نقرأ ونسمع صيحات التحذير من هنا وهناك من شر وخطر وحرب على كل المسلمين من أعدائهم، حرب لايستعمل فيها السلاح الحربي ولا الحصار الاقتصادي، حرب غايتها تمزيق الأمة، ووسيلتها إرسال وباء خطير يفتت ويدمر أمتنا العربية والإسلامية ويجعلها أثراً بعد عين، هذا الوباء الذي جاء تحذير القرآن منه شديداً وصارخاً في قوله تعالى : «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم».. ساحاتنا تواجه اليوم تآمراً دولياً تقف وراءه معسكرات ودول وأجهزة مخابرات أزعجها استقرار ونمو دولنا، فاستطاعت أن تولد حركات وتنظيمات وجمعيات مشبوهة وفرقاً إسلامية متعصبة على نطاق واسع ونجحت بإثارة الفتن وحققت بالفتنة مالم تحققه بطائراتها وعتادها وجيوشها فكانت فتنة أتباع الحوثي في صعدة الذين أشهروا السلاح في وجه الدولة وزعزعوا الأمن والاستقرار، وفتنة الشيعة والسنة في العراق التي أودت بالآلاف من المسلمين بين قتيل وجريح، وفتنة طوائف ومذاهب لبنان التي عطلت الحياة عن الحركة وكانت الخسارة الاقتصادية الكبيرة للبنانيين، وفتنة فتح وحماس في فلسطين فكان القتل والدمار، وغيرها من الفتن التي أشعلها العدو في عالمنا، حتى أصبحت كظاهرة مرضية خطيرة تنذر بعواقب وخيمة لايعلم مداها إلا الله، وهذا ماأكد لكل مراقب لأوضاع منطقتنا أن أعداءنا إن كانوا حريصين على شيء فعلى إحداث المتناقضات بين المسلمين واللعب عليها والاستفادة منها في ترتيب المعادلات والتوازنات ورسم السياسات والمؤامرات. فأثار أعداؤنا المذاهب من أجل مزيد من الصراعات والأحقاد والضغائن بين المسلمين، فانشغل المسلمون بالجدل عن العمل والتنقيب عن السقطات والعيوب بدلاً من التماس العذر والحرص على الستر، وأصبح المسلمون في حيرة ترى من يصدقون وبمن يثقون ومع من يسيرون ؟ وباتت المذهبية والحزبية في الساحات الإسلامية خلافاً بلا أدب واختلافاً بدون علم وتكاثراً بغير مبرر، وباتت تعددية اليوم تنافساً على المغانم وتنصلاً وهروباً من المغارم وتهافتاً على الدعاية والأضواء وإقبالاً على الأخذ وإدباراً على العطاء. أصبحت المذهبية والتعددية تربية بلا سياسة كالحوثية أو سياسة بلا تربية وحدود كما هو في العراق، فبرز على الساحة الإسلامية فريق متخصص بتكفير المسلمين وإخراجهم من الملة، وآخر بمحاربة بدعة الموالد والتسابيح وانتظار المهدي وتعطيل العمل، وفريق يلعن الصحابة وهم أولئك الأعلام رضوان الله عليهم. وظهر الأسلوب المبتدع بمحاربة البدع، وفي الحقيقة هي البدعة في ذاتها لأن ماتحدثه في جسم الأمة من تمزيق وماتلحقه من إيذاء وتشويه يفوق خطورة حدود البدع التي تدعي أنها قامت لمحاربتها.. فهي في مواجهة الشبهة تقع في الحرام وفي إنكار منكر تقع فيما هو أشد منه إنكاراً متجاوزة قاعدة ( درء المفاسد يقدم على جلب المنافع ) فماذا يريد هؤلاء وأولئك بعد أن وصلت الفتنة إلى المساجد ركن المسلمين الأقوى والأخير ؟ ماذا يريد هؤلاء وأولئك بعد أن وصلت الفتنة إلى قتل المسلم اخاه المسلم، لقد نسى هؤلاء أن عدواً شرساً يتهددهم جميعاً ويتآمر عليهم جميعاً، ويريد تصفيتهم جميعاً، وأنهم باختلافهم ييسرون عليه الأمر ويسهلون الطريق، وهذا ماحدث في الساحة الإسلامية والتي باتت مهددة من داخلها بفعل ماتولد عن ظاهرة المذهبية من آفات كثيرة وخطيرة أخطرها آفات التعصب التي تفاقمت حتى أصبح التعصب ليس للحق والنزول عند حكم الشرع وإنما التعصب للمذهب ولأشخاص المذهب، وبدلاً أن تكون الدعوة للإسلام تصبح الدعوة للمذهب ولو من غير إسلام وبدون التزام. وماوصل الحال إلى هذا الوضع إلا بمخالفة المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم القائل :(من فرق ليس منا، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية). والمسلمون تناسوا أن التعصب والعصبية خصال يمقتها الاسلام ويبغضها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقرآن دعا الى التجرد والانعتاق من سر كل العصبيات العائلية والعشائرية والفئوية فقال تعالى (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لايهدي القوم الفاسقين) صدق الله العظيم.. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية).. وقال : ( دعوها فإنها فتنة ) ولنؤكد ماقلناه عن حال أمتنا هاهو خطيب الجمعة يقول : ( حسن نصر الله كافر والشيعة كفار وأخطر من اليهود ) ولهول ماسمعت أبقيت جسمي في المسجد وانصرف ذهني عنه ودخلت بخيالي في حديث دار بيني وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال : اسأل الخطيب ماذا ترك للأعداء لإثارة الفتن ؟ اسأله عن حال المسجد الأقصى الذي يهدم اليوم، وقل له أن يسأل السلميين في عكا وحيفا وغزة عن حسن نصرالله ؟ سيقولون لقد أعاد لنا الكرامة وسيضربون الافتراض الآتي :- ( لو أن كلباً عض صهيونياً لوجب على المسلمين ان يضعوه في مكان عال لصنعته ). وتخيلت سيدنا عمر يقول : ابلغ الخطيب أن الحفاظ على الدين والمبادىء والقدس والعروبة والعرض والشرف والكرامة ووحدة الأمة أولى من تتبع المسائل الخلافية). وتدخل الحسن بن علي رضي الله عنه في الحديث : وتخيلت مواقفه العظيمة وكأنه يبعث برسالة إلى مشعلي الفتنة في صعدة ويقول (ابلغوا الحوثي وأتباعه أن يحملوا البندقية الحسينية الثائرة نحو الصهاينة وإياهم من حرفها نحو المسلمين نحو من أعلنوا الشهادتين وشهدوا بالوحدانية وإن عصوا، وحذروهم من الفتن وموقديها، وقال ذكروهم أني تركت الخلافة من أجل وحدة المسلمين ودرءاً للفتنة، ونبئوهم دائماً بالمخاطر المحدقة بإثارة العصبية والتي هي نقيض الوحدة لأنها تمزق الساحة الإسلامية وتقيم السدود بين المسلمين.. وقولوا لهم أن يتقوا الله في دماء المسلمين، وهل يتفق مايقومون به من قتل وإثارة للفتن مع التقوى ومع قوله تعالى : «واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا» صدق الله العظيم ومع قول الرسول صلى الله عليه وسلم «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا».