دول الجوار العربي والإقليمي مشغولة جداً باليمن إلى حد أنها تتناسى خلافاتها فيما بينها لتتخذ موقفاً موحداً معادياً لليمن، واليمن لا يلوي على شيء عندما يكون الأمر متعلقاً بعروبته وإيمانه رضي من رضي، وكره من كره.. منذ تشكيل الحكومة الجديدة والبلاد تتعرض لموجات من التآمر الداخلي والخارجي بهدف تركيع إرادة الإيمان لدى الشعب ودولته، وفي الواقع ليست التآمرات مرتبطة بالحكومة الجديدة ولكنها مرتبطة باليمن ومواقفه عموماً.. على أن الحكومة الجديدة قد واجهت سلسلة من التحديات والاضطرابات العنيفة والمواجهات السياسية والعسكرية والاقتصادية، بحيث يجعل وضعها من أكثر الحكومات تعرضاً لاضطرابات وتآمرات أعداء الداخل والخارج.. ونحن نشد على أيادي المخلصين من هذه الحكومة أن يثبتوا لمواجهة هذه التحديات، ولكن قبل الثبات أن يستمعوا للحقائق من الناصحين، وأن يراجعوا خطواتهم على هذه الحقائق، فالذين يكتبون ويقدمون النصائح والتقارير ويعقدون المؤتمرات وورش العمل، ويغطون أنشطة الفضائيات وبرامجها الحوارية والتوثيقية والإخبارية، إنما يريدون التأثير على سير الحكومة سلباً وإيجاباً، وعليهم كحكومة التقاط الحكمة من أفواه الأعداء والأصدقاء معاً، والانتفاع منها. التنسيق الذي بدأ به أعداء اليمن في الداخل والخارج لم يبرز كما هو الحال الآن في أية مرحلة من المراحل، وهو يعتمد على سلسلة من التفجيرات للأوضاع بشكل مرتب ومخطط له ويتم تمويل التحريض عليه وتغطيته إعلامياً من أعداء اليمن بشكل غير خفي، فأولاً مشاكل صعدة وتسلسل تفجيراتها إلى درجة اعتقد البعض أن الأوضاع آيلة للسقوط وبدأت الأبواق المعادية تخرج من جحور التآمر العالمية وتبشر بنظام جديد ومعادلات جديدة بل حكام جدد وأقاليم جديدة ليمن ما ظن أبناؤه أنهم قادرون على أن يعيدوا توحيده بعد قرون من التمزق ولكنهم وفقوا فيه، وهاهم أعداؤه يتمترسون خلف كل فتنة ليعيدوا تمزيقه إلى يمنات بدل يمن واحد كما هو الحال وبدل يمنين كما كان سقاباًَ وحتى عهد قريب.
ثم تغير الوضع في صعدة بعد كل الترويع والتهويل لقدرات التمرد، وانعكست الأوضاع على الأرض، فعادت نفس الأفاعي التي ظهرت بالأمس تروج للتمرد، وتبشر بفناء النظام؛ عادت لتقود حملة معاضد الحرب.. لكي تنقذ التمرد والمتمردين من فناء محتم.. وكان ما كان من أمر العفو والمصالحة، وما كاد الناس يتسامعون بخبر توقف لهيب المعارك في صعدة حتى سمعنا تفجيرات مأرب وما خلفتها من كوارث ومآسٍ وبرزت نفس الوجوه التي طالبت بوقف الحرب، لا لتدين الحدث وهو الذي يسمى في عرفهم بالإرهاب بل لكي يقولوا إن اليمن الذي توحد بسلطته ومعارضته الشريفة والصادقة إنما تريد أن تدين الإرهاب في بلادها ولا تدينه في بلاد الآخرين، وهم يقصدون بالإرهاب الذي لا تدينه اليمن مقاومة المحتل الصليبي الصهيوني الصفوي لأرض العراق وفلسطين ولبنان.
وما ان انتهت الأحداث وخفتت آثارها وتداعياتها حتى ظهرت لنا حركة المتقاعدين، وظهرت نفس الوجوه الكالحة لتتبنى من الداخل والخارج رفع هذا الظلم، وهي التي أكثرها شاركت فيه وقاتلت من أجله، وشجعت عليه، وفي نفس الوقت تهيئ لتفجيرات أخرى باسم رفع الظلم والتمييز وغلاء الأسعار في كل من الضالع وعدن وحضرموت وتعز وصنعاء والحديدة، والوجوه التي تتبنى الأحداث وتحرض عليها وتباركها وتغطيها إعلامياً هي نفس الوجوه، ومن نفس العواصم الغربية والعربية والفارسية.
