أحتاج إلى أن تكوني بقربي الآن.. من يدري، فربما تكون هذه لحظة الذهاب بلا رجعة، وأريد أن أتكّور في محيط عينيك مثل دمعة، قبل أن أنزلق إلى حيث لاألقاك أبداً! أصبحت أسيء الظن بالحياة كثيراً، منذ تجاوزت الثلاثين، وقبلها لم تكن الحياة جديرة بثقتي، غير أن حبك كان يوهمني بالأبدية،و يزرعني خارج مدار الفناء. علينا أن نعترف ياصديقتي بأن الحب من أعمال الجسد، لا من أعمال الروح، كما ظللنا نعتقد .. وهانحن نبحث الآن متحاشين الحقيقة عن تفسير لشعلة الحب التي بدأت تبهت،وعن سبب لعجزنا عن أن نحب بنفس الدرجة من الجنون والهوس والمقامرة.. كل مافي الأمر ياصديقتي...! أننا بدأنا نشيخ،و عدم تقبل هذه الحقيقة، يدفعنا لمحاكمة سنوات حبنا الذهبية بقسوة لاتحتملها وريبة تتلف كل رصيد، وكل عزاء علينا، عوضاً عن أن نهدر الوقت في مثل هذه المحاكمة الجائرة، أقول: علينا أن نبحث عن معنى آخر للحب، كما يليق بمشروع عجوزين. إن للغروب سحره الذي يفوت من لايؤمن بغير الشروق، إنه لامجال إلا أن يؤمن بهما معاً أويكفر بهما معاً. وفي غمرة شبابنا كان كلٌ منّا يحب في الآخر قوته، أو أن تلك القوة كانت هي الحب ذاته باحثاً عن نظيره في الآخر.. أما اليوم، فعلينا أن نتعلم كيف نحب هذا الضعف الذي يتسرب، مع تكَّات عقارب الساعة، إلى مفاصلنا.. علينا أن نتلمس طريقنا بهدوء وسط هذه التجاعيد المتنامية، وأن نفرك قلبينا بلطف، فلم يعودا يقويان على الارتطام دون أن يتهشما إلى قطع صغيرة. اعذريني لهذه السطور الباردة، التي هي أقرب إلى كلام الحكماء، منها إلى العشاق، فما عاد بوسعي أن أرشق بالطوب زجاج السماء وأشعل الحرائق في طريقي إليك. صرت منشغلاً بأعماقي عن كل ماهو خارجي، مصوباً بصري إلى الداخل،أصغي لخشخشة أوراق العمر المتساقطة والمستقرة في قاع الروح، تعبر عليها زواحف الوحشة والسأم. أنني احتاج إليك الآن أكثر من أي وقت مضى.. هذا يعني أنني أحبك أكثر من كل حب مضى.. صدقيني مامن عاطفة أسمى من الحاجة، إنها حب مقتبل العمر، متحولاً إلى أصدق صورة في الثلاثينيات.. وأنا أحتاج أن تكوني إلى جواري الآن، لأحيا بسلام، أو أموت بسلام. أن أستدير بؤبؤاً أو أتكوّر مثل دمعة في محيط عينيك قبل أن أنزلق إلى حيث لاأعلم!! تذييل إني كمصباح الطريق صديقتي أبكي ولا أحد يرى دمعاتي نزار قباني