- ماهي الديمقراطية بالضبط ؟!.. من يملك تعريفاً حاسماً لهذا المصطلح الملتبس الذي هبط على قحط الصحراء العربية، مثلما تهبط الصحون الطائرة، في أفلام الخيال العلمي، وسط الأدغال النائية المستكينة لمشيئة الطبيعة، المنطوية على بدائيتها ؟! - هل الديمقراطية سلعة لها مواصفات وأعراض وبلد منشأ ؟! وإذا كانت سلعة فماهو البلد الذي يبرع في صناعتها أكثر من الآخر ؟! وماهو الثمن ؟! هل هي سلعة تقي من البرد ، أم من الجوع، أم من الجهل ؟! وهل هي نافعة لكل الشعوب على حد سواء ؟! أم أن هناك شعوباً يجدر ألا تتعاطاها لاعتبارات صحية ما ؟! وماهي هذه الاعتبارات ؟! ومادرجة استعداد دولة ما، لأن تكون ديمقراطية، دوناً عن أخرى، وشعب دوناً عن آخر ؟! وإلى أي حد تتدخل معايير من مثل: نسبة الأمية، حالة الوعي العام، مستوى الاقتصاد.. في تقييم درجة الاستعداد وأهلية الدول والشعوب، لممارسة الديمقراطية بصورة مثمرة ومثلى ؟!.. - إنني أفضل أن أسأل وأبدو ساذجاً، على أن أبدو حصيفاً وأقع في وهم ادعاء الفهم ؟! لذا فإنني أعترف بجهلي التام إزاء ماتعنيه الديمقراطية بالضبط ؟ ولماذا يجمع الكثيرون على أهميتها، ويضعونها في مرتبة سابقة للخبز والحقنة وحروف الأبجدية ؟! في مصر الاحتلال والملكية، كانت التعددية السياسية قائمة والصحافة حُرّة، وكان هناك برلمان و.. كانت شرائح واسعة من المصريين محرومة من الحق في التعليم والصحة والالتحاق بالوظائف الحكومية المتوسطة والجيش والأمن. و.. كان الفلاحون يعملون بالكفاف في اقطاعيات مملوكة للباشوات، وتسرق سفن الانجليز محاصيل عرقهم بالبخس.. وكانت الديمقراطية مستتبة تماماً، والصحافة تنقل أخبار عشيق الملكة وفضائح القصر أولاً فأولاً.. ثم جاء نظام ثورة يوليو وأغلق مقرات الأحزاب بالضبة والمفتاح، وختم فم صاحبة الجلالة بالشمع الأحمر، وأرسل معارضيه، في فسحة طويلة، إلى القناطر وأبو زعبل وليمان طرة و.. فتح الكليات والمعاهد والمدارس أمام أبناء الغالبية المحرومة، ووضع الرغيف وقرص الدواء والكتاب في متناول أفواه وعيون وأيدي الملايين، وأعاد الاعتبار لعرق الفلاح وأعاد الأرض للقبضات المعروقة، وقناة السويس لمصر.. و بنى السد العالي هرماً رابعاً، يفوق سابقيه الثلاثة قيمة وجدوى. إن الجوع والجهل والتمييز تبدو وكأنها لوازم لاغنى عنها للديمقراطية، في أنموذج مصر الاحتلال والملكية، أما في انموذج مصر الثورة، فإن طفرة التنمية تبدو وكأنها ثمرة من ثمار الديكتاتورية.. فهل الأمر كذلك بالفعل ؟!.. لم أعد أفهم !! وفي فنزويلا كان للعاصمة قناة وللأثرياء القلة كلاب أليفة بشعر طويل ناعم، وكان الغالبية يعتاشون من القمائم، فصادر «شافيز الصاعد ديمقراطياً » القناة الحرة والكلاب الأليفة، ووضع ميزانيتها في حساب الأفران الشعبية، فانهمرت دموع الحزن والخشية على مستقبل الديمقراطية، من عيون ملائكة العالم الأول، تماماً كما انهمرت عند تحطيم تماثيل «بوذا» ولم يرمش لها جفن إزاء ذبح المدنيين في افغانستان والعراق والصومال، وشعب المخيمات والشتات !! فماذا تعني الديمقراطية بالضبط ؟!.. أفتوني في أمري..