إن الحديث في علاقاتنا ووشائجنا الأخوية، ونقاط التلاقي في أفكارنا وتطلعاتنا ومصالحنا، أصبح ضرورة وواجباً دينياً وحضارياً، نظراً لحاجتنا كأمة مسلمة للتكامل العلمي والمعرفي، الفكري والثقافي، التربوي والأكاديمي، الاقتصادي والسياسي.. وهو في الحقيقة حديث يحمل في مفرداته الكثير من المرارة والأمل معاًَ، لأننا في الوطن العربي غالباً ما نرجع لنستنطق الصفحات الماضية ونقاط الافتراق والاختلاف، أكثر مما نتطلع لقراءة وتصفح وإثارة نقاط التلاقي والاتفاق، سعياً لخلق صفحات وروافد جديدة بجدة العصر والظروف والإنسان والمتغيرات. حتى لكأن الإنسان العربي في بلداننا قُدّر عليه أن يظل مشدوداً إلى عصر ليس له فيه غير إرث مملوء بالصور المشوّهة، وتاريخ للصراع والاقتتال والتناحر، والكثير من العنف الأخوي، ومحطات التدابر والتعادي والتقاطع، مع أن ديننا جاء ليصنع جسور المحبة، فدعا إليها، وبنى عقيدته ومقاصد شريعته العظيمة على التعايش والتعاون والسلام مع الذات والآخر. بيد أن العنف الأخوي القابع في وعينا التاريخي والحضاري تجاه بعضنا البعض مرّده إلى عدم اهتمامنا بالجوانب الحيوية الحاضرة والملحّة في حياتنا الحضارية وحاجة مجتمعاتنا للنهوض والتطور الذاتي. ضف إلى ذلك تساهلنا جميعاً بواجب كل منا تجاه الآخر من منطلق إنساني قبل كونه دينياً، ومن ثم العمل الدائم للتكامل والتعاون من أجل إصلاح وتجديد الحياة واستشراف المستقبل. لا يختلف اثنان في كون ذلك السلوك المجتمعي المؤسسي القائم على التكامل العلمي المعرفي سيعمل على زيادة معدل النمو الصناعي التكنولوجي الإنتاجي والمعلوماتي والاقتصادي، مثلما سيدفع بكل قواه إلى ما يقرب من النتائج الإيجابية المهمة للتميز الاجتماعي النوعي. إن الساحتين اليمنية السعودية تمتلكان أسس ومقومات الشراكة العلمية والمعرفية، حيث يصل عدد الجامعات في كلا البلدين إلى خمس وعشرين جامعة، أربع عشرة جامعة يمنية منها ثمان جامعات حكومية وست جامعات خاصة. فيما تضم خارطة التعليم العالي في المملكة العربية السعودية إحدى عشرة جامعة، تلك الجامعات في البلدين الشقيقين تشكل خطوتنا الأولى للانطلاق باتجاه النهوض والتطور الحقيقي، ولمعالجة ضعف التربية وتردّي التعليم، واقتلاع ثقافة التخلف والفوضى. أنظمتنا التربوية والتعليمية والثقافية، الاقتصادية والإدارية والاجتماعية وللأسف الشديد كل يوم في تردٍ وهبوط، مصابة بالكثير من الاختلالات والإعاقات العميقة، وتحتاج إلى تضافر جهود مؤسسية وشراكة الأشقاء والأصدقاء، وباحثين وإمكانات هي متوافرة إلى حد التضخم في الجامعات اليمنية السعودية لإحداث عملية التغيير المطلوب، لتنصب تلك الاهتمامات في إعادة الحياة والصحة والسلامة والجودة إلى تلك المجالات الحيوية في مسيرتنا النهضوية للمجتمعين اليمني والسعودي على السواء. كل ذلك يمكن أن يحرك الساكن والجامد والمترهل والعتيق في نظمنا الاجتماعية، والوصول إلى تشخيص علمي دقيق لتلك العثرات والاختلالات ومكامن الفساد التي أصابت عمق التربية وهشّمت التعليم وحالت دون بلوغ الثقافة الاجتماعية مستويات عالية في كلا البلدين، وتقرر المعالجات اللازمة لتلك الظواهر السلبية التي تقف وراء اعتلال وفساد تلك المؤسسات ومن ثم تتجه إلى فتح حوار اجتماعي ومؤسسي عميق وطويل لتبلور بشكل علمي تلك الحلول والمعالجات الجذرية طويلة الأمد، وقراءة النتائج لحظة بلحظة، متروك لتلك المؤسسات حرية اختيار الطرق والوسائل التي تمكّنها من القيام بمهمتها وفق الدستور والنظم والمبادئ والقيم، ومن ثم قياس نسبة النجاح والفشل بشكل موضوعي متجرد. إننا في كلا البلدين وللأسف نشكو من التعثر التربوي والتعليمي والثقافي على سبيل المثال لا الحصر وضعف مدخلاتها، مما يجعل مخرجات هذه النظم هزيلة وغير قادرة على التميز والإبداع والنبوغ، ورفد سوق العمل بالكفاءات والقدرات المطلوب، وإذا التحق شبابنا بسوق العمل ظل دون المستوى المطلوبة، وغير متفاعل مع المتغيرات، وليس لديه القابلية للتعلم والتدريب والتواصل المؤسسي المستمر. والسبب كله يكمن في الجذور التربوية الخاطئة التي تغذّى عقلياً ووجدانياً بها، وتربّى منذ الطفولة وحتى الجامعة عليها، عززت من ذلك الثقافة الهشة التي لا تغرس احترام وتقبل الآخر، كونها تعتمد أكثر ما تعتمد على التوجيه من طرف واحد فقط دون تفاعل الطرف الآخر أو شراكته في صنع وتطوير الثقافة المفروضة عليه، الأمر الذي يؤدي إلى مخرجات ضعيفة اتكالية إن لم تكن متآكلة من الداخل لا تقبل الحوار ولا تحترم نتائجه ومعالجاته. لابد إذاً من وضع اللبنات الأولى لهذا المشروع التكاملي بين عقول وقدرات وإمكانات وكفاءات الجامعات اليمنية السعودية، باعتقادي أن هذا العمل سيكون محورياً في التغيير والتجديد المنشود، وسيقوم بإصلاحات ومعالجات دقيقة وعظيمة للبلدين الشقيقين الجارين. فقط لنبدأ الخطوة الأولى، وأن نكون بمستوى الطموحات والتطلعات الكبيرة، أن نتحمل جميعاً دولاً ومجتمعات، أكاديميين وباحثين، مثقفين وعلماء، تربويين وصحافيين المسئولية الدينية والحضارية والأخلاقية بحقها، لنساعد مجتمعاتنا على النهوض والتطور وتلمّس الطريق الصحيح وإن كان متعباً وشاقاً، لنساعد أجيالنا على امتلاك القوة والقدرة معاً، لنخرج من دوامة السطحية والتسليم للخطأ والتعايش معه، وعدم الاستسلام لثقافة التخلف وفقدان الثقة والانطواء على ذواتنا المتضخمة جداً إلى حد المرض المزمن. لنعمل معاً من أجل إعداد مجتمعاتنا لتحديات عالم شرس لا يحترم إلا أصحاب القوة والقدرة في صنع التحولات والتغيير الحضاري.