تميز الإسلام بالقدرة على تجديد ذاته وامتلاك أدوات للدفاع ضد أي خطر يتهدده وهو وإن كان محفوظاً في أصول عقيدته من الله تعالى القائل(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فإن ذلك لايعني عدم ظهور انحرافات في المجتمع الإسلامي. ومعلوم أنه إذا استفحلت هذه الانحرافات فإنها لابد أن تؤثر سلباً على التدين وبالتالي على المجتمع وعاداته. لذا فقد جعل الله عز وجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً على جميع المسلمين قال تعالى( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وأكثر المفسرين يقول بأن«من» في قوله تعالى «منكم» هي للبيان وليس للتبعيض كما قد يتوهم البعض ومن ذلك قوله تعالى( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور) ولايعقل أن يكون الاجتناب بالبعض من الأوثان. أما الحديث فقد أوجب تغيير المنكر قال عليه الصلاة والسلام( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه....) والحديث الشريف بيّن طرق تغيير المنكر ودرجاته. والنصوص السابقة توجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل مسلم وهو على الدولة الإسلامية أوجب قال تعالى (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) وفي النظام الإسلامي قديماً كان المحتسب الذي يعينه الحاكم او الوالي يتولى مراقبة الانحرافات التي تحدث بمساعدة أعوانه وله سلطة توقيع العقوبة. وهو وأعوانه الذين لهم الحق في تغيير المنكر باليد أما بقية طرق التغيير فهي من حق كل فرد من الأفراد بشرط ألا يؤدي إلى منكر أكبر من المنكر المراد تغييره. لأن القاعدة الفقهية تقول «دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح» أو قاعدة «أخف الضررين» ولايجب حصر مفهوم المنكر والمعروف في الجانب الأخلاقي فقط كما قد يفهم البعض فلا بد من توضيح المقصود بذلك ( فالمنكر ماأنكره الشرع والمعروف ماعرفه الشرع). وهناك من المنكرات مالم يرد لها توصيف في الشرع فيكون للعقل والعرف توصيفه بما لايناقض الشرع الصحيح. وقد كثر الحديث حول مسألة إشهار هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين مؤيد لها ومعارض وحتى الذين يعتزمون إشهارها اختاروا لها اسماً غير الهيئة حتى تتميز عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بعض الدول المجاورة ولا أرى غضاضة في الاسم فقد ورد بالنص في القرآن والسنة، المهم هو الممارسة والابتعاد عن السلبيات وتتبع عورات الناس فكما أمر الإسلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد نهى أيضاً عن التجسس وتتبع العورات ففي الحديث( من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. بقى أن نقول إننا بحاجة ماسة لإحياء هذا الواجب وثقافته بعد أن عشنا زمناً ثقافة ( وأنا مالي) و( خليك جنب الحيط) و(مالك دعوى بالناس) فكثير من بلاطجة الشوارع لاينفع معهم الوعظ والإرشاد فقط وكذا المرتشين والفاسدين والمنكر لايقتصر على سكران في الشارع أو معاكس للنساء وإنما يشمل أيضاً الذي يرمي القمامة في غير محلها يرتكب منكراً والذي يعكس خط السير يرتكب منكراً والذي يبتز الناس ويشاركهم قوتهم بالقوة ويأخذ الإتاوات يرتكب منكراً صحيح أن هناك جهات ضبط رسمية تتولى ذلك ولكنها لاتكفي في أغلب الأحوال كما أن بعضها لايقوم بواجبه. أما الخائفون من قيام مثل هذه الهيئة فصنفان: أحدهما: هم الذين يشفقون على الناس من تعسف الهيئة-حال قيامها- في استعمال هذا الحق ويصبح الناس في ضيق ونكد فوق ماهم فيه فيضيق هامش الحرية باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وربما تصدى لهذا الواجب من لاعلم لهم بمفهوم المعروف والمنكر ولاشروطه أو يخضعون ذلك المفهوم لاجتهاداتهم الشخصية فلهؤلاء المشفقين الحق في أن يطمئنوا بحيث توضع الضوابط الكفيلة لعمل الهيئة وعدم انحرافها عن مسارها الذي ظهرت لأجله وحتى لاتتحول الهيئة إلى أداة قهر وقمع للحريات فيتعكر السلم الاجتماعي.وتصبح الهيئة مشكلة بحاجة إلى تغيير. أما الصنف الثاني: فهم أولئك الذين يحبون أن تشيع الفوضى والبلوى داخل المجتمع ولهم نيات منكرة أو يتعاطون المنكرات وربما رفعوا أصواتهم ولطموا الخدود وشقوا الجيوب حزناً على الحرية الشخصية، فالمدرس الذي يحضر قاعة المدرسة سكران هو في حرية شخصية وافتتاح «بارBAR» أمر عادي وكذا سب الله ورسوله!!، وربما صرخ البعض أن وجود مثل هذه الهيئة عودة إلى التخلف «والعصور الوسطى» وظلامية وإرهاب.. الخ.المصطلحات التي أصبحنا ندفع بها إذا ظهرت دعوة إلى الفضيلة والقيم المثلى مثل هؤلاء سيتضررون حيث سيحد من نشاطهم ويؤثر على فوضويتهم التي يسمونها حرية وما علم هؤلاء أن الحرية هي «المسؤولية» بالدرجة الأولى. لهؤلاء نقول «إذا بليتم فاستتروا» يهديكم الله.وقرأت في بعض الصحف عن جني الحديدة الذي يغير المنكر وهذا الجني المفترى عليه أعرفه شخصياً لا يغير منكراً باليد أبداً وإنما يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما سبه أحد وهو يُشهد عليه ثم تأتي المباحث وتأخذه وربما تاب ذلك المسكين وصلح حاله بعد التأديب وبدلاً من شكر الرجل فهناك من يعترض على إنكاره للمنكر بغير علم ولا تقصٍّ للحقائق والأولى أن يقلد مثل هذا وساماً، ولكن أصبح المنكر معروفاً عند البعض وللأسف. نسأل الله الهداية للجميع، والله من وراء القصد.