إن رهان الحكومات على التنمية سيبقى بعيد المنال مالم تبدأ من سعيها لكسب ثقة مواطنيها أولاً.. أما حين نرى طوابير الناس والسيارات تصطف على محطة ديزل ثم ننفي رسمياً وجود أزمة، فلن تبقى حينئذ أدنى فرصة لبناء الثقة المنشودة. إذا كان هناك ثمة أمور معقدة في التحديات التنموية فلا شك أن أولها هي طريقة تعاملنا مع الأزمات، فليس هناك بلد في العالم يواجه مشكلة تهريب مشتقاته النفطية بنفس الطريقة التي اهتدت إليها وزارة النفط والمعادن التي قامت باستيراد كميات كبيرة من الديزل من دول الجوار لسد العجز الذي يتسبب به التهريب، وعصابات التهريب المعروفة لدى الكثيرين. والأمر غير محصور على مشكلة البترول والديزل، فالوزارة المختصة للأسف مثلما وقفت عاجزة عن عمل شيء إزاء الأزمة السعرية للقمح واستسلمت للزوابع التي يخلقها التجار من حين لآخر، تقف اليوم عاجزة أيضاً عن إجبار التجار على تخفيض أسعار القمح بعد انخفاضها عالمياً، لأنها في الأساس لم تدرس أسباب قدرة بعض البلدان على الحد من آثار الظاهرة السعرية «العالمية» في نفس الوقت الذي كانت الأسواق اليمنية مباحة بالمطلق لسياط التجار !! لقد اعتاد المواطن اليمني على أن الزيادات السعرية «المفتعلة» ما تلبث أن تكتسب المشروعية الرسمية بعد بضعة أشهر، وتصبح هي الأساس وأية زيادة تطرأ عليها هي موضع التفاوض، لأن الجهات المعنية تفتقر لأبسط دراسات اقتصاد السوق، ولأية آليات ضبط وتحكم بالسوق، مع أنها بوسعها اليوم التنسيق مع مصلحة الجمارك وتبني قرار إلغاء جميع الامتيازات الممنوحة للتاجر إبان الأزمة السعرية طالما يرفض مواكبة السوق العالمي بالانخفاض السعري أسوة بما فعل مع الارتفاع السعري ! في أحيان كثيرة أخرى نجد الجهات المعنية تنجح في تشخيص أسباب الأزمة، لكنها تخفق في سعيها للمعالجة. فمثلاً هناك إدراك تام بأن أعمال العنف في صعدة، أو الشغب في الضالع ولحج، أو الإرهاب الذي يداهم بعض المناطق من حين لآخر، كلها أسبابها ثقافية بالدرجة الأولى، إلا أنها مازالت حتى اليوم تعالج بندوات في فنادق الدرجة الأولى يحضرها عشرات المسؤولين ورؤساء المنظمات، بينما الفئة التي يتم تضليلها بعيدة كل البعد عن هذه الأماكن، وهي طبقة جاهلة لا تدخل أيضاً إلى قاعات المراكز والجامعات التي تقام فيها الندوات وحلقات النقاش، والتي تكلف الدولة سنوياً مئات الملايين من الريالات. إن هذا اللون من التعاطي مع الأزمات يعيد استنساخ الأزمة على الصعيد المستقبلي وتعقيدها أيضاً.. كما أنه يقود إلى زيادة الفجوة بين الحكومة وثقة المواطن، الذي لن يكلف خاطره عناء البحث عن تبريرات وأعذار للحكومة لأنه غير معني أصلاً بذلك، بل يطلق أحكامه في الحال بفشل الحكومة.. خاصة عندما يتصفح أية صحيفة رسمية ويقرأ «التنظير» والتحليل والوعود التي يطلقها بعض المسؤولين .. والطامة الكبرى في قراءة بيانات النفي على غرار نفي وزير النفط لوجود أزمة ديزل في اليمن في الوقت الذي صور طوابير السيارات تتصدر واجهات الصحف، إن لم يكن المواطن نفسه يراها بأم عينيه على الطبيعة أينما ذهب.. لا ندري لماذا لا يؤمن بعض المسؤولين بأن كل بلدان العالم معرضة لأزمات وليست اليمن وحدها، وأنه ليس عيباً أن يخرج وزير للرأي العام ويكاشفه بحقيقة الأزمة وأسبابها وتصوراته للمعالجة، بل على العكس مثل هذا السلوك محبب للرأي العام، ويزيد من الثقة بهذا الوزير أو المدير. وإذا ما كنا فعلاً نراهن على تنمية يجب أن نكسب ثقة المواطن ليكون عوناً، وشريكاً في رهاننا.