قرأت أخيراً تحذيرات دولية من تنامي ظاهرة الأمية في البلاد العربية، ومن بينها بالطبع اليمن، التي دخلت ضمن البلدان التي لاتزال هذه الظاهرة تفعل فعلها فيها وتعطل حركة التغيير التي ينشدها أهلها، بمعنى آخر أن يمننا لاتزال تصارع الجهل بعد أكثر من 45 عاماً على قيام الثورة فيها!!.. لا أريد أن يفهم من وراء هذه السطور أن صاحبها ينسف كل الإنجازات التي تحققت في مضمار التعليم طوال سنوات ما بعد الثورة، سواء كان في الشمال أم في الجنوب قبل قيام دولة الوحدة وما بعدها كذلك، إذ أن هناك إنجازات لا تُنكر في هذا المجال. لكن الحقائق تؤكد أننا لانزال في مربع الأمية، ولم نستطع أن نخرج منه رغم كل الجهود التي بذلت خلال السنوات الماضية من عمر الثورة وحتى اليوم لتعليم الناس الأبجدية. صحيح أن لدينا آلاف المدارس وعشرات الجامعات العامة منها والخاصة، وعشرات الآلاف من المدرسين والموجهين التربويين الذين ينتشرون في المدن والأرياف، إلا أنه رغم ذلك فإن الأمية لاتزال تتنامى باستمرار وتهدد حياتنا ومستقبلنا، إذ أن "أمة بأمية" لا مستقبل لها. النظرة الواقعية إلى حال التعليم في بلادنا تؤكد أننا سائرون في الطريق الخطأ، فنحن نتحدث منذ سنوات عن ضرورة القضاء على الجهل والتخلف، فيما لايزال مئات الآلاف، إن لم يكن الملايين منا لا يفك الحروف، ناهيك عن القراءة والكتابة!!. والمصيبة تبدو أكبر عندما نتعرف على واقع أكثر مأساوية يتمثل في جهل المتعلمين ومتخرجي الثانوية العامة وحتى متخرجي الجامعة لما درسوه. الكارثة لن تحل بنا اليوم، فقد يسير بنا القطار إلى محطة وربما محطات قادمة، لكنه لن يواصل بنا المسير إلى النهاية، إذ أن ظاهرة الأمية ستكون هي الكابح الكبير للقطار الذي سينقلنا إلى الغد. بمعنى آخر أن العالم لن يستوعبنا في العقود المقبلة طالما ونحن لانزال في مربعنا القديم لا نتحرك منه. لم يعد العالم يتعلم الحروف الأبجدية والبلاغة والعروض والصرف والنحو، بل تعدى الأمر إلى سبر أغوار العلم والعالم بالاكتشافات العلمية والتقنيات المذهلة التي تغيب عن قطاع كبير من المتعلمين في بلادنا، ناهيك عن الأميين. من هنا قد يتساءل البعض: هل مازالت لدينا قابلية للتحرر من الأمية، وهل نحن قادرون على محاربتها بشكل جدي، أم أن القطار قد فاتنا ويجب علينا التسليم بواقعنا المرير في مجال التعليم، الذي يجعل الآخرين يقيسوننا بمستواه؟!. وأقول: نعم بإمكاننا ذلك، لكن يجب أن يكون أمامنا اليوم قدر من الشعور بالمسؤولية التاريخية لمواجهة هذا التحدي، خاصة المسؤولين في وزارة التربية والتعليم، الذين لايزالون يمدوننا بمناهج أكل عليها الدهر وشرب، وصرنا أمة تحفظ ولا تفهم، وجعلت مسؤولي التربية والتعليم يتفاخرون بحجم الكتب التي توزع للطلاب ويدرّسها مع الأسف مدرسون لا يفهمونها، فهم يكتفون بتلقينها للطلاب، والطلاب يحفظونها من غير فهم!!. ليس المهم كبر حجم الكتب التي تدرّس للطلاب صغاراً وكباراً، بقدر ما هو مهم توفير الكادر البشري القادر على إيصال الأفكار للطلاب بعيداً عن الزيادات والحشو غير المبررين في مناهج الدراسة اليوم. ستكون أمامنا مهمة تأهيل جيل جديد من الطلاب قادر على استيعاب متغيرات العصر، لا طلاب يلتهمون الكتب حفظاً وينسون ما فيها عند الانتهاء من امتحانها، فتحديد منهج بدروس قليلة تُفهم من قبل الطالب؛ أفضل من حشو عشرات الدروس لا يفهم الطالب منها أي شيء. من هنا يجب علينا عدم التفاخر بعدد المدارس التي نبنيها كل يوم، ولا بعدد الجامعات التي تخرج طلاباً غالبيتهم لا يفهمون ما درسوه طوال سنواتهم الجامعية، كما لا يجب التفاخر بمناهج تتغير باستمرار، وكتب نطبع منها الملايين. بل علينا التوجه فعلاً إلى الأهم في هذه المرحلة، وهي محو أمية الكبار والصغار على السواء عن طريق إيجاد آليات جادة وعملية تزيل الواقع القائم اليوم، وتضعنا على السكة الصحيحة لخلق جيل قادر على مواجهة رياح التغيير الغاضبة التي لن ترحمنا أبداً، وستجرفنا إلى شواطئ النسيان، وتجعلنا أمة بلا ماضٍ ولا حاضر ولا مستقبل.