الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوميروس وبرايل وطه حسين والمعري والبردوني نوابغ من ذوي الإعاقة البصرية
العلاقة بين الإعاقة والإبداع
نشر في 14 أكتوبر يوم 13 - 04 - 2011

مخطئ من يظن أن كل متخصص في الطب أو الهندسة أو الرياضيات أو الكيمياء وغيرها من المجالات التطبيقية التي تسمى ( مجازاً) علمية لتميزها فقط عن مجالات الفكر والثقافة والأدب والفن لا علاقة له بالإبداع الأدبي والفني ، فالتاريخ يحدثنا بغير ذلك عن فلاسفة ومفكرين وأدباء وشعراء كانوا رياضيين و أطباء وكيميائيين .. إلخ
وفي عصرنا الحديث نماذج كثيرة نذكر منهم الشاعر الكبير إبراهيم ناجي الذي كان طبيباً ، يوسف إدريس وكان طبيباً ايضاُ واحمد صبري التجريدي كان طبيب أسنان وموسيقياً ملحناً وغنت أم كلثوم عدداً من ألحانه والمهندس والملاح علي محمود طه وكان شاعراً وفي اليمن على سبيل المثال د. نزار غانم وهو طبيب وشاعر وفنان وباحث في التراث والفلكلور والى هؤلاء وغيرهم ينتسب د. محمد فارع الحكيمي وهو طبيب متخصص في أمراض النساء والولادة واستشاري في هذا المجال بمستشفى الجمهورية التعليمي بعدن ولا أنسى هنا أن انسب إليهم الدكتور الطبيب احمد الشريف الذي اثبت بكتابة ( المرضى الذين علموني) انه كاتب قصة ولو تفرغ لكتابة القصة القصيرة لكان فيها كاتباً متميزاً.
(والاعاقة والإبداع) عنوان محاضرة علمية رائعة وقيمة ألقاها د. محمد فارع الحكيمي قبل عدة أشهر على عدد غير قليل من صفوة مثقفي وفناني عدن من أعضاء ومرتادي
( جمعية تنمية الثقافة والأدب بعدن) (1) في واحدة من فعاليات الجمعية التي تنظمها عصر الأربعاء من كل أسبوع وكنت حينها قد أعددت تغطية للفعالية ضمنتها فقرات من محاضرة د. الحكيمي ( الإعاقة والإبداع) وأرسلتها إلى إحدى الصحف للنشر لكن الصحيفة لم تنشرها فخسرت وخسر القراء الاطلاع على مادة قيمة والتعرف على أسباب تفوق بعض من ذوي الإعاقة البدنية في مجالات علمية وأدبية وفنية وكيف بالإمكان للجهات ذات العلاقة توفير الإمكانات والظروف المناسبة لذوي الاعاقة لاكتشاف مواهبهم ومهارتهم ليكونوا أعضاء في المجتمع مع يقيني أن الإعاقة التحضرية فكر وتثقيف عند البعض وفي مجتمعنا اليمني - وصدامه الرافض لكل تطور اجتماعي وسياسي ومدني هو الأخطر من الإعاقة العقلية والجسمانية عن ميلاد أو حادث لأنه قائم على تشبت بالجهل والظلام للحفاظ على علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية محافظة ومغلقة على تجميل أو تعصب في مواجهة كل جديد يمس حرمتها و استغلال العامة للاحفاظ على مكاسب خاصة.
وفي محاضرته هذه ( الإعاقة والإبداع) ومحاضرات أخرى له ن تتجلى ثقافة د. الحكيم وسعة اطلاعه و ادبيته في القراءة والكتابة بأسلوب رصين لكنه سلس وجميل ومشرق لا تعقيد فيه قد ينتج في مثل هذه الكتابات الجامعة بين ( العلمي والأدبي) مع انحياز واضح لتشويق المتلقي والقارئ معاً بنماذج عديدة من ذوي الإعاقة من المتفوقين في الكثير من المجالات الإبداعية وأنا على يقين من أن تلخيصي لمحاضرة د. الحكيمي المكتوبة في ثمان صفحات بلغة عربية سليمة بخطه الجميل بتنسيق مرتب للأفكار فيه ظلم له ولها ، عسى أن تنشر كاملة في مجلة متخصصة أو غير متخصصة فهي تصلح للنشر في كلتا الحالتين.
