يبدو أننا بحاجة إلى كثير من الوقت حتى تكون «الانضباطية» ثقافة سواء بالنسبة للأفراد العاديين أو بالنسبة للنخب في المجتمع.. كثير من الناس يذهبون للبحث عن وظيفة في الدولة انطلاقاً من ثقافة القول المأثور: «شبر مع الدولة، ولا ذراع مع القبيلي» بمعنى أن الحصول على «الوظيفة» لا يقتصر فقط على تأمين دخل ثابت فحسب، بل لأن هذه الثقافة تتناقض مع قيم الانضباطية، حيث يرونها «وظيفة» متحررة من الالتزام بمعايير العمل والانتاجية .. بمعنى آخر إنها انفلات كامل من الالتزام بتلك المعايير التي تطبق مثلاً في القطاعات الانتاجية الأخرى كالقطاع الخاص!.
ضف إلى ذلك أن «الانضباطية» كثقافة تحمل مدلولاً منسخلاً عن «التربية» التي تشكل الأساس في تعميق مثل هذه المفاهيم الغائبة عن مجتمعنا بطبيعة الحال، فضلاً عن غيابها في ثقافة «الأحزاب والنخب» وبذلك تبدو مظاهر الانفلات الذاتي والجمعي من ثقافة «الانضباطية» بالقانون والأنظمة حالة عامة.. وتزداد بؤساً عندما تتحدث «النخب» عن ضرورة ذلك بينما تمارس سلوكاً متناقضاً مع دعواتها لتفعيل وتطبيق تلك القوانين. إنني أتساءل بمرارة: أليس غريباً أن نتحدث عن ثقافة «الانضباطية» عند الأحزاب ونحن نراها مثلاً تقحم الأطفال في أتون تظاهراتها السياسية بدلاً من أن تحرص على قيم تجنيبهم مغبة هذا السلوك خاصة وهم في سن أحوج ما يكونون فيه إلى التحصيل الدراسي؟!. ضف إلى ذلك مثالاًً آخر عن بعض النخب وهي تتحدث عن تطبيق تشريعات لمنع حمل السلاح مثلاً بينما هي تجاهر بمسلك مغاير!!. المشكلة إذن أعمق من مجرد الحديث عنها ببساطة، إنها ضاربة الجذور في ثقافة غير متحررة، بل منسلخة عن حاجتنا إلى قيم جديدة تراعي تجنب الانفلات من الازدواجية القائمة بين مدلول شرط الانضباطية في المجتمع لتحقيق الالتزام بمضامين وروح القوانين والأنظمة السارية. تلك كانت إجابتي على تساؤل طرحته الزميلة «البلاد» منذ أيام، وهو تساؤل مشروع وفي الصميم خاصة في ظرف التداعي القائم للبحث عن إجابات لمشكلات قائمة تقتضي طرح الآراء والقناعات لاستخلاص النافع والمفيد منها لصالح المجتمع وتطوره. عودة « الوعي » استضافت الفضائية المصرية منذ أيام الفنان القدير أحمد فتحي ليتحدث عن تجربته الفنية والغنية التي بدأها في مدرسة «الوعي» بالحديدة والتي درس فيها العديد من الزملاء وكنت واحداً ممن تلقّوا دروسهم الأولية فيها. ولقد ساءني أن يقوم المسؤولون في التربية بتغيير اسمها إلى اسم آخر، وهي ظاهرة انتشرت في فترة ما بتغيير أسماء المدارس ليس في الحديدة وحسب بل في العديد من المحافظات. ومع احترامنا لأسماء ك«عائشة وخولة وخالد بن الوليد» فإن المحافظة على الأسماء القديمة لمدارسنا تخليد للذاكرة وحفاظ على مرحلة تشكل حالة في الوجدان الجمعي للمدن وناسها. فهل لنا بمبادرة تعيد اسم «الوعي» إلى منارة تعليمية كانت سباقة في رسم هذا الوجدان ولاتزال تلازم الدارسين فيها منذ الصبا وحتى اليوم؟!. والحالة نفسها تفرض استعادة الأسماء إلى المدارس التي سُلخت عنها أسماؤها القديمة على حين غفلة!!.