أخطأ الهتار ولم يزل يخطئ وهو على رأس وزارة الاوقاف والارشاد في تعامله مع المتطرفين. ولكي نكون منصفين فإنه لايتحمل الخطأ وحده وإنما تشاركه الثقافة والإعلام فهاتان الجهتان قصرتا في دورهما تجاه الوعي الزائف الذي امتد بطول الساحة وعرضها.. فقد ذهبت الصحافة إلى منح المتطرفين مالايستحقون من تقدير وجاذبية وبالغت في نتائج هذا الحوار وهذا لايعني أننا نريد التوقف عند الأسف لماآلت إليه الأمور ،بل ينبغي فهمها والوعي بما انتجها ،لاعند السطح ،بل في بنية الثقافة والعقل السائد في بنية التفكير. ربما لو اشتركت جهات كثيرة في هذا الحوار بما في ذلك المثقفون ،لربما كان الأمر مختلفاً ولربما توصل الجميع إلى الوعي بما يؤسس لهذا العنف. لقد انهمك القاضي/حمود الهتار بمفرده وراح الإعلام يذبح الحواشي التفسيرية على متن هذا الحوار ،فليس ثمة على الدوام ،إلا الحديث المعاد عن الحوار التاريخي والتجربة الناجحة مع هؤلاء العائدين من افغانستان دون التجاوز من آلية هذا الحوار إلى ماعساه يمثل جذراً قاراً للحوار والتسامح فبدا الاعلام وكأنه لايقصد حقاً إزاحة غمة العنف عن كل هذه الثقافة بقدر مايقصد إلى مجرد التطهر وابراء الذمة.. لقد اخفق الاعلام في انتاج وعي متسامح مع الواقع وظل يكرس ومازال ضرباً من الوعي الزائف. إنها اذن أزمة خطاب فكري جعلت الهتار يعتقد أنه يمكنه رد هؤلاء إلى جادة الصواب بدون تغيير هذا الخطاب المنتج للعنف والمشرع له.. لقد أخفق هذا الخطاب لافي تحقيق أي من غاياته النهضوية فحسب ،بل في طبيعة انتاج المعرفة العلمية. والغريب أن هذا الحوار كان ينطلق من الدين ويعود إليه وهنا جوهر المشكلة حين اعترفنا لهؤلاء بأنهم طرف في الدين ومن حقهم أن يقولوا رأيهم الذين يترتب عليه تدخلهم في شئون الدولة من منطلق صواب الدين وخطأه. كما أننا أعطيناهم مشروعية أمام الجماهير البائسة التي لاتعرف الدين إلا من خلال خطباء المساجد ،فهي لاتقدر انسانية رسالة الاسلام ،اذن غاب عن هذا الحوار بعده الانساني فالحوار الذي دار بين الطرفين لم يقم على أساس نهضة عصرية للوطن تقوم على الحرية والمساواة واحترام الدستور والانفتاح الثقافي والحضاري على الآخر ،بوصفه يشترك معنا في الحياة الإنسانية وليس الاسلامية فقد دخل الطرفان الحوار من منطلق أنه لايصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها فكلاهما فيما يظهر لايتصور نهضة إلا عبر الدين والحق أن هذا الحوار يكشف عن أن الأزمة قائمة وكل طرف كان يراوح في مكانه ،وينظر إلى الطرف الآخر بأنه لابد أن يكسب مزيداً من الوقت على قاعدة جحا والسلطان والحمار. فقد حاول كل طرف أن يخفي أفكاره خلف أقنعة مصطنعة ونحن نعي أن العنف هو نتاج خطاب عام ،بلغ اليوم أقسى لحظة من لحظات تأزمه ،فها هو اليوم يأكل بعضه بعضاً في عملية من النبذ المتبادل فليس من المعقول أن يكون احتواء التطرف بتبنيه.. إننا أمام خطاب عنف شامل ،فقط تتباين تياراته ،أو أقنعته في شكل العنف الذي تمارسه ،فثمة ضرب من العنف تمارسه القبيلة ،وثمة ضروب من العنف تمارسه الجماعات الإسلامية والاحزاب تمارس عنفاً فكرياً ،كما أن هناك عنفاً ناعماً مغلفاً يمارسه الفساد الإداري في مختلف مؤسسات الدولة ،وكل ذلك يصب في مصلحة الارهاب. وهذا يجوّز لنا القول أننا نتحرك داخل خطاب يقوم على العنف والاقصاء ولذلك فإنه لايمكن تجاوز الخطاب السائد ،بل يمكن السعي إلى معرفة مكوناته قصد تفكيكه.. هذا التفكيك لابد أن يشارك فيه كل من الثقافة والإعلام فالإعلام لابد أن يفسح المجال أمام الثقافة الحديثة والفكر المستنير حتى يتسنى للدولة ولمتخذ القرار الوقوف على حقيقة مايجري. وعلى هذا الأساس هل يمكن القول إن الحوار يمكن أن تقوم به جهة بمفردها؟ الواقع يقول: لا ومخرجات وزارة الأوقاف والإرشاد تقول: لا.. فخطباء المساجد لايفرقون بين العام والخاص في كتاب الله ،فهم يستندون إلى «واقتلوهم حيث ثقفتموهم» ،«فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد» «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم». على وزارة الأوقاف أن تتجرأ وتطرح قانون يجرم الكراهية للأديان الأخرى من منطلق أنه ليس من حق أحد اليوم أن يبشر بالإسلام ،فهو الآن ليس بحاجة إلى مزيد من الأتباع ،فقد بلغ عدد معتنقيه ملياراً وربع المليار. ومادام هؤلاء ينادون بإقامة الدولة الإسلامية على دار الإسلام ودار الكفر كما يسمونها ،فإن هذا الخطاب لن يحمل في طياته العفو والصفح والمسالمة بل سيبقى العنف ورفع السلاح. ولانغالي إذا قلنا إن الذين حاوروا الجماعات المتطرفة وطلبوا منهم تغيير لهجة خطابهم إلى الدعوة التي هي أحسن وترك السلاح إلى المواعظ والخطب المنبرية ،اثبتوا أنهم يجهلون طبيعة وبنية وكينونة هذه الجماعات التي نذرت نفسها جهلاً لتحقيق الدولة الاسلامية ،وهذه هي العلة في إخفاق جماعة الحوار في فهم حقيقة هذه الجماعات أو لعلهم يفهمونها ولكنهم لايجرؤون على التصريح بذلك لاعتبارات لاتخفى على كل ذي عقل.. الجماعات المتطرفة في كل مكان بما في ذلك اليمن تعلن دائماً أنها تجاهد وتقاتل لإقامة «دولة الإسلام» وأول من يقف حجر عثرة في سبيل إقامة الدولة الإسلامية هم الحكام تماماً مثلما كانت تقف قريش في مكة. إن العدوانية التي تظهرها بعض الجماعات الاسلامية المتطرفة ليست إلا انعكاس للروح الدينية التي تحتويها ولكنها التعبير عن الشعور بانسداد الافاق وبالتهديد بالتهميش.. اضافة إلى ذلك فإن خيار القوة المسلحة الذي تنتهجه الجماعات المتطرفة له تاريخيته وسنده من النصوص المقدسة وهذا مايجب التسليم به حتى يمكن فهم هذه الجماعات الفهم الأمثل حتى يتسنى لمن يريد محاورتها والتعامل معها بطريقة صحيحة.