الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام يحقق غاية عظيمة، وهو الخوف على الذي يزاول المنكر وعلى الذي لا يُحسن أداء المعروف أو لا يقوم به أو لا يعرف حدود ما ينبغي أن يقوم به. نعم هو الخوف على الذي يخالف الشريعة أو الذي لا يعرف ماهي الشريعة، الخوف عليه من أن يكون خارج صف المسلمين في الدنيا أو يكون خارج الجنة يوم القيامة!. وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذا النحو ووفق هذا المفهوم رحمة خالصة؛ فلابد أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رحمة خالصة، فلا يكون هناك تعنيف في النهي عن المنكر ولا تعالٍ وغرور وكبر في الأمر بالمعروف، وفي رسول الله أسوة حسنة. لقد جاء أحد أفراد المسلمين ممن هم حديثو عهد بإسلام، فأخذ ناحية من نواحي المسجد فبال، فأقبل بعض الصحابة ينكرون بشيء من لوم وتعنيف على هذا المسلم المحدث، فكان أن سمعهم سيدنا نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام فأشار عليهم أن يدعوه يكمل بولته. فلما أكمل ظن بعض الصحابة أن الرسول سوف يلزمه حكماً معيناً، غير أنه أمر أصحابه أن يحضروا ذنوباً «إناء ماء» يصبوا على موضع البول!!. وهكذا فإن الدعوة إلى إزالة المنكر أو النهي عنه إذا لم يