باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوميروس وبرايل وطه حسين والمعري والبردوني نوابغ من ذوي الإعاقة البصرية
العلاقة بين الإعاقة والإبداع
نشر في 14 أكتوبر يوم 13 - 04 - 2011

مخطئ من يظن أن كل متخصص في الطب أو الهندسة أو الرياضيات أو الكيمياء وغيرها من المجالات التطبيقية التي تسمى ( مجازاً) علمية لتميزها فقط عن مجالات الفكر والثقافة والأدب والفن لا علاقة له بالإبداع الأدبي والفني ، فالتاريخ يحدثنا بغير ذلك عن فلاسفة ومفكرين وأدباء وشعراء كانوا رياضيين و أطباء وكيميائيين .. إلخ
وفي عصرنا الحديث نماذج كثيرة نذكر منهم الشاعر الكبير إبراهيم ناجي الذي كان طبيباً ، يوسف إدريس وكان طبيباً ايضاُ واحمد صبري التجريدي كان طبيب أسنان وموسيقياً ملحناً وغنت أم كلثوم عدداً من ألحانه والمهندس والملاح علي محمود طه وكان شاعراً وفي اليمن على سبيل المثال د. نزار غانم وهو طبيب وشاعر وفنان وباحث في التراث والفلكلور والى هؤلاء وغيرهم ينتسب د. محمد فارع الحكيمي وهو طبيب متخصص في أمراض النساء والولادة واستشاري في هذا المجال بمستشفى الجمهورية التعليمي بعدن ولا أنسى هنا أن انسب إليهم الدكتور الطبيب احمد الشريف الذي اثبت بكتابة ( المرضى الذين علموني) انه كاتب قصة ولو تفرغ لكتابة القصة القصيرة لكان فيها كاتباً متميزاً.
(والاعاقة والإبداع) عنوان محاضرة علمية رائعة وقيمة ألقاها د. محمد فارع الحكيمي قبل عدة أشهر على عدد غير قليل من صفوة مثقفي وفناني عدن من أعضاء ومرتادي
( جمعية تنمية الثقافة والأدب بعدن) (1) في واحدة من فعاليات الجمعية التي تنظمها عصر الأربعاء من كل أسبوع وكنت حينها قد أعددت تغطية للفعالية ضمنتها فقرات من محاضرة د. الحكيمي ( الإعاقة والإبداع) وأرسلتها إلى إحدى الصحف للنشر لكن الصحيفة لم تنشرها فخسرت وخسر القراء الاطلاع على مادة قيمة والتعرف على أسباب تفوق بعض من ذوي الإعاقة البدنية في مجالات علمية وأدبية وفنية وكيف بالإمكان للجهات ذات العلاقة توفير الإمكانات والظروف المناسبة لذوي الاعاقة لاكتشاف مواهبهم ومهارتهم ليكونوا أعضاء في المجتمع مع يقيني أن الإعاقة التحضرية فكر وتثقيف عند البعض وفي مجتمعنا اليمني - وصدامه الرافض لكل تطور اجتماعي وسياسي ومدني هو الأخطر من الإعاقة العقلية والجسمانية عن ميلاد أو حادث لأنه قائم على تشبت بالجهل والظلام للحفاظ على علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية محافظة ومغلقة على تجميل أو تعصب في مواجهة كل جديد يمس حرمتها و استغلال العامة للاحفاظ على مكاسب خاصة.
وفي محاضرته هذه ( الإعاقة والإبداع) ومحاضرات أخرى له ن تتجلى ثقافة د. الحكيم وسعة اطلاعه و ادبيته في القراءة والكتابة بأسلوب رصين لكنه سلس وجميل ومشرق لا تعقيد فيه قد ينتج في مثل هذه الكتابات الجامعة بين ( العلمي والأدبي) مع انحياز واضح لتشويق المتلقي والقارئ معاً بنماذج عديدة من ذوي الإعاقة من المتفوقين في الكثير من المجالات الإبداعية وأنا على يقين من أن تلخيصي لمحاضرة د. الحكيمي المكتوبة في ثمان صفحات بلغة عربية سليمة بخطه الجميل بتنسيق مرتب للأفكار فيه ظلم له ولها ، عسى أن تنشر كاملة في مجلة متخصصة أو غير متخصصة فهي تصلح للنشر في كلتا الحالتين.
