يقول الله عز وجل: «يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون».. تصلح هذه الآية لأن تكون شعاراً نهتدي إليها ونهتدي بها، فالآية تقوم على قاعدة التسامح مع الآخر، وقاعدة التسامح، هي قاعدة التنوير والديمقراطية.. فالديمقراطية هي الاعتراف بالآخر، لذلك فنحن نحتاج في هذه المرحلة إلى الحلف التنويري الذي يجمع كل الغيورين على هذا الدين وعلى مستقبل الوطن، حتى نقطع الطريق على القتلة المتعطشين للدماء. والمرحلة تستدعي ظهور هذا الحلف حتى نتمكن من القطيعة مع اتجاهات الغلو والتطرف التي سادت بعض خطابات الإسلام السياسي، وها هي تقود إلى نتائج لا تحمد عقباها، خاصة الاعتداء على السياح الأسبان في مأرب، ثم الاعتداء الأخير على السياح البلجيكيين في حضرموت وما جنته على السياحة والاقتصاد الوطني. ولا يكفي أن نشجب أو ندين أو نكتب مستنكرين ما لم نقم بمراجعة جذرية لطروحات الغلو والتطرف داخل الخطاب الإسلامي الذي نسمعه كل جمعة على منابر المساجد، وخاصة ذلك الخطاب المعادي للغرب والذي يدمر فكرة التسامح ويخلق أزمات جديدة تعود بالوبال علينا. ولا يمكن لأي كان أن يدّعي أنه متسامح أو أنه يرفض مثل هذه الممارسات إذا كان مازال ينطلق من قاعدة الحاكمية لله، فهذه القاعدة تجرّد البشر من الحكم؛ لكنها تنسبه إلى مجموعة أخرى تزعم أنها تقوم بهذا الحكم نيابة عن الله. نحتاج كما قلت إلى هذه المسافة بين حاكمية الله وحكم البشر، وهذه المسافة لابد أن تكون فكرية خاصة أن الواقع الذي نعيشه قد طالت نتائجه كل القطاعات، وخاصة الحقل السياسي، ونحن هنا مدعوون جميعاً للتفكير في واقعة العنف في بلادنا بقدر أكبر من الموضوعية. لابد لنا من النظر إلى عنف المرحلة بشموليته، فكمية العنف المعتملة والمختزنة في الحقل السياسي والاجتماعي كبيرة كماً وكيفاً وحجماً، ابتداءً من العنف الجسدي المتمثل بالثأر إلى الانقلابات إلى المظاهرات والمسيرات التي بدأت تتجه نحو العنف، سواء المادي أو اللفظي أو الأيديولوجي الذي طبع لغة هذه المرحلة. ونتيجة لذلك أصبح العنف واقعة كلية مستشرية وحادة، إن العنف أصبح لغة مختلف الأطراف وإن بدرجات متفاوتة، ومن هنا فإن الأمر يتطلب الكثير من الجهد النفسي والفكري لمحاولة وضع قاعدة للتسامح والتخلص من البقايا والترسبات النفسية، وردود الفعل الانعكاسية والشرطية لثقافة المعارضة. في ظل هذا العنف اختلطت عناصر كثيرة أهمها التنافس والصراع على السلطة والصراع الطائفي والمناطقي والأيديولوجي والحزبي. والمتأمل في هذا العنف يجد أنه عنف هشيمي من حيث انتقاله إلى كل الحقول بما في ذلك الحقل الثقافي، مما يدل على أن دورة العنف هي عبارة عن بقعة تتسع باستمرار، وتجعل العنف مكوناً بنيوياً للأحزاب والمجتمع، وهاهي شظايا العنف بدأت تطال الأجانب بسبب عدم الاستقرار وعدم تحديد أولوياتنا الوطنية. كيف يمكن محاصرة المفاهيم الخاطئة لدى بعض الجماعات الإسلامية والتي لم تقرأ الدين قراءة صحيحة، في الوقت الذي نرى فيه أن العنف لدى الفرقاء السياسيين في البلاد قد أصبح صراعاً حتى الموت، باعتباره نتيجة محددات وعوامل موضوعية متراكمة في الحقل السياسي، وذلك على خلفية عنف بنيوي شامل تمثل في التفكك التدريجي للبنيات الثقافية. إننا نعيش في الوقت الراهن حالة احتراق داخلي وصراعاً شرساً حول السلطة، وهذا الصراع نتج كما قلنا نتيجة لغياب المشروع الثقافي وتعطل قضايا استكمال الوحدة الوطنية. ولكي نخرج من دائرة العنف، فلابد من الانتقال من بقايا القبيلة والطائفة وتجاوز ثقافة المناطقية والعنف العشوائي الشرس والانتقال إلى رحاب الدولة الديمقراطية الحديثة، دولة القانون والحوار الحر، بعيداً عن لغة السلاح. فهل نحن قادرون مجتمعاً ونخباً على مواجهة وكسب الرهان المتمثل بالانتقال من الحالة الطبيعية إلى الحالة الاجتماعية؟!. نحتاج إذن إلى مشروع ثقافي يوحد الجميع حول هوية واضحة المعالم ويشدنا نحو الهوية المفتوحة، ويبعدنا عن الهوية المنغلقة والتي تتكرس يوماً بعد يوم لدى بعض الجماعات التي تزعم أنها تمثل الإسلام. وهذا لن يتأتى إلا بوضع مشروع واضح المعالم تتفق حوله وزارات الأوقاف والثقافة والتربية والتعليم والأمن القومي.. هذا المشروع كفيل بتحويل أفكار الجامدين والعاجزين عن الحوار والعدميين، وجعلهم يفهمون دينهم فهماً سليماً. إنه من العيب علينا كمسلمين أن نقدم الإسلام بهذه الصورة المتوحشة، ونسوق الناس إلى الجنة بقوة السلاح، في الوقت الذي نرى فيه الكنائس المسيحية تنجز سلاماً فيما بينها، ومع عالم الأديان والمذاهب والحداثة، ونحن مازلنا ننهمك في خصومات لا تنتهي حول مسائل العقيدة ومقتضياتها. نحتاج إلى إصلاح ديني شبيه بالإصلاح المسيحي حتى نتخلص من دوامة العنف التي شوّهت الإسلام وقدمت المسلمين على أنهم قتلة!.