المعوقون في بلادنا يظلون أكثر الناس المهضومين في حقوقهم.. قد يقول القائل: إنهم اليوم لديهم منظماتهم وجمعياتهم.. أقول: هذا صحيح، لكن أكثر ما تستخدم هذه المنظمات والجمعيات للتسول، وطلبة الله على «الكروش» من القائمين عليها.. فالفائدة لهؤلاء، والشحت باسم المعوقين.. وإن وجدت بعض المنظمات والجمعيات المعنية بالمعوقين الجيدة فإن نفعها للمعوقين في الحدود الدنيا جداً التي لا تكفي لتغيير أحوال المعوقين، واستيعابهم جميعاً في إطارها، ومع ذلك تلاقي مؤسسات المعوقين الرسمية وغير الحكومية تعاني الأمرين، وتعاني من العوق أكثر من المعوقين، وذلك من التأخر والمماطلة وغياب الدعم والنقفات التشغيلية وإيجارات المقرات وتوفير الإمكانات التأهيلية والمرتبات المجزية للعاملين، والوقود والمواد الأخرى الخاصة بوسيلة النقل وما شابه ذلك من الحاجات والمستلزمات الأساسية للتأهيل، ناهيك عن غياب المباني المناسبة بمرافقها الكافية والمؤهلة لتوفير المناخات التأهيلية والتدريبية واللازمة لممارسة المعاق للأنشطة اللازمة لملء حياته. نحن نتحدث الآن عن القلة القليلة التي تلتحق بالمؤسسات الخاصة بالمعوقين، وهي أقل كثيراً جداً من المعوقين الذين يخفونهم ويخبؤونهم أهلهم بالمنازل، وهم من مختلف الإعاقات «حركية، سمعية، بصرية، عقلية، نطقية» ممن لم يستطيعوا الوصول إلى مؤسسات الرعاية والتأهيل المعوقة والعاجزة عن استيعابهم لأحوالها السيئة المذكورة آنفاً. المأساة أن مشكلة المعوقين مشكلتان.. الأولى جارت عليهم ظروف الإعاقة وأعجزتهم، والثانية جور المجتمع.. المجتمع الذي مازال تفكيره واهتمامه ينصب على الإنسان السليم على مستوى الأسرة، وعلى مستوى مؤسسات المجتمع المدنية والإبداعية والخيرية.. أي أن المجتمع أيضاً يعاني من العوق في تفكيره.. لأنه لا يرى في أي معوق سوى أنه فرد عاجز، دون الوعي والإدراك.. وما أثبتته الدراسات والأبحاث من الاستعدادات الهائلة التي يملكها المعوق، وما يملكه من القدرة على الخلق والإبداع والاندماج في المجتمع فيما لو أتيحت له فرص التأهيل والتدريب والمشاركة، وأفسحت أمامه الطريق، وفتحت له الأبواب.. فكم هم العباقرة والمبدعون ممن كانوا يعانون من إحدى حالات العوق، وقد اشتهر بعضهم على مستوى العالم وليس على مستوى بلدانهم، وأثاروا اهتمام الدنيا بما أبدعوه في حياتهم، وكانوا نماذج من العبقريات النادرة. إن المعوقين أناس يتوجب أن يحظوا بالاهتمام والرعاية والتأهيل في ظل ظروف حياتية مستقرة تتوافر لهم فيها كل الظروف والمناخات والإمكانات والمستلزمات والمنشآت والكوادر الفنية المتخصصة في تأهيلهم وإعدادهم.. وعدم الركون بهم على الصدقات والمعونات الخيرية.