مازلت أتذكر جيداً كيف ثارت حفيظة نوابنا ، وأقاموا الدنيا لمجرد أن جلساتهم ستعرض فقط على القناة الأرضية (22 مايو) .. وكيف أنهم استدعوا على الفور وزير الإعلام الأسبق ل(الاستجواب) ، واعتبروا هكذا إجراء «استهتاراً بنواب الشعب، و..» الكثير من الاتهامات التي برر بها المجلس قراره بالإجماع إلزام وزارة الإعلام بنقل وقائع جلسات البرلمان على القناتين الأرضية والفضائية ، ومختلف وسائل الإعلام العامة ، وأن «لا تعاود الوزارة الكرة في التقليل من أهمية وشأن المجلس..»!!. يومها بدأ مثل هذا الاجماع البرلماني غير مبرر عملياً وإن بدا كذلك نظرياً ، ومع هذا قلنا هو حق لنواب الشعب كما هو حق للشعب أن تكون لهم نافذة تواصل يومية ، مع المواطنين الذين انتخبوهم ، والذين لم ينتخبوهم أصلاً ، أولئك المواطنون خارج البلاد ، لكي يعلم المغتربون ما لديهم من ديمقراطية ومن نواب يمثلونهم ، ويشرعون لإدارة شؤونهم على أكمل وجه ، ويراقبون أداء الحكومة ويحاسبونها صوناً لمصالح المواطنين ، وتحقيقاً للمصلحة العامة للبلاد. لكن الأيام ظلت تثبت العكس ، وليس أدل من هذا، التقرير السنوي ، ليس بإنجازات البرلمان (مجلس النواب) على صعيد مهمات التشريع والرقابة والمحاسبة، فالمهمتان الأخيرتان ، مازالتا متأخرتين ، مجمدتين أو غير مستوعبتين في ذهنية غالبية النواب ، لا يمارسها المجلس إلا في حالات نادرة تشبه تماماً «بيضة الديك» والأمثلة خير شاهد على صدق هذا التشبيه ، لندرة المواقف البرلمانية الفاعلة المنحازة لمصالح الشعب ضد توجهات أو قرارات للحكومة ، قد تحد من هذه المصالح. أقول ليس أدل على تقصير البرلمان في تمثيل الشعب وليس الأحزاب خير تمثيل ، وعلى ضعف الشعور بهذه المسئولية لدى عدد كبير من النواب : ليس أدل من التقرير السنوي لأداء مجلس النواب ، بدءاً بمدى التزام أعضائه حضور جلساته الدورية ، ومؤشرات الغياب عن الجلسات ، التي أظهرها التقرير ، لتظهر معها جلياً مؤشرات مدى غياب هذا المجلس المنتخب عام 2003م عن الشعب ومدى جدية تمثيله الشعب ، وحرصه على صون مصالحه. يكشف التقرير ، وهو بالمناسبة صادر عن مجلس النواب نفسه، وجود نواب «التزموا الغياب أكثر من الحضور»، فلم يحضروا أية جلسة وتغيبوا عن حضور 90 جلسة عقدها المجلس طوال العام 2006م ، وبعدد 90 عذراً «بحسب التصنيف المتبع في المجلس» : وأن خمسة نواب لم يحضروا سوى جلسة واحدة ، وقرابة نصف النواب حضروا مابين (3- 22) جلسة ، وعشرة نواب فقط حضروا ما بين (21-88) جلسة بينما 14 نائباً (من أصل 301 نائباً) هم فقط من حضروا كل الجلسات !! قطعاً ، هذا المستوى المتدني جداً ، لالتزام نواب الشعب بحضور جلسات مجلس النواب ينعكس على مستوى فاعلية المجلس في تمثيل الشعب وصون مصالحه ومصالح البلاد عموماً ، ويصل بهذه الفاعلية إلى أدنى درجاتها .، إذ من أين ؟!! وكيف يكون المجلس فاعلاً ، و90% من أعضائه غائبون عن حضور أغلب جلساته المنعقدة ، وما يعنيه هذا الغياب من تأثير على القرار في البرلمان، المفترض أن يتجسد فيه مدى المشاركة الشعبية (عدد الناخبين لكل نائب حاضر) في صنع القرار !! كما يقدم هذا الغياب المريع لنواب الشعب دلالات خطيرة لتدني احترام النواب الغائبين لثقة ناخبيهم وانعدام حرصهم على مصالح هؤلاء الناخبين ، في مقابل حرص النواب الغائبين على ما يبدو مصالح شخصية ، أكثر منه مصالح عامة ، لأن المصالح الشخصية تتحقق لهم سواء حضروا أم لم يحضروا جلسات المجلس ، بينما المصالح العامة تتحقق للشعب وللبلاد اجمالاً ، فقط إن حضر النواب هذه الجلسات ، وتضيع أو لا تتحقق كما ينبغي أن تتحقق ، إذا هم غابوا عن الجلسات !!. يذكرني هذا الغياب غير المبرر بأي حال لنواب الشعب ، بالمناسبات التي تشهد فيها جلسات البرلمان حضوراً كاملاً (100%) أو (90%) من أعضاء المجلس، والعامة منها بالمناسبة نادرة : انتخاب هيئة المجلس ، إقرار الموازنة العامة للدولة ، إقرار اعتماد