قبل عامين تقريباً، ثارت ثائرة التجار حول إعلان الحكومة تطبيق ضريبة المبيعات، فاستنكروا، ونددوا، وتظاهروا، واضربوا، وانتهى بهم الأمر إلى الرهان على مقاضاة الحكومة لدى المحكمة الدستورية للطعن بمشروعية قانونها.. وهو سلوك حضاري حميد لولا أنهم لم يكن في نيتهم القبول بأي قرار لا يجاري دعواهم. قبل فترة وجيزة أصدرت المحكمة الدستورية قرارها النهائي ببطلان الطعن المقدم من التجار، فأعلنت الحكومة البدء بتطبيق قانون ضريبة المبيعات، فعاود التجار الغضب، وإعلان الرفض، وفي غضون بضع أيام اشتعلت نيران الأسعار مجدداً، ولم ينتظر التجار وقتاً طويلاً للتدرج بالزيادة السعرية، بل جاءت الزيادة دفعة واحدة مضاعفة، وتدفعنا للتساؤل: يا ترى هل احتالت الحكومة لمثل ردود الأفعال هذه، وهل ثمة آليات ستحمي بها الحكومة المواطن من الابتزاز التجاري؟. تتحدث الجهات الرسمية عن نظرية «السوق المفتوح» وتعتقد أن المنافسة المفتوحة من شأنها الاسهام في خفض الأسعار، وذلك رأي أثبت صحته في بقية دول العالم، ولكن الواقع اليمني يؤكد ان السوق اليمني يعيش حالة «الاحتكار المطلق» رغم وجود فرص المنافسة المفتوحة.. وهو الأمر الذي يثير استغراب المراقبين الاقتصاديين لكونه يتجه إلى عكس المخرجات المنطقية للسوق المفتوح. ويبدو أن الظاهرة لم تأتِ من فراغ، إذ أن معظم كبار التجار الحاليين يحتفظون بامتيازات خاصة منحتها إياهم الحكومات اليمنية المتعاقبة.. وهم بهذه الامتيازات يقطعون الطريق على كل منافس جديد، أو على أقل تقدير الحد من قدرته في المنافسة الايجابية، لذلك بمجرد أن منحت الحكومة المؤسسة الاقتصادية امتيازات خاصة نجحت في الحد من تفاقم أزمة الدقيق، بل كسرت الأسعار، وأرغمت الآخرين على السير وراءها. وفي الحقيقة لم يكن ذلك سبباً وحيداً لظاهرة الاحتكار المطلق، بل إن ضعف الجهاز الرقابي التمويني، وعدم وضوح آليات عمله، وغياب مساهمة المجتمع المدني في الرقابة الاقتصادية ساعد على فتح أبواب السوق اليمني للمضاربات غير المشروعة، والاحتكار غير القانوني، طالما وأن الجهة المتلاعبة لا تجد من يقاضيها ولا القوانين التي تسمح بمقاضاتها ووقف تلاعبها. إن هذه المشاكل التي ظهرت بوضوح منذ ما يزيد عن العامين، ورغم ما ترتبت عنها من مضاعفات سياسية زادت الأوضاع سوءاً، إلا انها ظلت بغير علاج، ولم تتبنَ الوزارة المعنية أية مبادرات تحسباً لتجارب مستقبلية مماثلة.. وبالتالي فإن البوادر المبكرة التي ظهرت بعد كسب الحكومة قرار المحكمة الدستورية تنذر بأزمات سعرية حادة، مبنية على ردود فعل انتقامية، وسيكون توقيتها هو الأسوأ على الاطلاق لكونه يتزامن مع الانتخابات البرلمانية، وحتماً ستتحول إلى رهان الطرف المعارض في أي توجه يعتزم تبنيه. فيا ترى هل بوسع الحكومة حفظ توازن السوق، وتجنيب البلد أي تبعات سياسية للأزمة السعرية التي بدأت تقرع الاجراس بصوت عالٍ!!؟.