فموضوع المحاضرة ( الإعاقة والإبداع) جدير بالنشر والقراءة وهو موضوع علمي قيم ومفيد لا يموت إن تأخر
أو أن نشره فكل أو ان مناسب لنشره ما دام في ذلك فائدة ومتعة للقارئ.
المقدمة والتعريف
في مقدمة موضوعه عن ( الإعاقة والإبداع) يقول د. محمد فارع الحكيم : ( تجمع العديد من المواضيع والمقالات ومنها التقارير الدولية على أن الإعاقة ليست صنو العجز. بل هي في كثير من الحالات حافز لمواجهة التحديات ومنطلق لاستكشاف آفاق إبداعية ريادية جديدة ويحفل التاريخ والتراث الإنساني بشواهد وضاءة وراسخة من تحدي الإعاقة ... ولعل الوقت قد حان في وطننا العربي للعمل لإيجاد مناح إستراتيجية متعددة تسعى لتفعيل آليات العمل المشترك في مجال الإعاقة ، تأسيساً على منظومة معلوماتية تعمل على توافر البيانات والإحصاءات التي من شأنها أن تسهم في عمليات التخطيط والتنفيذ للبرامج والمشروعات الائتمانية مستندة إلى ركيزة أساسية تتمثل في المعرفة والمعلومات).
وفي بعض البلاد العربية ومنها بلادنا ( اليمن) يستغل عدد غير قليل من ذوي الإعاقة إعاقتهم الجسمانية أو إعاقة بعض ذويهم وأطفالهم للاستجداء و الشحاته ولا يعني ذلك غير أمر واحد هو غياب أو حضور قليل وغير فاعل بالحجة ( الاكليشة) المكررة في شحة الإمكانات وقلة الدعم للمؤسسات الرسمية والخاصة والمدنية المعنية برعاية ذوي الإعاقة.
وعن تعريف ( الإعاقة) يقول د. محمد الحكيمي :( إن تعريف مصطلح الإعاقة كما جاء في العديد من العهود الدولية وخصوصاً ميثاق الثمانينات إعلان السنة الدولية للمعاقين في العام 1981م يعتبر موحداً ويعني حالة تحد من مقدرة الفرد على القيام بوظيفة أو أكثر من الوظائف التي تعتبر العناصر الأساسية لحياتنا اليومية ومنها العناية بالذات أو ممارسة العلاقات الاجتماعية أو النشاطات الاقتصادية و ذلك ضمن الحدود التي تعتبر طبيعية وقد تنشأ الإعاقة بسبب خلل جسدي أو عصبي أو عقلي ذي طبيعة فسيولوجية أو سيكولوجية أو تتعلق بالتركيب البنائي للجسم )، ويضيف : ( ومن هنا تصبح الإعاقة هي تلك العلاقة الوظيفية بين المعاق وبيئته وتحدث عندما يواجه حواجز ثقافية أو اجتماعية أو طبيعية تمنع وصوله إلى مختلف نظم المجتمع المتاحة للمواطن العادي وعليه فإن الإعاقة تغدو فقدان أو محدودية الفرص لتأدية دور في الحياة والمجتمع على قدم المساواة مع الآخرين).
القصور والتعويض الحسي
عن تعويض القصور عند المعاق ، يقول د. محمد الحكيمي: ( إذا جاز لنا أن نأخذ جانباً من الإعاقة وهو الجانب الطيب الذي يمكن أن يدخل في إطار آثار الإعاقة وهو ما يطلق عليه
( التعويض الحسي عند المعوقين) ويمكن لهذا التعويض أن يكون مثاراً للجدل ، هل هو موجود عند المعوقين ؟ وهل هو المحرك وراء القدرات العالية التي يظهرها بعض المعوقين لتجاوز إعاقتهم واثبات ذواتهم عبر انجازات ونتاجات إبداعية متفوقة). ويضيف انه وفقاً لما يقوله إدلر (2)فإن القصور العضوي أو الوظيفي هو منبع النشاط وبخاصة النشاط الخلاق الذي ينتج عن آلية التعويض وقد يكون تعويضاً مباشراً يدفع بالمعوق بصرياً إلى النبوغ في الأدب أو المعوق سمعياً إلى الإبداع في الموسيقى وينشأ ذلك نتيجة قصور العضو الذي يخلع على الوصلات العصبية المرتبطة به وعلى ما يتبعها من نظام نفسي جهداً من طبيعته بأن يثير هذا النظام تعويضاً قوياً في الحالات التي يمكن فيها التعويض.
