يمثل «الرأي العام(Public Opinion)بصفته الرأي الواعي أهمية كبيرة ودائمة، وخصوصاً لدى العديد من السلطات السياسية، التي غالباً مايهمها معرفة رأي الناس بها، وبطرق حكمها، وبتوازنات أحكامها،ويعتبر العديد من الباحثين أن واحدة من أهم سمات المجتمعات الحديثة الاعتراف بأهمية الجمهور، واعتبار الرأي العام محور أي نشاط اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي...الخ وكلمة «الرأي العام» تتكون من شقين اثنين هما:«الرأي» وتعني التعبير اللفظي أو الكتابي عن الاتجاهات نحو ظاهرة ما أو مشكلة يثار حولها الجدل والنقاش، كماهو الشأن في الأحداث التي تعرفها مجتمعاتنا اليوم محلياً واقليمياً ودولياً، إذ أن المسائل التي لاتحتمل الجدل لاتتطلب رأياً حولها، و«العام»: وهي تعبر عن وجود جماعة معينة، وهذه الجماعة تجمعها مصالح مشتركة وعلاقات ثابتة،وقد سُمي ب «الرأي العام» تمييزاً له عن «الرأي الخاص» أو الفردي، والرأي العام ليس هو مجموع الآراء الفردية لجماعة من الأفراد، بل هو ناتج التفاعل بين تلك الآراء فمثلاً: لو كان لدينا جمهور مكون من عشرين فرداً، وكل فرد منهم له رأي قد يختلف أو يتطابق أو يقترب من الآراء الأخرى، فالرأي العام هنا ليس هو مجموع تلك الآراء، لكنه ناتج النقاش والتفاعل الواعي بين تلك الآراء حتى نصل في النهاية إلى رأي يمثل الأغلبية، وهو الذي يمثل الرأي العام. والرأي العام له قوة تأثير فاعلة في كل مجتمع، بل قد يكون في بعض الأحيان المحرك للعديد من القضايا والأحداث، وهو ماحدا ببعض الباحثين إلى القول إنه:«يشكل سلطة غير منظورة مقابلة للسلطات السياسية المتواجدة في مجتمع من المجتمعات،وأن القادة السياسيين يأخذون تأثير دور الرأي العام في بلدانهم بعين الاعتبار عند اتخاذ قرار أو انتهاج سياسة ما». أصبحت قوة «الرأي العام (Public Opinion) في العصر الحاضر بدون حدود ،وبات الجميع من حكام وحكومات يعتمدون عليها اعتماداً كبيراً في تأييد سياساتهم؛ فلايمكن لأية حكومة أن تنجح في سياساتها دون دعم وتأييد الرأي العام لها، ولذا فقد باتت العديد من الحكومات والمؤسسات الحديثة تولي إهتماماً كبيراً لاستطلاعات الرأي العام لمعرفة اتجاهاته، وقياسه، وهذه العملية متواصلة ومستمرة لأن الرأي العام كما سبقت الإشارة أعلاه، ليس عنصراً ثابتاً بل هو عنصر متحرك ومتغير من وقت لآخر بتغير تطلعات الناس، ومدى قدرتهم على تلبية تلك التطلعات أو عجزهم عن تلبيتها، وكذا تبعاً لبعض المتغيرات الخارجية أو الداخلية المفاجئة، ويلاحظ في بعض البلاد، المتوافرة فيها إمكانية استطلاع آراء الناس لمعرفة رأيهم حول أمر مجتمعي ما، أن يكلف بعض الموظفين المتخصصين للوقوف حول ما يسكن الوقوف عليه من الانطباعات وردود الأفعال المعبرة عن الرأي العام واتجاهاته المختلفة، ويتم ذلك سواء عن طريق ملء استمارات الاستفتاء أو الاستبيان. وتحتل عملية استطلاع الرأي العام وقياسه أهمية متزايدة في العصر الحاضر،وهناك العديد من المعاهد والمراكز المتخصصة في دراسة واستطلاع الرأي العام عبر العالم؛ إذ تعد هذه العملية، في نظر الكثيرين، خطوة أساسية في العملية الديمقراطية، وقد عرفت المجتمعات القديمة طرقاً بسيطة كان ينقصها الضبط والتقنين، فقد كان بعض الحكام يلجأون إلى إطلاق بعض العسس للتجسس على أحوال الناس وأقوالهم، وآرائهم، ثم يبلغون الحاكم بها ، وكان البعض منهم كما قرأنا في سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخرج متخفياً مستتراً ليسمع ويتلمس بنفسه رأي الناس، أما في الوقت الحاضر فقد حلت الأدوات والمناهج العلمية الأكثر دقة محل الطرق القديمة، وإن لم يتم التخلي عن الطرق القديمة بل جرى تهذيبها وتعديلها وفقاً لحاجيات كل مجتمع من المجتمعات وتبعاً لأسلوب الحكم السائد فيه. ويعد الباحث الأمريكي «هربرت، أ، شيللر (herbert Schiller) في كتابه «المتلاعبون