إن الحديث عن الأحزاب السياسية اليمنية يجعلنا نذهب إلى القول إن الحزبية ليست سلعة جاهزة يمكن أن نستوردها ونشغلها لكي تقوم بالتحديث السياسي والتنمية السياسية في المجتمع.. الأحزاب الحقيقية هي التي تكون نتاج مجتمعها وظروفه الخاصة، كما أنها تكون قادرة على تجاوز ظروف مجتمعها لتلعب دورها وليس لتكريس التخلف، فالعلاقة بين الأحزاب في اليمن والتخلف تبدو وكأنها علاقة دائرية مغلقة ؛ التخلف يلقي بظلاله على العملية الحزبية فيطبعها بطابعه ويحد من فعاليتها، وضعف الأمل وانعدام فعاليتها يسهم في تكريس التخلف أكثر مما يسهم في التنمية والتحديث.. إذا كانت الأحزاب السياسية في الأساس تقوم على أساس القضاء على التخلف وتحقيق التنمية والتحديث، فإنها في اليمن على العكس من ذلك تماماً؛ فقد ساعدت على ضعف الحراك الاجتماعي وعلى التفرقة بين النساء والرجال، وعملت على عدم الاستقرار، وعدم التكامل السياسي والاجتماعي، وغياب العقلانية في اتخاذ القرار السياسي، واستندت إلى الأساس التقليدي للسلطة كمصدر للشرعية، وانعدام المؤسسية السياسية وغياب الاتفاق العام حول هوية المجتمع، وضعف الولاء للدولة. ولا نجانب الصواب إذا قلنا إن أحزابنا السياسية هي جزء من هذا التخلف الذي نعيشه، لأنها لم تع أن التحديث يعني التغيير نحو تلك الأنماط من النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وعلاقة الإنسان بالبيئة. فإذا كانت أحزابنا السياسية لا تهتم بالبيئة بل تسعى إلى تدميرها من خلال مشاركتها في رمي ملايين الأكياس البلاستيكية التي تستخدم في حفظ القات، كما أنها تسهم في زيادة مساحة الأرض المزروعة بشجرة القات، وهذا يعني أن هذه الأحزاب لا تسعى إلى نقل المجتمع من الحالة التقليدية إلى الحالة «الحديثة». ولا نغالي إذا قلنا أن الأحزاب السياسية في بلادنا هي السبب الرئيس في وجود هذه الأزمة المتعددة الأوجه والمتمثلة في أزمة الهوية وأزمة الشرعية والمشاركة. فأزمة الهوية تحدث عندما يصعب انصهار كافة أفراد المجتمع في بوتقة واحدة، تتجاوز انتماءاتهم التقليدية أو الضيقة، فالأحزاب القومية مازالت تعيش صراعات قاداتها في مرحلة الستينيات وهي تقود هذه الثارات حتى يومنا هذا. أما الأحزاب الدينية فهي تفرز الناس إلى مؤمنين وكفار؛ وعلى هذا الأساس لا يشعر المواطن اليمني بالانتماء إلى المجتمع والتوحد معه. أما أزمة الشرعية فقد خلقت هذه الأحزاب لدى أعضائها نوعاً من الممانعة وعدم التقبل للنظام السياسي الحاكم. ونتيجة لذلك فإن هذه الممارسات القاصرة قد أفقدت السلطة قدرتها على التغلغل والنفاذ إلى كافة أنحاء إقليم الدولة وفرض سيطرتها عليه، وكذلك التغلغل إلى كافة الأبنية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع. إن مثل هذه الممارسة تربك النظام وتجعله يواجه أزمات التنمية السياسية كلها في وقت واحد قبل أن تستقر شرعية المؤسسات وتتبلور الهوية الوطنية والتسليم بشرعية النظام. على الأحزاب السياسية أن تساعد النظام في ترشيد السلطة وذلك بتحويل السلطة السياسية التقليدية المتعددة القائمة على الدين والعائلة إلى سلطة سياسية موحدة تقوم على علمنة الدولة. وإذا كانت أحزابنا السياسية تريد أن تضع أقدامها على الطريق الصحيح فعليها أن توافق على التعديلات الدستورية وعلى مبادرة الرئىس الأخيرة، فالاستقرار السياسي لا يقوم على شكل الحكم وإنما على درجة الحكم والانتماء؛ ولا تكون مجدية مالم يكن هناك مستوى معين من التنظيم السياسي، والمشكلة ليست في إجراء الانتخابات وإنما في تكوين التنظيمات. ولكي لا يحدث التباس في الفهم فأنا لست ضد العملية الحزبية ولا ضد التعددية، لكنني ضد الأحزاب المؤدلجة التي تؤطر أفرادها في أطر ضيقة، والأحزاب التي تؤطر أفرادها في إطار ضيق فإنها تؤدي إلى :- 1- الفساد وانعدام الكفاءة الإدارية. 2- انقسام المجتمع على نفسه وتثير الصراعات. 3- تشجع على عدم الاستقرار السياسي. 4- تفتح الباب للتأثير والاختراق الخارجي. فمثل هذه الأحزاب الضعيفة تؤدي إلى تشجيع الفساد وتغليب المصالح الخاصة وتجذير الصراعات والتشتت، لكنها عندما تكون أحزاباً متحللة من الرباط الأيديولوجي، فإنها تخلق أساساً للولاء والهوية التي تتجاوز الجماعات المحدودة. إن الأحزاب السياسية في بلادنا هي مجرد إطار سطحي يعكس انقسامات مناطقية وطائفية عميقة، لم تتجاوز فكرة المؤامرات والانقلابات واللجوء إلى العنف. ستبقى هذه الأحزاب ضعيفة ما لم تكيّف نفسها على الوفاء بأهداف الحكم الديمقراطي وإدارة الإعلام الجماهيري المتمثل بصحافتها بكفاءة، كما أن عليها أن تتكيف مع مقتضيات الحداثة بهدف إحداث تغييرات جوهرية في بنيتها التنظيمية وفي تغيير مسمياتها حتى تصبح أحزاباً مفتوحة للجميع.