أفضع من القتل أن يأتوا بقاتلك ليقرأ الفاتحة على قبرك.. لكن الأفضع من الاثنين ان يصروا انهم لن يدفنوك حتى يمشي القاتل في جنازتك.. مثلما اشترط المشترك حضور السلاح الذي قتل جارالله عمر مهرجان ذكرى رحيله الخامسة ! كنا نفترض بمن يجهل قيم العمل الحزبي الا يجهل آداب المناسبات، ويحضر معه أداة الجريمة، وثقافة العنف إلى مهرجان تأبين رجل كان ضحية تلك الثقافة، وتلك الأداة اللعينة.. لكن عندما يصر اللقاء المشترك على حضور المهرجان بالسلاح، ويرفض بشدة كل محاولات ثنيه عن ذلك، فإننا بلا أدنى شك سنتوقع أن يقتل كل يوم «جارالله عمر» جديد، ومناضل جديد، حتى نأتي على الوطنيين إلى آخرهم. بعد خمس سنوات على رحيل الشهيد جارالله عمر، نكتشف أننا مازلنا بنفس العقليات، ولم نتعلم شيئاً من تجاربنا.. ولم نستوعب كيف ولماذا قتل جار الله عمر !! لذلك مازلنا نتقافز كالدببة، وندعي أننا أجدر من الأجهزة الأمنية على حماية أنفسنا، وأكثر خبرة من ضباطها المتخصصين.. وأعظم كفاءة من الدولة بأسرها، وننتظر شاباً صغيراً لم تنبت شواربه أن ينفذ جريمته أمام أعيننا ليعلمنا حجمنا الصغير، وغباءنا الكبير كما فعل السعواني حين اغتال أحد مناضلينا متحدياً غرور الحزب الذي ظن نفسه قد أصبح أعظم من دولة ! بعد خمسة أعوام نسينا أن ثقافة السلاح، وحوار الرصاص الذي مارسناه بتلذذ حتى عندما نقف بين يدي الخالق هو الذي اغتال جارالله عمر، وغيره من الوطنيين.. فعدنا اليوم نشترط أن يكون السلاح أبرز شعائر إحياء ذكرى رحيل جارالله عمر في سابقة لم يأت بها أحد من قبلنا، كما لو أننا قررنا التأكيد للشهيد، بأن قاتله مازال هو رفيقنا وأن عليه أن يقلق على أبنائه وجيرانه، وأصدقائه، وأبناء شعبه، طالما والقاتل محمول على الأكتاف، نجوب به الطرقات وندخله حتى إلى غرف نومنا.. ! تساءلت مع نفسي عشرات المرات : يا ترى لماذا أصر المشترك على حضور مهرجان جارالله عمر بالسلاح دون غيرها من المناسبات التي أحياها، وفي ظل توترات مع السلطة، دون أن يفكر أحد من قيادات المشترك بإثارة موضوع الحضور بالأسلحة !؟ وللأسف مازلت أجهل دلالة وجود الأسلحة لإحياء ذكرى رجل تم اغتياله بالسلاح أيضاً.. ! إذا كان ثمة إجماع على وصف حمل السلاح بأنه سلوك غير حضاري، فهل يعني الاصرار على حمله مؤشراً على أن أحزاب المشترك هي أحزاب غير حضارية !؟ وإذا كان هناك قانون يمنع حمل الأسلحة في المدن، فهل أن إصرار المشترك على حمل السلاح يعني أن أحزابه خارجة عن القانون، ومنتهكة لسلطته !؟ وإذا كانت الترتيبات الأمنية لأي فعالية، أو حماية السكينة العامة هي من اختصاصات أجهزة حكومية معنية، فهل فرض المشترك لنفسه لتولي هذه المهام يعني أن أحزابه تمارس انتهاك الأنظمة والتعدي على الوظيفة الحكومية، وإشاعة الفوضى في المجتمع وخلخلة أمن وسكينة المجتمع !؟ أعتقد أن على كل واحد منا قراءة الأحداث على هذا النحو المنطقي، والتفكير ملياً بأي نوع من الأدوار تلعبها هذه الأحزاب في الساحة الوطنية، وفيما إذا كانت تتعمد فعلاً استفزاز أجهزة الدولة بممارساتها، ومطالبها.. أو فيما إذا كانت تتخذ من إشاعة الفوضى سبيلاً للظهور على صفحات الجرائد، وشاشات الفضائيات.. فليس معقولاً أن تدعي أحزاب أنها تتطلع إلى دولة نظام وقانون وهي أول من ينتهك هذا النظام والقانون.. وتدعي أنها تبحث عن الأمن والاستقرار للوطن في الوقت الذي هي أول من يصر على حمل السلاح، ويرسخ ثقافة السلاح، ويدافع عن تجاره، ويسعى إلى حمايتهم بعرقلة كل قانون يحال إلى البرلمان من شأنه شد طوق الخناق على تداول الأسلحة. إن الضجة التي افتعلها المشترك من أجل فرض مشاركة السلاح في ذكرى رحيل جارالله عمر طغت على كل الأصوات والأخبار وتصدرت واجهات الصحف والمواقع حتى جعلت من المناسبة احتفالاً بالسلاح الذي قتل جارالله عمر وليس بذكرى جارالله عمر !