إضافي للموازنة ، أداء رئيس الجمهورية اليمين الدستورية عقب فوزه بالانتخابات ، وبالمثل الحكومة عقب تشكيلها ، ثم تأتي مناسبات أخرى تستنفر حضور أعضاء المجلس ، إنما ليس في قضايا عامة ، بل للأسف قضايا خاصة ولمصالح النواب أولاً !!. جميعنا يتذكر من هذه المناسبات الخاصة، لاحتشاد نواب المجلس ، جلسات مناقشة تأمين وسائل مواصلات للنواب ، والتي أفضت كما نعلم إلى إقرار المجلس بالاجماع إلزام الحكومة بتأمين 301 سيارة آخر موديل طبعاً 2003م آنذاك وبتكلفة اجمالية بلغت نحو مليار ونصف المليار ريال، واستدعاء هذا تأمين موقف إضافي لسيارات النواب ، يشبه اليوم «معرض القادسية» في أحسن أيامه وزخم معروضاته ، قبل تصفيته !!. كذلك يتذكر أغلبنا من هذه الجلسات الحافلة بحشد نواب الشعب، جلسات مناقشة اللائحة الداخلية لمجلس النواب، وما أفضت إليه من إقرار قائمة امتيازات إضافية لنواب الشعب ، تجاوزت الحصانة البرلمانية والوجاهة الاجتماعية ، إلى امتيازات مالية تمثلت في زيادة الرواتب (200 أو 300%) ، وإمتيازات وظيفية تمثلت في اعتماد درجة وزير فعلية وليس رمزية لعضو مجلس النواب ، وما يترتب عليها من بدلات : طبيعة عمل ، علاج ، سفر ، سكن ، محروقات ، وزيادة بدل جلسات ،.. الخ قائمة امتيازات طويلة !!. وعلاوة على ما يعنيه هذا ، من زيادة لعدد شاغلي الوظائف العليا ، ستصيب هيكل موظفي الدولة بالتخمة ، وبمعدل زيادة (301 وزيراً) بداية كل ست سنوات يحوز امتيازات درجته بصفة دائمة، فإن آخر هذه الجلسات الحاشدة بحضور النواب ، كرست لمناقشة امتيازات خاصة إضافية ، فيما عرف بمشروع تشييد مكاتب أو استراحات في كل دائرة انتخابية كي يلتقي فيها النائب بناخبيه ، ويتلمس همومهم ويتعرف على تطلعاتهم وآمالهم ، ويعمل على ترجمتها في قاعة المجلس !!. خلاصة القول ، كان الأحرى بمجلس النواب وهو يناقش لائحته الداخية ، أن يتوقف ملياً عند ضوابط ضمان عدم انحراف الغاية من وجود مجلس للنواب ومن عقد انتخابات نيابية لأعضاء مجلس النواب ، وعدم تحول المجلس إلى مؤسسة إعاشة «خمسة نجوم» وعدم تحول عضوية مجلس النواب إلى «مصباح علي بابا أو خاتم سليمان» لتحسين المستوى المعيشي للعضو وتغييره 180 درجة ، واستحقاق دوام هذا المستوى حتى بعد خروج النائب من المجلس وعدم تجديد الثقة له !!. بمعنى كان المأمول والمطلوب بشدة أن تشتمل اللائحة تعديلات لشروط عضو مجلس النواب ، وبخاصة في جانب الأهلية ، فلا تبقي على شرط «يجيد القراءة والكتابة» دون تعديل يشترط حصول الراغب في الترشح لعضوية مجلس النواب على الشهادة الثانوية على الأقل ونيل دبلوم في الثقافة القانونية والمبادئ الاقتصادية والاجتماعية العامة. من معهد تأهيل متخصص يتبع مجلس النواب أو اللجنة العليا للانتخابات ، وبما لا يتعارض ونص الدستور بحق «كل مواطن الترشح لعضوية المجلس». لكن وبما أن اللائحة تجاوزت مثل هذا التعديل اللازم لضمان توافر الحد الأدنى من الوعي والثقافة والمعرفة الواجب فيمن يناقش قوانين واتفاقيات وخطط في مختلف مجالات الحياة ويسهو بصوته في تعديلها وإقرارها : كان ينبغي أن تتضمن تعيين معايير حد أدنى لأداء عضو المجلس ، يلتزم كل عضو ببذله ، ويقابل تقصيره بإعفائه من شغل الوظيفة النيابية ، وإحلالاً لمنافسه الحائز على ثاني أكبر معدل أصوات الناخبين في دائرته ، تماماً كما يجري في حال وفاة عضو المجلس. مثل هذه المعايير تظل لازمة لضمان فاعلية أداء مجلس النواب لوظائفه الهامة ، وبهذه المعايير فقط كان يمكن ضمان متابعة المجلس توجيهاته للحكومة في مختلف القضايا ، وعدم حدوث مفارقات ، تسلم المجلس مشاريع قوانين ومناقشتها وإقرارها خلال شهر ، وتعثر مناقشة قوانين أخرى لسنوات تتجاوز أحياناً 13 عاماً ، وتعذر إقرارها على أهميتها كمشروع قانون تنظيم علاقة المؤجر والمستأجر ، الذي لم يقر إلا مؤخراً ، وقانون المياه ، وقانون تنظيم حمل السلاح وحيازته المتعثر منذ 1994م!!.