فموضوع المحاضرة ( الإعاقة والإبداع) جدير بالنشر والقراءة وهو موضوع علمي قيم ومفيد لا يموت إن تأخر
أو أن نشره فكل أو ان مناسب لنشره ما دام في ذلك فائدة ومتعة للقارئ.
المقدمة والتعريف
في مقدمة موضوعه عن ( الإعاقة والإبداع) يقول د. محمد فارع الحكيم : ( تجمع العديد من المواضيع والمقالات ومنها التقارير الدولية على أن الإعاقة ليست صنو العجز. بل هي في كثير من الحالات حافز لمواجهة التحديات ومنطلق لاستكشاف آفاق إبداعية ريادية جديدة ويحفل التاريخ والتراث الإنساني بشواهد وضاءة وراسخة من تحدي الإعاقة ... ولعل الوقت قد حان في وطننا العربي للعمل لإيجاد مناح إستراتيجية متعددة تسعى لتفعيل آليات العمل المشترك في مجال الإعاقة ، تأسيساً على منظومة معلوماتية تعمل على توافر البيانات والإحصاءات التي من شأنها أن تسهم في عمليات التخطيط والتنفيذ للبرامج والمشروعات الائتمانية مستندة إلى ركيزة أساسية تتمثل في المعرفة والمعلومات).
وفي بعض البلاد العربية ومنها بلادنا ( اليمن) يستغل عدد غير قليل من ذوي الإعاقة إعاقتهم الجسمانية أو إعاقة بعض ذويهم وأطفالهم للاستجداء و الشحاته ولا يعني ذلك غير أمر واحد هو غياب أو حضور قليل وغير فاعل بالحجة ( الاكليشة) المكررة في شحة الإمكانات وقلة الدعم للمؤسسات الرسمية والخاصة والمدنية المعنية برعاية ذوي الإعاقة.
وعن تعريف ( الإعاقة) يقول د. محمد الحكيمي :( إن تعريف مصطلح الإعاقة كما جاء في العديد من العهود الدولية وخصوصاً ميثاق الثمانينات إعلان السنة الدولية للمعاقين في العام 1981م يعتبر موحداً ويعني حالة تحد من مقدرة الفرد على القيام بوظيفة أو أكثر من الوظائف التي تعتبر العناصر الأساسية لحياتنا اليومية ومنها العناية بالذات أو ممارسة العلاقات الاجتماعية أو النشاطات الاقتصادية و ذلك ضمن الحدود التي تعتبر طبيعية وقد تنشأ الإعاقة بسبب خلل جسدي أو عصبي أو عقلي ذي طبيعة فسيولوجية أو سيكولوجية أو تتعلق بالتركيب البنائي للجسم )، ويضيف : ( ومن هنا تصبح الإعاقة هي تلك العلاقة الوظيفية بين المعاق وبيئته وتحدث عندما يواجه حواجز ثقافية أو اجتماعية أو طبيعية تمنع وصوله إلى مختلف نظم المجتمع المتاحة للمواطن العادي وعليه فإن الإعاقة تغدو فقدان أو محدودية الفرص لتأدية دور في الحياة والمجتمع على قدم المساواة مع الآخرين).
القصور والتعويض الحسي
عن تعويض القصور عند المعاق ، يقول د. محمد الحكيمي: ( إذا جاز لنا أن نأخذ جانباً من الإعاقة وهو الجانب الطيب الذي يمكن أن يدخل في إطار آثار الإعاقة وهو ما يطلق عليه
( التعويض الحسي عند المعوقين) ويمكن لهذا التعويض أن يكون مثاراً للجدل ، هل هو موجود عند المعوقين ؟ وهل هو المحرك وراء القدرات العالية التي يظهرها بعض المعوقين لتجاوز إعاقتهم واثبات ذواتهم عبر انجازات ونتاجات إبداعية متفوقة). ويضيف انه وفقاً لما يقوله إدلر (2)فإن القصور العضوي أو الوظيفي هو منبع النشاط وبخاصة النشاط الخلاق الذي ينتج عن آلية التعويض وقد يكون تعويضاً مباشراً يدفع بالمعوق بصرياً إلى النبوغ في الأدب أو المعوق سمعياً إلى الإبداع في الموسيقى وينشأ ذلك نتيجة قصور العضو الذي يخلع على الوصلات العصبية المرتبطة به وعلى ما يتبعها من نظام نفسي جهداً من طبيعته بأن يثير هذا النظام تعويضاً قوياً في الحالات التي يمكن فيها التعويض.
