأوسط، إذ أن تضاؤل تحصيلات الضرائب يعود إلى خلل في نوعية وفعالية العقوبات المفروضة في المخالفات وإلى عدم فعالية آلية عمليات الرقابة والتفتيش، فضلاً عن معدلات الرواتب والدخل المنخفضة لمحققي الضرائب، إذ يساعد هذا على انخراط هؤلاء الموظفين في الفساد في شكل ملموس. وغالباً ما يكثر الفساد عندما تتطلب الضرائب اتصالات مباشرة بين محققي الضرائب والمكلفين. وأن هناك ضرورة قصوى لإجراء رقابة موضعية خاصة فيما يخص الضرائب المفروضة على التجارة الخارجية، وعلى عمليات التصدير، والضرائب الجمركية"‎.‎

وعليه أكد التقرير: "نوصي بتخفيض الضرائب على التجارة، تسهيل معاملات التصريح على الضرائب، واستحداث جهاز تحصيل فعال لرفع معدل التحصيلات الضريبية.."

كما أوصى أنه: من الضروري توصية سائر البلدان العربية غير النفطية بإقرار واعتماد الضريبة على القيمة المضافة‎.‎


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.