يتحدثون عن برنامج شامل لإصلاح القضاء يمتد إلى تعليم القضاة لغات أجنبية وحوسبة المعاملات لتغدو إلكترونية، فتهيم نفوسنا وعقولنا الحالمة مع أحاديثهم حد الانتشاء، ونعمد للابتهاج وأحاديث الإشادة والاحتفاء، حتى إذا ما قَدَّرَ الله علينا حاجة قصد أجهزة القضاء، صُدمنا بالحقيقة، وأن الإصلاح مازال يراوح الشكليات، ولم يصل بعد جوهر الخلل والبلاء، الذي حين تواجهه، يبدو لك الحديث عن إزالته مجرد هراء !!. حين يعتدي عليك أحدهم أو على حق من حقوقك في السكينة وآمان العيش وصون المال والعرض والحرية،فتختار نبذ النهج الهمجي ومبدأ أخذ الحق باليد، وتنحاز للاحتكام إلى النهج المدني وأخذ الحقوق عبر أجهزة التقاضي، فتقصد قسم شرطة أو نيابة،وتطرح عليهم شكواك مُعلقاً آمالك في الانتصاف؛ حينها ينبغي أن لا تكون حالماً بالمرة، وأن تتحلى بواقعية لازمة، فتهيأ نفسك لتقبل الواقع بما يحفل به من تردٍ ومرارة!!. لن تجد اهتماماً حقاً ولن تلمس حماساً جاداً يوازي آمالك الخالصة،وسوف تصدم بلا مبالاة فجة،ترغمك على الشعور بغصة، وربما بالندم للجوئك إلى النهج المدني، فالموظفون إن تواجدوا على مكاتبهم، لا يوقنون بالمرة أنهم يتقاضون رواتبهم مقابل خدمتك،وأنهم لذلك موظفون عندك باعتبارك مواطناً ملتزماً بالولاء للوطن ونظمه وقوانينه،وبأداء واجباتك تجاه الوطن وفي مقدمتها دفع مختلف أنواع الضرائب،وأن لك في المقابل حقوق على الوطن. لا يؤمن غالبية موظفو الشرطة والقضاء بحقيقة أنك صاحب حق عليهم، جاء يطلب حقه في حماية ماله وعرضه وحياته من أي خطر أو اعتداء قد يتهدده أو يقع عليه، والغالبية تنظر إلى هذه الحماية للمواطن كما لو كان تأمينها فضلاً منهم أو في أحسن الأحوال فرض كفاية إن رغبوا في تأمينها واستطاعوا ذلك، وليس فرض عين، واجب عليهم، ملزمون بتأديته. ولهذا فإنهم -مع الأسف- لا يكترثون بصدق لأداء واجباتهم كما ينبغي وبفاعلية الالتزام!!. الوقت لا يعني شيئاً لدى غالبية أجهزة الضبط والربط في البلاد،الجاثم عليها بلاء اسمه قصور الوعي وانعدام الالتزام وأعراضه التراخي والتكاسل، ولهذا عليك إيقاف ساعتك وإلغاء الوقت من حساباتك كي لا تخرج عن طورك بينما تطالب بالنظر في شكواك أو بلاغك المستغيث بهذه الأجهزة، وبضبط المعتدي عليك والاقتصاص لك وإنصافك منه، وبتحقيق العدالة وفق أحكام القانون بلا زيادة أو نقصان، ودون أدنى تعاطف أو مجاملة لك!. لست أتهكم هنا،ولا مصلحة لي قط من تشويه واقع الأمن والقضاء في البلاد،وما كنت أفعل بحكم متابعتي لأحاديث القائمين عليه عن برامج إصلاحه وتحديثه وتجويد أداء العاملين فيه، لولا أن قُدِّرَ لي مواجهة حقيقته المشار إليها سالفاً من وحي التجربة لا السماع. فقد ارتكب مجهول مع سبق الإصرار والترصد أربع جرائم بحقي طوال الأسبوع الماضي:إقلاق سكينة،سب وقذف، ترويع، وتهديد بالضرب والقتل، بواسطة هاتف محمول!!. ظل هذا الجاني المجهول يرتكب هذه الجرائم بواسطة اتصالات ورسائل محمول يجريها ويبعثها من هاتف محمول إلى هاتف منزلي الثابت،وهاتفي المحمول، بل وإلى هاتف والدي وشقيقي وشقيقتي،ولدوافع مجهولة. وعندما ذهبت إلى نيابة شرق أمانة العاصمة للإبلاغ وتقديم شكوى؛ تحقق وكيل النيابة من رسائل السب والتهديد التي تلقيناها، وأحال الشكوى مشكوراً إلى وحدة قيد البلاغات والشكاوى، ومنها إلى "القلم الجنائي" ئي، ئي !!. كان المفترض أن يتولى موظف القلم الجنائي فتح محضر تحقيق لإثبات الشكوى،ثم مخاطبة الشركة المزودة لرقم هاتف الجاني (أداة الجرائم الأربع) وأمرها بكشف هويته والمعلومات المساعدة على ضبطه.لكنه لم يهتم قط،وكان رده بارداً مُستفزاً:"سير ابسر غيري،معي ست قضايا". مُردفاً:"ما طبقتش الدنيا"!!. وبالعودة إلى وكيل النيابة،أحال الشكوى لموظف قلم جنائي ثاني، فكلف نفسه بالكاد النظر فيها، ثم أجاب:"إلا اليوم، ما ناش فاضي، أرجع بكره أو بعده"!!. لكن الشكوى لا تحتمل التأخير بطبيعتها، ولهذا كانت العودة إلى وكيل النيابة الذي أحالها من جديد إلى موظف القلم الجنائي الثالث والأخير المتاح في نيابة شرق أمانة العاصمة،الذي استشاط غضباً لتحويل الأمر إليه،مُجيباً بشيء من التفهم لقضيتك والتبرير لحتمية التقصير،قائلاً:"إحنا ثلاثة وكل واحد يستلم خمس إلى ست قضايا في اليوم. لكن خليك إلى نهاية الدوام،إذا فضيت سأنظر في قضيتك"!!. وهكذا، مرت ثلاثة أيام في معاملات غير مسئولة، لا تدرك ولا تكترث بعواقب تأخر ضبط جانٍ يهدد بالاعتداء والقتل، وبقائه طليقاً.. مجرد إحالات بلا طائل، عدا إحباطك في فاعلية النهج المدني وإصابتك باليأس في جدوى التقاضي وعدالة الإنصاف، وتركك في مواجهة خيار الاتجاه للنهج الهمجي، وبذل ما تستطيع من رشوة ومخالفات للقوانين في سبيل معرفة هوية الجاني (المجهول في حالتي) ثم التفرغ لأخذ حقك منه بيدك مهما كلفك هذا من مال وجهد، أو كلفك حتى حياتك!!. خلاصة الأمر،حيال واقع القضاء المتردي،واختلالاته أو بلاءاته،المسببة فقدانه الثقة في جد ضبطه وصرامة حزمه،وعدالة إنصافه،والمشيعة همجية الاقتصاص الشخصي للحقوق؛ أنك تتمنى لو أن المعتدي عليك كان له اسم وصفة "فواز الربيعي" ومن على شاكلته،لكانت الدنيا قامت ولم تقعد،ولكانت أجهزة الضبط (الأمن) والربط (النيابة والقضاء) فعلت المستحيل لضبطه والنيل منه عاجلاً لا أجلاً..والله المستعان!!. [email protected]