من أجل ذلك نود مجدداً أن نذكر حكومة الرئيس/علي مجور بأن هناك مهاماً أمام حكومته تعتبر لازمة وضرورية وملحة لقطع الطريق أمام المتربصين ورفع المعاناة والظلم عن طوائف أبناء الشعب اليمني في محاولة لتفادي الكوارث قبل وقوعها.. ونحن هنا نشير إلى أهم ما نعتقده ضرورياً القيام به ومن شأنه تلافي حدوث تعميق للأزمات المتفجرة والتي في طريقها للتفجير ما لم تعالج مسبباتها وتوضع لها الحلول الناجعة الحاسمة. } فأولاً: استراتيجية الأجور والمرتبات مفتاح كل عملية إصلاحية.. يجب أن تحسم بشكل سريع وشجاع.. إن تحرك الدولة بنحو مليون موظف عسكري ومدني لا يجد الغالبية العظمى في مرتباتهم ما يفي بحاجياتهم وأسرهم لبضعة أيام هو نوع من التعمد الجريء على سرقة المال العام وتشجيع له وتحريض على الفساد في الأرض وتضييع إمكانات الدولة والشعب في أكثر الطرق عبثية ولصوصية وإسرافاً. وليس سراً أن المشاريع التي تقام حالياً من الطرقات والمباني والمنشآت والمقاولات والمناقصات العامة للتوريدات المختلفة؛ كلها تعطى لأفسد المقاولين والمتعهدين غالباً مقابل مبالغ تضاعف كلفة الإنجاز بحيث تبلغ غالباً ثلاثة أضعاف التكلفة الحقيقية في الوقت الذي لا تحقق المواصفات الحد الأدنى من الجودة واشتراطات المصممين، وبهذا تضيع وتهدر إمكانات الدولة ويتضاعف ثراء لصوص المال العام سواء كانوا موظفين أو متعهدين، ويتحول باقي الجهاز الحكومي إلى سماسرة مع هؤلاء اللصوص ومنتفعين بين أيديهم، وحماة لهم. كما أنه ليس سراً أن إيرادات الدولة لا تحصل بحدودها الدنيا نتيجة هذا الفساد، فالواجب رفع المعاناة أولاً عن مليون موظف بإصلاح الأجور والمرتبات وجعل الحد الأدنى للأجور وبكل جرأة واقتدار لا يقل عن خمسين ألف ريال، وإصلاح ما فوقه، وسيتم تمويل ذلك من خلال رفع الدعم عن المشتقات البترولية الذي يتم التلاعب فيها لصالح عدد من المفسدين، ولا ينتفع منها المواطن البائس إلا بأقل القليل. } ثانياً: إعادة النظر في السياسة النقدية، بحيث تتخلص الحكومة من ثقل الدين العام الذي تسببت فيه عمليات الإصدار المتتالي لأذونات الخزينة وتحرير كامل للسوق النقدية من الرقابة؛ وذلك بإعادة النظام المصرفي إلى ما كان عليه بداية الثمانينيات، حيث كانت البنوك هي التي تتولى بيع وشراء العملة من السوق وإلى السوق وتقبل الأرصدة المودعة بالعملات المحلية، وتغطي الاعتمادات والتحويلات الخارجية بالعملة الصعبة، وفي حالة أي نقص يتولى البنك المركزي إمداد البنوك به بسعر السوق دون التدخل كماهو الحال لبيع عملات صعبة ينتفع منها ثلة من اللصوص. } ثالثاً: معالجة المظلومين من المتقاعدين في المحافظات الشمالية والجنوبية وغيرهم من الموقوفين والمنقولين كرهاً بغير جرم ومعالجة آثار حرب صعدة على وجه التحديد، حيث إن هناك مجموعة غير قليلة من الكفاءات في مختلف مناطق اليمن تم الاستغناء عن خدماتها ونقلهم أو تجميدهم بتهم العلاقة السلالية بالتمرد، وهو ظلم فادح بيّن يجب تلافيه وسرعة إعادة الجميع إلى مواقعهم، ودحر الحاقدين الذين حرضوا عليهم لأغراض دنيئة وغير مشروعة، ولا مبرأة من المنفعة الذاتية. } رابعاً: معالجة ارتفاع الأسعار بتشجيع المنافسة الحرة وكسر احتكار السوق من قبل أية جهة رسمية وغير رسمية، وبعد إصلاح حال مليون موظف رسمي ستكون قرابة عشرة ملايين أسرة قد خرجت من المعاناة الحقيقية ويتم ترتيب رفع زيادات للرواتب بما يتناسب وارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم السنوية. أما معالجة الوضع بصرف مليار أو مليارات لتوريد سلع أساسية بسعر أقل فسيعود على البلاد بخلق طوائف مفسدين ومنتفعين جدد ولن ينتفع المواطن البسيط منها مطلقاً. } خامساً: إيقاف أي تحرك لهيئة مكافحة الفساد باتجاه تحسين أوضاع أفرادها ورئيسها حتى يتم تصحيح أوضاع الموظفين، وعدم ترتيب أوضاعهم قبل ترتيب أوضاع كل موظفي الحكومة حتى لا يتحول هؤلاء بسرعة البرق إلى مفسدين جدد وسائر موظفي الدولة يرزحون تحت وطأة الحاجة والجوع والمعاناة ولا من مجيب لكل استغاثاتهم إلا بتعيين فلان في موقع كذا وآخر في موقع كذا وحل مشاكلهم كأفراد دون جميع الموظفين الذين يعدون بمئات الآلاف في سائر القطاعات الحكومية عسكرية ومدنية وأمنية.. وهذا هو الفساد والظلم بأشرس صوره. نأمل أستاذنا رئيس الحكومة ألا يشغلكم شاغل عن مثل هذه الأشياء لكي تحظى بحب وتقدير وإكرام الله وخلقه بتوفيق الله.. والله من وراء القصد.