بالعقول، 1986م :136» «استطلاع الرأي(The Survey) واحداً من الاختراعات الأكثر حداثة في المجتمع الأمريكي، شأنه في ذلك شأن الاكتشافات التكنولوجية التي ابتكرها الإنسان في القرن الماضي، مثل: أجهزة الكمبيوتر، ومذياع الترانزستور، أو الطائرة الأسرع من الصوت، وهو يقول:«هنالك أنواع أخرى من الاختراعات، ومن العناصر ذات الأهمية المتزايدة في آلية توجيه العقول ذلك الاختراع الاجتماعي الحديث نسبياً والذي يسمى: استطلاع الرأي» ،ويضيف «ص 152» «ويمثل استطلاع الرأي اختراعاً اجتماعياً لايمكن فصله عن النسيج المؤسساتي الذي يعمل من خلاله، ومعنى ذلك أن استطلاع الرأي، ومهما جرت صياغته في تعبيرات علمية، فهو في المقام الأول أداة تخدم أهدافاً سياسية».ولذا يرى بأن استطلاع الآراء يمكن أن يحذر عناصر السلطة من اتباع أساليب محددة ، وقد يقترح أن تتحرك من خلال مسارات أكثر التواءً وصولاً إلى نفس الغايات، ويمثل استطلاع الرأي في رأيه، وسيلة للتحقق من عادات وأولويات الأفراد والجماعات التي توفر، في حالة كفاية خطة البحث، مؤشرات صحيحة ظاهرياً للمواقف أو الخيارات القومية «أو الاقليمية أو المحلية» وهو يوفر ميزة أساسية تتمثل في تدفق ثنائي للمعلومات :بين صانعي القرار الحكومي، أو التجاري أوالصناعي، وبين الجمهور العام. ويحدد بعض المدافعين عن استطلاعات الرأي وظيفتين أساسيتين لها، هما: تدعيم الديمقراطية، من خلال تسهيل انسياب المعلومات في الاتجاهين: صانعي القرار، والجماهير، وتوفير المعلومات الموضوعية المبنية على منهجية علمية لأي شخص يرغب في استخدامها. دفعني إلى الكتابة حول هذا الموضوع إلهام مانلحظه من غياب الدراسات الاستطلاعية، بالمعنى الشامل للرأي العام اليمني بمختلف شرائحة الاجتماعية، وأطيافه السياسية حول العديد من القضايا والأزمات التي مر بها مجتمعنا اليمني، وآخرها الأحداث التي عرفتها مدينة صعدة شمال اليمن، الأمر الذي يعني غياب أو ضعف تدفق المعلومات بين صانع القرار السياسي في مجتمعنا اليمني، وبين الجمهور اليمني، وهو المناخ الملائم لبث العديد من الإشاعات المغرضة، وخلق بلبلة في أوساط المجتمع اليمني، ففي غياب المعلومات الصادقة يكون المناخ مناسباً لأعمال الدعاية «الإشاعات المغرضة» التي يبثها أعداء الوطن لزرع بذور الفرقة في صفوفه وبين أبنائه. لسنا ننكر الدور الوطني الذي قامت به بعض وسائل الإعلام المحلية وصحفنا الوطنية «كالجمهورية» من استطلاعات لآراء، بعض المثقفين والعلماء والعديد من الشخصيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أفردت لها مساحات كبيرة، وهو الأمر الذي يحسب لها في مجال تنوير الرأي العام اليمني بمجريات الأحداث، وتبصيره بحقائق الأمور وتزويده بالمعلومات الكفيلة بتحصينه ضد كافة الاختراقات والإشاعات. لاينكر كل هذا الجهد الوطني المحمود أي إنسان منصف، مانعنيه هو غياب الدراسات الاستطلاعية الشاملة للرأي العام التي تقوم بها بعض المراكز المتخصصة في دراسات واستطلاعات الرأي العام، والتي تستخدم الطرق العلمية والدراسات المتخصصة للكشف عن مدى قوة اتجاهات الرأي العام، عن طريق: المسح الشامل للتعرف على الاتجاهات الظاهرة والكامنة في أوساط أبناء المجتمع اليمني، ولأن المسح يشمل وسيلتي المقابلة والملاحظة، أي مقابلة الناس وملاحظة سلوكهم بصفة مباشرة على اختلاف أشكال هذا السلوك ووسيلة التعبير، كماتستخدم طريقة تحليل المضمون لتحليل كل ما يصدر عن مجتمعنا من كتابات صحفية عبر وسائل النشر والإعلام والدعاية الحزبية والمستقلة، المعارضة والمؤيدة، والتي تعد معبرة إلى حد كبير عن اتجاهات المجتمع، وغيرها من وسائل الاستطلاع للرأي المعروفة والتي تهدف إلى تزويد صانع القرار السياسي والجمهور اليمني بالحقائق والمعلومات وبما يدعم ديمقراطيتنا الناشئة، ويحفظ وحدة مجتمعنا وأمنه واستقراره. - أستاذ العلوم السياسية جامعة إب