تظل قضية حرية تداول المعلومات من القضايا الغائبة في اهتمام الصحافة والصحافيين، فالصحافيون تشقيهم صعوبة توافر المعلومات والوثائق، وحجب الحقائق التي من شأنها تشكيل وعي الرأي العام بأمور البلاد، وما يجري فيها حتى يتمكن من إطلاق الأحكام السليمة على الأمور.. إن قضية الصحافة تتجاوز كونها قضية مهنية إلى اعتبارها أبعد من ذلك، فما تقدمه الصحافة يخص جمهور الناس الذين يستقون معلوماتهم من الصحافة، ونتيجة لغياب المعلومات يترك جمهور الناس نهباً لفقدان العلم بما يجري حاضراً ومستقبلاً. ومع تراكم مظاهر عدم توافر المعلومات توجد حالة من الالتباس والضبابية الكثيفة التي تخلق كتلاً من علامات الاستفهام الحائرة تمنع القراء من الفهم والاستيعاب، فالصحافة الجادة هي التي تتيح للقارئ أن يحصل على المعلومات، وتساعده على أن يكون شريكاً فاعلاً ويسهم في الأحداث الجارية بشكل إيجابي. ومن المتعارف عليه أن الصحافة تقوم على ثلاثة أضلاع: القارئ أو الرأي العام، والصحافة كمهنة ،والدولة كطرف مسؤول عن توفير المعلومات وتداولها. وفي إطار ما يتعلق بالمهنة فإن توافر المعلومات الكاملة يرتقي بالمهنة ويكسبها المصداقية، ويوثق العلاقة بين الصحافة والرأي العام من جهة، والصحافة والدولة من جهة أخرى. ثم إن حرية تداول المعلومات تحول دون انزلاق الصحف وخاصة صحف المعارضة إلى البحث عن البديل والذي يكون غالباً على حساب المهنية. لا شك أن غياب المعلومات قد أدى إلى التشوش والفوضى الإعلامية والاعتماد على الإثارة فقط وتغييب الحقائق. ولا أحداً يشك في أن الحق في تداول المعلومات هو جزء طبيعي من حرية التعبير، وهو أمر يتسع مداه ومدلوله من حدود المهنة إلى الوضع السياسي العام. إن تداول المعلومات لا يفيد الرأي العام فحسب، بل يفيد الدولة أىضاً، فالصحافة تكون مصدراً لمعلومات غابت عن الأجهزة التنفيذية ، وحين تقدمها الصحافة فهي تعاون صانع القرار في اتخاذ الإجراءات المناسبة، وتكشف له العناصر المتلاعبة والتي تعيق قراراته، فالصحافة حين تقدم المعلومات تساعد متخذ القرار على تدارك الأخطاء أو استفحالها، وقبل أن تتحول إلى مشكلة تستعصي على الحل. كما أن غياب المعلومات الصحيحة في الصحافة يجعل المنافقين والانتهازيين يقدمون معلومات كاذبة يحاولون من خلالها تحسين الواقع وتزييف الحقائق، كما أن ذلك يجعل الفاسدين يستمرون في فسادهم، ويجعلهم بمنأى عن كشفهم وفضح فسادهم. إن حجم المعلومات، أو صعوبة الوصول إليها والإحاطة بها يقطع صلة الرأي العام بواقعه، ويحيل نظرته إلى المستقبل نظرة ضبابية لا يرى أفقاً من ورائه، فضلاً عن إطلاق الإشاعات والتشكيك بالسلطة وبممارساتها. مطلوب من الصحافة وخاصة الحكومية أن تمكن المواطنين من إىصال آرائهم إلى صانع القرار بصورة مباشرة دون تحوير لطبيعة مطالبهم وحجم معاناتهم، فغياب المعلومات أدى إلى فجوة بين الوعود الحكومية وبين الواقع الذي يعيشه المواطن، وغابت التطورات الإيجابية في قطاعات حيوية كالنقل والطرق والكهرباء وغير ذلك. لابد للصحافة أن تشير إلى جوانب الإخفاق الحكومي والاعتراف بذلك، خاصة أن هذه الإخفاقات يشير إليها الرئيس علي عبدالله صالح في معظم خطاباته ويدعو إلى تحديد أوجه إصلاح المسار المطلوبة. إن المواطن اليمني يعاني الأعباء المعيشية، ومع ذلك فالحكومة تعيش ارتباكاً في السياسة الزراعية، وعدم قدرتها على مواجهة الممارسات الاحتكارية، إضافة إلى غياب سياسات تحسين مستوى الخدمات الصحية وارتباك استراتيجية التعليم وعدم وضوح سياسات مواجهة البطالة. تقع على عاتق الصحافة الحكومية مسئولية كبيرة لاسيما في مرحلة التحول هذه التي تعيشها اليمن والتي تحتاج إلى بعض الوقت، ووجود قنوات لإىصال المعلومات الحقيقية ، وفتح باب النقاش الفكري والسياسي بين المؤتمر الشعبي العام والأحزاب الأخرى ومنظمات المجتمع المدني يمكن الوصول إلى أفضل صيغة ممكنة تحقق العدل وتحافظ على التوازن الاجتماعي وتفتح آفاقاً جديدة للتنمية. إننا بحاجة إلى تفعيل دور الناطق الرسمي كي نتمكن من جعل المعلومات الصحيحة والمسؤولة في متناول الصحافة كلها رسمية وحزبية وأهلية، أيضاً نحتاج من نقابة الصحافيين أن تضع ميثاق شرف يحدد أخلاقيات المهنة حتى نتمكن من تجاوز المأزق الذي وصلت إليه الصحافة اليمنية في الوقت الراهن، في علاقة الصحافيين ببعضهم، وفي علاقتهم بالدولة والارتقاء بالمهنة، وحماية حرية الرأي والتعبير. إن كل ذلك سيعزز صلة الرأي العام بالواقع المحيط، ويوفر النظرة الصحيحة له والقائمة على أساس بعيداً عن التخمين الذي يولّد عدم الثقة، ربما لو فعلت نقابة الصحافيين ذلك لاستعادت وحدة الصف الصحفي وتصحيح أخطاء مهنية رافقت العمل الحزبي داخل الصحف الحكومية والحزبية والأهلية. لو فعلنا ذلك لجعلنا الصحافة تعزز الدور الذي نشأت أصلاً من أجله، مصدراً للمعلومات المكتملة وأداة تنوير للمجتمع وللدولة، ووسيلة تطور وارتقاء بالمجتمع وأوضاعه السياسية والاجتماعية وهو الدور المنوط بالصحافة. وتبقى صحيفة "الجمهورية" مرحلة متقدمة بين الصحف الأخرى.