قوانين الحياة
تحت هذا العنوان يقول د. محمد الحكيمي عن آلية التعويض: ( إن آلية التعويض موجودة وإذا أردنا أن نكون منصفين أو معتدلين نقول أنها موجودة عند البعض من المعوقين ولكن يوجد إلى جانبها الاستعدادات الخاصة والتي لا يمكن أن تتطور إلا بما يلي :
اولاً : ( الميول والحب والعمل) : هذا العامل يعتبر من أهم العوامل للاستعدادات الخاصة التي تطور باستمرار خاصة في حالة وجود إعاقة ما ، يشير ( بريسي) عالم وأستاذ علم النفس في جامعة بوسطن إلى مثل هذه الحالات التي استطاعت أن تتجاوز إعاقتها وعجزها عبر العمل والجهود القوية وتصل إلى نتائج عالية وقبل أن تصاب هذه الحالات بالمرض لم يكن موجوداً لديها هذا الكمون القوي. إن النتيجة التي استخلصها ( بريسي) هي أن الاستعدادات الخاصة يمكن لها أن تتطور بشكل قوي وفي أي عمر كان بشرط أن تتوفر العوامل المناسبة والفرص الفنية المتتالية والمثابرة على التمرين والممارسة والتسهيل والتشجيع الاجتماعي والنجاح في المحاولات والتمرين).
ثانياً: ( التأهيل السيكولوجي والاجتماعي للمعوق) : إن المعوق هو من يعاني اعتلالاً عقلياً أو عضوياً أو عجزاً في أعضاء الحس أو الحركة ويترتب على هذا الاعتلال آثار سلبية في النشاط النفسي للفرد، مما يقعد به عن ممارسة الحياة السوية، وتبدو آثار هذا النقص في عملية السلوك وعدم الاستقرار والتوافق الاجتماعي، ونحن نعلم أن عملية الاستقرار والتكيف الاجتماعي هي نفسها تقع ما بين قطبي توافق وتنافر، هما الفرد من جهة، والمجتمع من جهة أخرى، أي شخصية الفرد ومجموع القيم والمعايير والأهداف الاجتماعية، ولهذا فإنهما ليسا قطبي صراع بأي حال من الأحوال، وإنما هما قطبان يعملان في دائرة تكاملية).
ويضيف : (واليوم هناك عدة مهن تلبي هذا الغرض، وتستهوي المعوقين وتدفع أرباب العمل الخاص والعام إلى توظيفهم واستيعابهم، كما أن هذه المهن ذات المناحي الفنية تكسر رتابة العمل ومناخ الورش وتربط المعوق أكثر بالانتماء إليها والإبداع فيها مثل خدمات الاتصال والكمبيوتر والانترنت والآداب والفنون الجميلة والإذاعة والصحافة والأرشيف ومهام مكاتب الاستقبال ومسك الدفاتر، ونلاحظ أن هذه الأعمال لا تتطلب حركة كثيرة وتستوعب المعوقين من الجنسين). (لذا تكمن الأهمية في الارتقاء بالملكات والنواحي الفنية، فالتصوير والرسم والنحت والموسيقى والأدب شعراً ونثراً ومختلف القدرات الجمالية والرياضية بخلق مناخات في المناشط المختلفة).
ثالثاً : (تشجيع ودعم المجتمع) : ولأن العلاقة بين المعاق والمجتمع علاقة تكاملية، يقول د. محمد فارع الحكيمي : (إن الفجوة الواسعة بين الخدمات المطلوبة للمعاقين وتلك التي تقدم تمثل مشكلة محيرة، فمنذ سنوات كان الاعتماد على الأسلوب المرتكز على المؤسسات هو السائد، إلا أنه وجد استحالة في تلبية هذه الخدمات لكل الاحتياجات، كما أن التأهيل الذي يقدم في المؤسسات لا يشرك المجتمعات المحلية التي يعيش فيها المعاقون، ولكي يكون التأهيل ناجحاً لابد أن تعترف المجتمعات المحلية بأن المعاقين لهم الحقوق نفسها التي يتمتع بها غيرهم من البشر وأن توافق على ذلك، وقد يقتضي ذلك تغييراً ذا شأن في موقف أعضاء المجتمع المحلي، وقد تبين أن أعظم السبل فعالية في إحداث تغيير في هذا الموقف هو أن يتولى أعضاء المجتمع أنفسهم مهمة التأهيل المرتكز على المجتمع).