قوانين الحياة
تحت هذا العنوان يقول د. محمد الحكيمي عن آلية التعويض: ( إن آلية التعويض موجودة وإذا أردنا أن نكون منصفين أو معتدلين نقول أنها موجودة عند البعض من المعوقين ولكن يوجد إلى جانبها الاستعدادات الخاصة والتي لا يمكن أن تتطور إلا بما يلي :
اولاً : ( الميول والحب والعمل) : هذا العامل يعتبر من أهم العوامل للاستعدادات الخاصة التي تطور باستمرار خاصة في حالة وجود إعاقة ما ، يشير ( بريسي) عالم وأستاذ علم النفس في جامعة بوسطن إلى مثل هذه الحالات التي استطاعت أن تتجاوز إعاقتها وعجزها عبر العمل والجهود القوية وتصل إلى نتائج عالية وقبل أن تصاب هذه الحالات بالمرض لم يكن موجوداً لديها هذا الكمون القوي. إن النتيجة التي استخلصها ( بريسي) هي أن الاستعدادات الخاصة يمكن لها أن تتطور بشكل قوي وفي أي عمر كان بشرط أن تتوفر العوامل المناسبة والفرص الفنية المتتالية والمثابرة على التمرين والممارسة والتسهيل والتشجيع الاجتماعي والنجاح في المحاولات والتمرين).
ثانياً: ( التأهيل السيكولوجي والاجتماعي للمعوق) : إن المعوق هو من يعاني اعتلالاً عقلياً أو عضوياً أو عجزاً في أعضاء الحس أو الحركة ويترتب على هذا الاعتلال آثار سلبية في النشاط النفسي للفرد، مما يقعد به عن ممارسة الحياة السوية، وتبدو آثار هذا النقص في عملية السلوك وعدم الاستقرار والتوافق الاجتماعي، ونحن نعلم أن عملية الاستقرار والتكيف الاجتماعي هي نفسها تقع ما بين قطبي توافق وتنافر، هما الفرد من جهة، والمجتمع من جهة أخرى، أي شخصية الفرد ومجموع القيم والمعايير والأهداف الاجتماعية، ولهذا فإنهما ليسا قطبي صراع بأي حال من الأحوال، وإنما هما قطبان يعملان في دائرة تكاملية).
ويضيف : (واليوم هناك عدة مهن تلبي هذا الغرض، وتستهوي المعوقين وتدفع أرباب العمل الخاص والعام إلى توظيفهم واستيعابهم، كما أن هذه المهن ذات المناحي الفنية تكسر رتابة العمل ومناخ الورش وتربط المعوق أكثر بالانتماء إليها والإبداع فيها مثل خدمات الاتصال والكمبيوتر والانترنت والآداب والفنون الجميلة والإذاعة والصحافة والأرشيف ومهام مكاتب الاستقبال ومسك الدفاتر، ونلاحظ أن هذه الأعمال لا تتطلب حركة كثيرة وتستوعب المعوقين من الجنسين). (لذا تكمن الأهمية في الارتقاء بالملكات والنواحي الفنية، فالتصوير والرسم والنحت والموسيقى والأدب شعراً ونثراً ومختلف القدرات الجمالية والرياضية بخلق مناخات في المناشط المختلفة).
ثالثاً : (تشجيع ودعم المجتمع) : ولأن العلاقة بين المعاق والمجتمع علاقة تكاملية، يقول د. محمد فارع الحكيمي : (إن الفجوة الواسعة بين الخدمات المطلوبة للمعاقين وتلك التي تقدم تمثل مشكلة محيرة، فمنذ سنوات كان الاعتماد على الأسلوب المرتكز على المؤسسات هو السائد، إلا أنه وجد استحالة في تلبية هذه الخدمات لكل الاحتياجات، كما أن التأهيل الذي يقدم في المؤسسات لا يشرك المجتمعات المحلية التي يعيش فيها المعاقون، ولكي يكون التأهيل ناجحاً لابد أن تعترف المجتمعات المحلية بأن المعاقين لهم الحقوق نفسها التي يتمتع بها غيرهم من البشر وأن توافق على ذلك، وقد يقتضي ذلك تغييراً ذا شأن في موقف أعضاء المجتمع المحلي، وقد تبين أن أعظم السبل فعالية في إحداث تغيير في هذا الموقف هو أن يتولى أعضاء المجتمع أنفسهم مهمة التأهيل المرتكز على المجتمع).
وهذا - كما يضيف د. محمد الحكيمي - يتطلب أسلوباً منسقاً بين قطاعات متعددة، وتعاوناً وثيقاً بين جميع الوزارات المعنية بالتأهيل وتخطيطاً مشتركاً على المستوى الإقليمي ومستوى المنطقة والمستوى المحلي.
رابعاً : (التشجيع والدعم الأسري) : ولأن الأسرة هي نواة المجتمع، يقول د. محمد الحكيمي عن دورها في تشجيع المعاق : (ولا تختلف الأسر عن المجتمع في الأسس والمبادئ التي يجب عليها أن تتبعها في تقديم الدعم للمعوق من أفرادها، وتشجيعه فيما يصبوا إليه، ولذلك يكون الدعم والتشجيع أكثر سهولة لأنه قد بدأ أساساً في إطار الأسرة، خصوصاً إذا كانت تتمتع بمستوى ثقافي وإنساني متميز، وأول ما يجب أن ينصب فيه تفكير الأسرة تجاه المعاق هو طريقة التعامل معه والعمل على مواجهة المشكلة بنوع من الصبر والمثابرة على تجاوزها، ويجب على الأسرة في هذا المضمار إرساء مبدأ المساواة بين الفرد المعاق في إطارها وبقية أفراد الأسرة الأصحاء، واعتبار فردها المصاب ذا حقوق كاملة في الصحة والتعليم والرفاهية وغيرها).
الآثار السلبية للإعاقة
تحت هذا العنوان، يقول د. محمد الحكيمي : (إن مشكلة الإعاقة من المشكلات متعددة الأبعاد، خصوصاً في البلدان النامية، ومنها عالمنا العربي، إذ لا تقتصر آثارها على المعاق بل تمتد لتشمل الأفراد والمجتمع باعتباره طاقة حيوية مفقودة). ويضيف : (إننا في العالم العربي، بوجه خاص، في حاجة ماسة لتحقيق توافر مناخ إيجابي، علماً أن نسبة الذين يعانون من شكل من أشكال الإعاقة تقدر بحوالي (10 %) من إجمالي عدد الأطفال، في حين الذين تتوافر لهم الخدمات اللازمة لا تتجاوز نسبتهم (2 %)، هذه النسبة الضئيلة تبرز أهمية الجهود لتنمية وإثراء مناخ إيجابي وفعال يمكن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من تحدي الإعاقة، لذلك لا يمكن لمخططي برامج التنمية المختلفة أن يغفلوا أهمية العمل الجاد والدؤوب لتطوير الخدمات الصحية والتأهيلية للمعاقين).
نماذج إبداعية معاقة
وقبل اختتام محاضرته القيمة هذه، يقدم د. محمد فارع الحكيمي عدداً من الأسماء لشخصيات من ذوي الإعاقة، تغلبت عليها، ونبغت وتفوقت في مجالات إبداعية مختلفة، كدليل على أن الإعاقة لا تعني العجز والفشل التام، ولكنها قد تكون أحياناً - في توفر شروط معينة - حافزاً للمعاق للنبوغ والتفوق، منها :
من ذوي الإعاقة البصرية (العمى) : المؤرخ اليوناني الشهير (هوميروس) صاحب (الإلياذة) و (الأوديسة)، و (ديدموس) الذي عاش في الأسكندرية خلال القرن الرابع الميلادي، وكان أستاذاً وفقيهاً، وعالم الرياضيات والأستاذ في جامعة (كامبردج) وقد ولد أعمى عام 1682م، المهندس (جون متكالف) الذي أصبح مهندساً ناجحاً واهتم بشق الطرق، (ماريا تيريزا) التي عاشت في (فيينا) وبلغت من شهرتها بالموسيقى المجد الذي أوصلها إلى بلاط الإمبراطورة، والشاعر المشهور (ميلتون) ويعد من طائفة المكفوفين العباقرة، و (لويس برايل) مخترع منهج الكتابة والقراءة للمكفوفين، ويعد (لويس برايل) إلى اليوم من بين أشهر الفرنسيين في كل العصور فقد تحدى الإعاقة وهو في سن الرابعة، والمفكر والفيلسوف والشاعر الكبير (أبو العلاء المعري) وقد أصيب بالعمى وهو في الثالثة من عمره، وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، والشاعر العباسي الكبير بشار بن برد، والفضل بن محمد القصباني النحوي والإمام في اللغة العربية، والمؤرخ والأديب شافع بن علي بن عساكر العسقلاني، وأديب اليمن وشاعرها الكبير عبدالله البردوني.
