في كل أرجاء اليمن تتماثل دوائر السياسة، وحلقات الصراع، إلاّ في الضالع، فهي الموصوفة بالمحافظة السياسيةالتي لا يستقر لها حال، ويقف أمامها السياسيون حيارى كيف يحسبون معادلات التوازنات الوطنية. أمس كانت الضالع مسرحاً كبيراً لحراك ديمقراطي غير مسبوق، ففي الوقت الذي كان أمين عام المؤتمر يفتتح دورة اللجنة الدائمة بالضالع، كان أمين عام الحزب الاشتراكي يعقد لقاء موسعاً للاشتراكيين في الضالع أيضاَ.. فهذه هي المرة الأولى التي يجتمع باجمال ونعمان في محافظة واحدة، حتى يظن المرء أنها ربما تكون مسألة منسقة مسبقاً من أجل توجيه رسالة محددة! الدكتور ياسين سعيد نعمان رفض من المشاركين أي حديث عن الانفصال، وحذر من خطورة المشاريع الصغيرة على حزبه وعلى الوحدة اليمنية، وأكد أن حراك الحزب لن يخرج من أطر الوحدة اليمنية.. أما عبدالقادر باجمال فقد ذهب إلى نفس المنحى، وإن كان بألفاظ مختلفة، وكشف عن الكثير من الإجراءات التي يعتزم حزبه تنفيذها. أمس - رغم قوة الحراك السياسي، وثقل كلا الشخصيتين - إلاّ أن الضالع عاشت أهدأ أيامها منذ شهور، بل وأكثر الأيام أمناً وسلاماً.. والتفسير الوحيد لذلك هو أن فلتان الشارع والفوضى الديمقراطية التي عاشها لم تكن إلاّ ترجمة للفراغ الذي تخلفه القيادات الحزبية عندما تبتعد عن قواعدها. فأهمية هذه القيادات ليست فيما تصدره من توجيهات لتكويناتها التنظيمية، بل في حكمة، وخبرة وتجربة تلك القيادات، وبالتالي نستشف أن الشارع اليمني لم يكن ينقصه سوى العقول القيادية التي تضبط لجامه، وتضع أقدامه على الطريق الصحيح للعمل السياسي الوطني. قبل حوالي الشهر عندما ألقيت محاضرة في دمت، تساءلت: لماذا لا ينزل الدكتور نعمان إلى الشارع وسط جماهيره، ليقودها بدلاً من الفوضى، والخطاب المأزوم الذي يتعرض للثوابت الوطنية..!؟ إذ إن هناك قناعة لدى معظم الناس أن الدكتور نعمان وبسبب غيابه عن ساحة قواعده فسح المجال لبعض «الصغار» للتطاول على أدبيات الحزب الاشتراكي ومبادئه الوطنية، بحيث إن ذلك التطاول أساء إلى سمعة الاشتراكي بأكمله . لابد أن نقتنع اليوم أن اليمن لا تنقصه الهامات السياسية، بل إنها هي التي تمثل صمامات أمان الحراك السياسي.. لكن في بعض الأحيان تختلط الأوراق، وتتشابك الآليات متسببة بأزمة سياسية معينة.. وهذه الأزمة بتقديري ليست إلاّ أشبه بالحالة المرضية التي تنهك الجسد لفترة ثم تزول. فالقوى السياسية المختلفة كانت تنظر إلى ما يدور حولها على أنها مجرد (سخونة) ستزول بعد وقت قصير، لكنها أدركت مؤخراً أنها ليست كذلك، بل داء خطير ولابد من مواجهتها بالعلاج القوي الفتاك .. لذلك كان باجمال ونعمان أمس في الضالع، وسيكون عليهما العودة إليها من حين إلى آخر، فالشارع بحاجة دائمة إلى من يكبح جماحه بحكمة وروية، وحنكة سياسية.