كثيراً ما يحضر الطير في الآداب الإنسانية بوصفه كائناً رشيقاً قادراً على الطيران والتحليق، ناظراً للأشياء من علو شاهق، وفي ذات الوقت أكثر الكائنات حساسية تجاه الأمطار والبروق والرعود وتقلبات الطبيعة، فالطير معروف بجسمه الرقيق، ونظامه الغذائي الدقيق، ومعيشته في البيئة الطبيعية، مما يجعله حالة مُختلفة عن كائنات المدن الأليفة المدجّنة، ومن الطريف أن تكون سلالات الطيور المنزلية فقدت قدرتها على الطيران بالتقادم والتماهي مع كينونتها المدينية الاسترخائية، ولعل أبرز مثال في هذا الصدد نراه في الدجاج، فيما نلاحظ الاختلاف النوعي بين الدجاج الاعتيادي والدجاج البري الذي يطير ويتسم بقدر كبير من الحيوية والنشاط، كما نرى ذات الفروق بين الماعز البري والماعز المدجّن الذي يتم تربيته في الحظائر. لم يكن اختيار الطير كرمز رديف الآداب الصوفية فحسب، بل نجد مثل هذا الاستخدام الرمزي بشكل كبير في الحضارات القديمة كالحضارة الفرعونية والحضارة السبئية في اليمن، كما نجد أن هيئة الطير كانت ترميزاً للملك تارة وللمكانة الدينية تارة أخرى، فقد كانت التماثيل القديمة الموروثة من تلك الحضارات تستخدم الطير في التعبير عن القوة والمنعة، كما وجدت مومياوات الفراعنة المحنطة وقد اعتلى الطير كامل جسدها. غير أن المتصوفة أسبغوا على الطير أبعاداً دلالية موازية للنصوص التي تفسر رؤيتهم للوجود وما وراء الوجود ، وهكذا فإنه ليس من المصادفة أن يشبه « أبو يزيد البسطامي » نفسه بطير يحمل جناحين من الديمومة، وجسم من الأبدية، فيطير في هواء الكيفية، ثم في هواء السببية، مع إقراره بأنه إنما كان يحلم فحسب !!، وليس غريباً أيضا أن يعنون الإمام محمد بن محمد حامد الغزالي أحد رسائله باسم «رسالة الطير» ، وهي الرسالة التي تذكرنا بالفكرة الشاملة التي ذهب إليها « فريد الدين العطار » في نصه الطويل بعنوان «منطق الطير». الاستنتاج الأساسي المرتبط برمزية الطير بالمعنى الذي ذهبنا إليه يجافي تلك الرموز التي دأبت الدول على استخدامها وخاصة النسور الجارحة والطيور المفترسة مما نراه في شعارات العديد من الدول وخاصة الولاياتالمتحدة وألمانيا، وحتى الدول العربية التي تضع النسر كشعار لها. واضح تماماً أن الطير لا يحقق التوازن الجمالي والمثال في السمو فقط، بل أيضاً القوة والقدرة، مما يفسر مكانة الصقر الجارح في عالم الطيور .