من ذوي الإعاقة الحركية : العداء العالمي (كونينغام) الذي حرقت ساقاه وهو في عمر الثامنة وكان يظن حينها أنه لن يستطيع السير، و (ديفيز) الذي كان يشكو من الشلل المزمن لكنه حصل على رقم قياسي في القفز العالي، و (نانكي ميركي) التي أصيبت بشلل الأطفال وهي في سن العاشرة، لكنها حققت رقماً قياسياً في السباحة وهي في الثالثة والعشرين من عمرها، وحازت (ولمار دولف) ثلاث ميداليات ذهبية في الألعاب الأولمبية عام 1961م في روما وكانت قبل ذلك استعملت كرسي العجز لمدة ثلاث سنوات، و(ميريل نيكر) أول راقصة باليه في أوبرا باريس، التي كانت قد أصيبت وهي في سن الثانية بحادث أدى إلى بتر إصبعين من قدميها وبقيت عرجاء حتى سن السابعة، وعندما بدأت في التدريب كانت تضع في حذاء الرقص عظيمات لتعوضها عن الإصبعين المفقودين، وكانت (إيفا زوركو - برادولي) رياضية متميزة في رمي الرمح على المستوى العالمي رغم أنها كانت مصابة بتشوه في العمود الفقري، وكان الرئيس الأمريكي الأسبق (روزفلت) قد أصيب بالشلل النصفي.
من ذوي الإعاقة السمعية : الموسيقار العالمي (بيتهوفن) ألف أفضل موسيقاه بعد أن أصابه الصمم، وحاتم بن علوان، المتوفي سنة 237ه /851م، وقد اشتهر بالورع والزهد والتقشف وكان يدعى (حاتم الأصم) ومحمد بن يعقوب بن يوسف، وكان يدعى (أبو العباس الأصم)، وكان من أهل الحديث، وقال عنه ابن الأثير أنه كان ثقة أميناً.
حالات أخرى من ذوي الإعاقة : تقف (هيلين كيلر) في موضع الصدارة من بين كل الذين تحدوا الإعاقة، فقدت البصر والسمع وهي في عمر الثانية، لكنها صارت أديبة و (محاضرة في الجامعة) وألفت كتابها (قصة حياتي) وهي صماء وبكماء وعمياء. وإلى جانبها (أولغا سكوركو دوفا)، كانت عمياء وبكماء وصماء، ومع ذلك ألفت كتاب (كيف أدرك العالم - مذكرات عمياء،بكماء، صماء) الذي ترجم إلى معظم لغات العالم. وهاتان السيدتان تقدمان مثالاً رائعاً لعملية التعويض الحسي، وكيف تصبح حاستا اللمس والشم هما الحاستان المستخدمتان في التعرف على العالم وإدراكه.
في ختام محاضرته الرائعة والقيمة (الإعاقة والإبداع) يقول الدكتور محمد فارع الحكيمي : (نستشف من هذه المعطيات أن آلية التعويض موجودة عند بعض المعوقين، ولكن ينبغي أن توجد إلى جانبها الاستعدادات الخاصة، وإذا توفرت لبعض منهم الظروف المناسبة والشروط اللازمة لتفتح هذه الاستعدادات عبر آلية التعويض يمكن أن تظهر الإنجازات الإبداعية عند بعضهم، فعند المعوقين كما عند العاديين من هو متوسط وعادي ومن هو دون متوسط ومن هو متفوق، وإذا وجد أولئك الذين يظهرون تفوقاً في جانب ما، الشروط الأسرية والاجتماعية المشجعة، وكان لديهم القدرة على العمل والمثابرة، ظهرت الموهبة وتحققت على أشكال مختلفة : أدبية وعلمية وفنية.
الهوامش :
1 ألقى الدكتور محمد فارع الحيكمي عدة محاضرات في (جمعية تنمية الثقافة والأدب بعدن) ارتبطت مواضيعها بالإبداع، منها : (الطفولة والإبداع - المرأة والإبداع - الشيخوخة والإبداع - الأمراض النفسية والعقلية والإبداع - الهوية والإبداع - الترجمة والإبداع)، وكم أتمنى أن يتمكن من جمعها في كتاب.
2 وعالم نفس ألماني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.