بين من يدعو لأهمية تنمية الموارد البشرية ومكافحة البطالة وتوفير فرص إبداع للشباب،هل هناك من يهتف للكتاب ودعمه وتوفير أجواء قرائية تكفل بعثة مجتمع يشتعل فكراً وتجارب؟! معارض الكتاب السنوية التي تحتضنها أبرز المحافظات اليمنية وتضم في جنباتها تشكيلة لابأس بها من دور النشر والمكتبات العربية يستبشر بها المثقفون ويتجهزون لها فيعملون على تخصيص أو توفير مبالغ مالية من مصروفاتهم يشبعون بها نهمهم للقراءة والاطلاع ومواكبة كل جديد يطرأ في حقل المعرفة. لكن مثقفينا اليوم بعد أن خاضوا تجارب عدة مع هذه الاسفار المتنقلة وخبروها قد تشربوا الاحساس بعجز هذه المعارض عن تحقيق جزء يسير من آمالهم ولاسيما الباحثين والاكاديميين الذين شحبت أصواتهم من كثرة بث الشكوى عن «الاميبيا» المزمنة التي تعانيها مكتباتنا اليمنية العامة والتجارية،و«تقطعت أحذيتهم» من كثير التنقل بين المحافظات بحثاً عن المراجع والمصادر ليصبح حالهم أشبه بأولئك القدامى الذين نذروا أنفسهم لتدوين اللغة والحديث يجمعهما مشافهة من البوادي..! فتلك المعارض التي يسبق تدشينها حملة ترويجية مدوية ليست في التحليل الأخير سوى لفيف من المكتبات التجارية التي تتبنى نشر أو إعادة طبع بعض العناوين التي تجد لها رواجاً عند الخطباء والوعاظ كمشهورالتفاسير والخطب المنبرية وكتيبات الارشاد والرسائل الوعظية وغيرها،أو عند المراهقين و العامة الذين يرغبون في اختبار معلوماتهم أو البحث عن حلول نافعة لمشكلاتهم الأسرية أو الجنسية أو العاطفية. قد يشتم من هذا الطرح رائحة المبالغة المبنية على نظرة قاصرة لكن واقع الحال يثبت أن إحجام المثقفين ومدمني التهام الكتب عن ارتيادها قابله مدّ عارم من تجار الكتاب وورّاقي الارصفة الذين يضربون أكباد الإبل ليمتحوا من ماعونها،وأحسب أن استاذي الدكتور عباس السوسوة أستاذ اللسانيات لكونه باحثاً محققاً وموثقاً وعلى صلة بتاريخ حركة النشر العربية للكتاب اللغوي والأدبي.. وأحرص على مواكبة مايجد فيها، أحسبه سيوافقني الرأي فيما آلت إليه اليوم دور النشر العربية. إن التجول في معارض اليوم كمن يغوص في بحر لجيّ من فوقه كتب ومن تحته كتب، ووسط هذه الرتابة قلما يظفر المتجول/القارئ المتخصص بمرجع علمي أو دراسة علمية حديثة يبادر إلى اقتنائها،وأهول من ذلك أن تجد هذا «النادر» باهظ الاثمان لايمسه إلا ذوو السخاء المشهورون لدى الوراقين والنساخين ب «اللي يشتوا يقرأوا» ولذا لم تعد تستغرب لزائر ما،عاد خالي الوفاض. أنا لا أتوانى في الاشادة بكل جهد يبذل لتثقيفنا وكل قادم وفد فشرفنا إلا أن هذه الاشادة لاتمنعنا من قول إن معظم هذه الدور الوافدة أو المحلية المشاركة لاتأبه لمتطلبات التعليم النظامي ولاسيما التعليم العالي والاكاديمي من المصادر والمراجع والدراسات التي تتولى نشرها دور نشر عربية مصرية أو أردنية أو لبنانية أو كويتية أو غيرها بقدر اهتمامها بقضية التثقيف بمفهومه العام وتمكين القارئ اليمني من تدوير ناظريه على عناوين شتى في حين أن هذا «القارئ» هو الآخر لايخرج بغير عطسات الزكام جراء نكهات الحبر والتجليد التي يستنشقها وكذا هباء الورق المتطاير.. ولم يجد في زحمة الزوار من يشمته..!!«مسكين الله يشفيه». ما أثار كامن النقد لهذه المعارض وكتابة هذه التناولة هما خفا حنين اللذان رأيتهما على أقدام بعض الاصدقاء الذين عادوا بعد ثلاثة أيام شدوا فيها الرحال إلى معرض الكتاب المقام حالياً في مدينة صنعاء بالاضافة إلى الكتابات الصحافية التي تندد بارتفاع محموم في أسعار الكتب وعلاوة على هذا فقد عاد أولئك وهم يقولون «لم نظفر ببغيتنا»..! هذا «الموّال» الذي يجيد تأديته طلبة الماجستير والدكتوراه وغيرهم من الباحثين غير النظاميين أو رجال التدريس في الجامعات وطلابهم في شهادتي البكالوريوس والليسانس هل يؤثر فينا يوماً فتعمل جامعاتنا ووزاراتنا المعنية على نفض الغبار عن رفوف مكتباتها بسيل من الكتب تكون بلسماً لشريحة أصيبت بفيروس «الجوع المعرفي» أم اننا سنظل «جمل معصرة» نمني أنفسنا بترديد «ابن خلدون يمني» «زعطان بن فلتان من عندنا» وحسب، حتى يقبض العلماء ويقبض الطلاب أيضاً ونطوي صفحة العلم إلى الأبد في أرض تعرف ب «منبع الحضارات والثقافة».