مع أننا دائماً نقول : ليست كل تجارب الآخرين صالحة لبلداننا، إلا أن الغريب هو عندما تكون تلك التجارب صالحة، ولا نجيد نقلها، أو نتشبث بجزء منها ونترك أهم أجزائها كما هو حالنا مع بعض التجارب الاقتصادية. ما تقوله الحكومة بشأن الارتفاع العالمي للأسعار صحيح مائة في المائة، لكن الزيادات السعرية التي يشهدها السوق اليمني هي الأمر غير الصحيح والذي لا يمت بصلة لمعدلات الزيادة العالمية.. والمفارقة ان يعترف وزير التجارة والصناعة بأن «البيض» لم يشهد أي زيادة في السوق الخارجية لكن التجار تداعوا فيما بينهم البين واتفقوا على رفع أسعاره.. ومع هذا فإن وزارته تقف لا حول ولا قوة لها في منع التلاعب بقوت المواطن .. !! في التسعينيات تبنت الدولة خصخصة العديد من منشآت القطاع العام على طريق التحول إلى «السوق المفتوح» الذي تحكمه المنافسة، وهي تجربة ناجحة في أوروبا، والأمريكيتين وبعض دول آسيا، إلا أنها عندنا تعثرت كثيراً ولم تستفد الدولة كثيراً من موارد الخصخصة لأنها باعت تلك المنشآت كما يباع «السكراب» وبرخص التراب.. فالقائمون على تنفيذ الخصخصة تناسوا عملية إعادة التأهيل والإصلاح لهذه المنشآت قبل البيع لجعل سعر البيع مرتفعاً. ويبدو أن الحال نفسه يتكرر مع تحول اليمن، إلى سياسة السوق المفتوح، والمنافسة الحرة.. فمثل هذا الخيار يستدعي أولاً تهيئة البيئة المناسبة خاصة من الناحية التشريعية لضمان إنسيابية النشاط الاقتصادي، وتفادي الطفرات المفاجئة، والاحتكار المطلق والمضاربات التجارية والمالية غير المشروعة. لكن ما حدث في اليمن كان يفتقر للكثير من التخطيط، والتشريع، والتنظيم، والحماية.. وهو الأمر الذي فتح السوق اليمنية على هيمنة رؤوس الأموال الكبيرة التي يصعب منافستها أو مجاراة نفوذها التجاري، في نفس الوقت الذي تحظى بامتيازات خاصة تضعف فرص التكافؤ! كما ان التنافس المأمول، الذي كان يعول عليه الانعكاس إيجابياً على الحالة السعرية لم يتحقق، بل حدث العكس منه تماماً، إذ إن الاطراف المتنافسة غالباً ما كانت تتوافق مع بعضها البعض، بعيداً عن روح المنافسة المرجوة، ففرضت سياستها السعرية كأمر واقع لا قبيل للدولة باعتراضه، وهو الأمر الذي ظل يضطرها للتنازل عن جزء أو كل الضرائب والرسوم الجمركية، والحقوق الأخرى، كنوع من الامتيازات التي تقدمها للحد من اختلالات السوق التجارية التي في حال حدوثها تتسبب بأضرار بالغة للحالة المعيشية للوطن.. وبهذا المخرج كانت الدولة هي من يدفع ثمن الانفتاح غير المقنن بتقلص موارد الدخل القومي، وإضعاف قدرات الإنفاق الحكومي. إن ما يعانيه السوق المحلي اليمني اليوم هو انعكاس لضعف دور الدولة داخل هذه السوق، وتقاعس الجهات المعنية عن ممارسة صلاحياتها، وتطبيق التشريعات القائمة، أو وضع الآليات المناسبة للتعاطي مع المتغيرات المرحلية للسوق.. فظل السعر الدولي للسلعة معياراً غائباً عن قياس الزيادات السعرية المحلية، كما ظل التوصيف النوعي للسلعة أمراً لا يثير اكتراث احد، فيما ظلت المنتجات الوطنية تفتقر للحد الأدنى من الحماية والتشجيع، وبالتالي فإن إمكانية ارتفاع الأسعار أو اختفاء بعض السلع أصبحت أمراً متوقعاً حدوثه في أي لحظة كانت.