وهذا - كما يضيف د. محمد الحكيمي - يتطلب أسلوباً منسقاً بين قطاعات متعددة، وتعاوناً وثيقاً بين جميع الوزارات المعنية بالتأهيل وتخطيطاً مشتركاً على المستوى الإقليمي ومستوى المنطقة والمستوى المحلي.
رابعاً : (التشجيع والدعم الأسري) : ولأن الأسرة هي نواة المجتمع، يقول د. محمد الحكيمي عن دورها في تشجيع المعاق : (ولا تختلف الأسر عن المجتمع في الأسس والمبادئ التي يجب عليها أن تتبعها في تقديم الدعم للمعوق من أفرادها، وتشجيعه فيما يصبوا إليه، ولذلك يكون الدعم والتشجيع أكثر سهولة لأنه قد بدأ أساساً في إطار الأسرة، خصوصاً إذا كانت تتمتع بمستوى ثقافي وإنساني متميز، وأول ما يجب أن ينصب فيه تفكير الأسرة تجاه المعاق هو طريقة التعامل معه والعمل على مواجهة المشكلة بنوع من الصبر والمثابرة على تجاوزها، ويجب على الأسرة في هذا المضمار إرساء مبدأ المساواة بين الفرد المعاق في إطارها وبقية أفراد الأسرة الأصحاء، واعتبار فردها المصاب ذا حقوق كاملة في الصحة والتعليم والرفاهية وغيرها).
الآثار السلبية للإعاقة
تحت هذا العنوان، يقول د. محمد الحكيمي : (إن مشكلة الإعاقة من المشكلات متعددة الأبعاد، خصوصاً في البلدان النامية، ومنها عالمنا العربي، إذ لا تقتصر آثارها على المعاق بل تمتد لتشمل الأفراد والمجتمع باعتباره طاقة حيوية مفقودة). ويضيف : (إننا في العالم العربي، بوجه خاص، في حاجة ماسة لتحقيق توافر مناخ إيجابي، علماً أن نسبة الذين يعانون من شكل من أشكال الإعاقة تقدر بحوالي (10 %) من إجمالي عدد الأطفال، في حين الذين تتوافر لهم الخدمات اللازمة لا تتجاوز نسبتهم (2 %)، هذه النسبة الضئيلة تبرز أهمية الجهود لتنمية وإثراء مناخ إيجابي وفعال يمكن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من تحدي الإعاقة، لذلك لا يمكن لمخططي برامج التنمية المختلفة أن يغفلوا أهمية العمل الجاد والدؤوب لتطوير الخدمات الصحية والتأهيلية للمعاقين).
نماذج إبداعية معاقة
وقبل اختتام محاضرته القيمة هذه، يقدم د. محمد فارع الحكيمي عدداً من الأسماء لشخصيات من ذوي الإعاقة، تغلبت عليها، ونبغت وتفوقت في مجالات إبداعية مختلفة، كدليل على أن الإعاقة لا تعني العجز والفشل التام، ولكنها قد تكون أحياناً - في توفر شروط معينة - حافزاً للمعاق للنبوغ والتفوق، منها :
من ذوي الإعاقة البصرية (العمى) : المؤرخ اليوناني الشهير (هوميروس) صاحب (الإلياذة) و (الأوديسة)، و (ديدموس) الذي عاش في الأسكندرية خلال القرن الرابع الميلادي، وكان أستاذاً وفقيهاً، وعالم الرياضيات والأستاذ في جامعة (كامبردج) وقد ولد أعمى عام 1682م، المهندس (جون متكالف) الذي أصبح مهندساً ناجحاً واهتم بشق الطرق، (ماريا تيريزا) التي عاشت في (فيينا) وبلغت من شهرتها بالموسيقى المجد الذي أوصلها إلى بلاط الإمبراطورة، والشاعر المشهور (ميلتون) ويعد من طائفة المكفوفين العباقرة، و (لويس برايل) مخترع منهج الكتابة والقراءة للمكفوفين، ويعد (لويس برايل) إلى اليوم من بين أشهر الفرنسيين في كل العصور فقد تحدى الإعاقة وهو في سن الرابعة، والمفكر والفيلسوف والشاعر الكبير (أبو العلاء المعري) وقد أصيب بالعمى وهو في الثالثة من عمره، وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، والشاعر العباسي الكبير بشار بن برد، والفضل بن محمد القصباني النحوي والإمام في اللغة العربية، والمؤرخ والأديب شافع بن علي بن عساكر العسقلاني، وأديب اليمن وشاعرها الكبير عبدالله البردوني.
من ذوي الإعاقة الحركية : العداء العالمي (كونينغام) الذي حرقت ساقاه وهو في عمر الثامنة وكان يظن حينها أنه لن يستطيع السير، و (ديفيز) الذي كان يشكو من الشلل المزمن لكنه حصل على رقم قياسي في القفز العالي، و (نانكي ميركي) التي أصيبت بشلل الأطفال وهي في سن العاشرة، لكنها حققت رقماً قياسياً في السباحة وهي في الثالثة والعشرين من عمرها، وحازت (ولمار دولف) ثلاث ميداليات ذهبية في الألعاب الأولمبية عام 1961م في روما وكانت قبل ذلك استعملت كرسي العجز لمدة ثلاث سنوات، و(ميريل نيكر) أول راقصة باليه في أوبرا باريس، التي كانت قد أصيبت وهي في سن الثانية بحادث أدى إلى بتر إصبعين من قدميها وبقيت عرجاء حتى سن السابعة، وعندما بدأت في التدريب كانت تضع في حذاء الرقص عظيمات لتعوضها عن الإصبعين المفقودين، وكانت (إيفا زوركو - برادولي) رياضية متميزة في رمي الرمح على المستوى العالمي رغم أنها كانت مصابة بتشوه في العمود الفقري، وكان الرئيس الأمريكي الأسبق (روزفلت) قد أصيب بالشلل النصفي.
من ذوي الإعاقة السمعية : الموسيقار العالمي (بيتهوفن) ألف أفضل موسيقاه بعد أن أصابه الصمم، وحاتم بن علوان، المتوفي سنة 237ه /851م، وقد اشتهر بالورع والزهد والتقشف وكان يدعى (حاتم الأصم) ومحمد بن يعقوب بن يوسف، وكان يدعى (أبو العباس الأصم)، وكان من أهل الحديث، وقال عنه ابن الأثير أنه كان ثقة أميناً.
حالات أخرى من ذوي الإعاقة : تقف (هيلين كيلر) في موضع الصدارة من بين كل الذين تحدوا الإعاقة، فقدت البصر والسمع وهي في عمر الثانية، لكنها صارت أديبة و (محاضرة في الجامعة) وألفت كتابها (قصة حياتي) وهي صماء وبكماء وعمياء. وإلى جانبها (أولغا سكوركو دوفا)، كانت عمياء وبكماء وصماء، ومع ذلك ألفت كتاب (كيف أدرك العالم - مذكرات عمياء،بكماء، صماء) الذي ترجم إلى معظم لغات العالم. وهاتان السيدتان تقدمان مثالاً رائعاً لعملية التعويض الحسي، وكيف تصبح حاستا اللمس والشم هما الحاستان المستخدمتان في التعرف على العالم وإدراكه.
في ختام محاضرته الرائعة والقيمة (الإعاقة والإبداع) يقول الدكتور محمد فارع الحكيمي : (نستشف من هذه المعطيات أن آلية التعويض موجودة عند بعض المعوقين، ولكن ينبغي أن توجد إلى جانبها الاستعدادات الخاصة، وإذا توفرت لبعض منهم الظروف المناسبة والشروط اللازمة لتفتح هذه الاستعدادات عبر آلية التعويض يمكن أن تظهر الإنجازات الإبداعية عند بعضهم، فعند المعوقين كما عند العاديين من هو متوسط وعادي ومن هو دون متوسط ومن هو متفوق، وإذا وجد أولئك الذين يظهرون تفوقاً في جانب ما، الشروط الأسرية والاجتماعية المشجعة، وكان لديهم القدرة على العمل والمثابرة، ظهرت الموهبة وتحققت على أشكال مختلفة : أدبية وعلمية وفنية.
الهوامش :
1 ألقى الدكتور محمد فارع الحيكمي عدة محاضرات في (جمعية تنمية الثقافة والأدب بعدن) ارتبطت مواضيعها بالإبداع، منها : (الطفولة والإبداع - المرأة والإبداع - الشيخوخة والإبداع - الأمراض النفسية والعقلية والإبداع - الهوية والإبداع - الترجمة والإبداع)، وكم أتمنى أن يتمكن من جمعها في كتاب.
2 وعالم نفس ألماني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.