ونحن على عشية الاحتفال بالذكرى الأربعين لعيد الاستقلال يوم الثلاثين من نوفمبر لابد لنا أن نتذكر بفخر واعتزاز تلك البطولات التي نسجها الشرفاء من كل أرجاء اليمن وتوجت بإنهاء احتلال دام نحو 128 عاماً وهزيمة الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس في العام 1967م فهؤلاء المناضلون كثير منهم لم تسلط عليه الأضواء ولم يسع للبحث عنها لكنه أيضاً لم يمنّ بما قدمه للوطن للحصول على مكاسب ومنافع شخصية، إذ يعتبر ما قام به إبان مرحلة الكفاح المسلح من أعمال بطولية فدائية وبالتالي طرد الاستعمار البريطاني من جنوب الوطن هو في الأساس واجب فرضه حب الوطن لترفع راية الحرية والاستقلال في سماء الوطن، فكثير من هؤلاء المناضلين من قضى نحبه ومنهم من يبلغ من الكبر عتياً، تاركين للأجيال تاريخاً ورصيداً نضالياً يحتذى. ومن بين أولئك المناضلين محمد عبدالله الصغير «نجيب» الحاصل على وسام الاستقلال لدوره البطولي في مرحلة الكفاح المسلح حيث التحق باكراً بالجبهة القومية ثم بالتنظيم الشعبي ورأس فرقة «المجد» الفدائية ضمن الفرق العاملة في كل مناطق عدن، وكان «نجيب» وزملاؤه في فرقة المجد يؤدون واجبهم في منطقة المعلا وتعرض للاعتقال ثم المطاردة والملاحقة من قبل عناصر الاحتلال وعملائه الذين كانوا يكشفون هوية المقاومين مرتدين «الشرشف» حتى لا يكشف أمرهم المواطنون فتراهم دائماً يرافقون جنود الاحتلال. «نجيب» يتذكر تلك الأيام بمزيج من الدموع.. دموع الفرح بما حققه الوطن من وحدة مباركة وإنجازات ظل يحلم بتحقيقها لاسيما التعليم الذي حرم منه وهو صغير ودموع الأم التي عانى منها هو شخصياً وبقية الشعب اليمني جراء تصرفات جنود الاحتلال لاسيما ذوي القبعات «الحمر» الذين استقدموا من بريطانيا عقب اشتداد المقاومة والمعارك وحصار مدينة كريتر.. هؤلاء انتهجوا اسلوباً أكثر قمعاً ودموية وعدم التهاون مع الفدائيين وما عانته أمه حتى عاد إليها سالماً. شارك «نجيب» في قصف المطار وحصار مدينة كريتر بالإضافة إلى أعمال فدائية أخرى ويتذكر بأنه كان يستخدم أنابيب المياه كمدافع لإطلاق القذائف مع ساعة توقيت دقيقة للانفجار حتى لا يكشف أمرهم البريطانيون، وكان محمد الصغير وزملاؤه قد تلقوا تدريبات عسكرية في مدينة تعز من قبل الضباط المصريين على كيفية التعامل مع الأسلحة والمتفجرات وحرب الشوارع.. فيما ظل السلاح يتدفق عبر الصحاري المحيطة بمدينة عدن قادماً من شمال الوطن عبر محافظة لحج. محمد صغير «نجيب» أصيب قبل سنوات بجلطة ما يزال يعاني من آثارها، لكنه قدم مداخلة في الندوة التي نظمها التوجيه المعنوي استعرض فيها كل ما بقي في الذاكرة من أحداث .. معتبراًَ حصار كريتر ملحمة بطولية لا يستهان بها أفقدت الاحتلال توازنه.. داعياً إلى التعمق في دراستها وكشف اسرارها فإنها لاشك تضم الكثير من العبقرية وعظمة البطولة وشجاعة نادرة.. فتحية «لنجيب» ولهؤلاء.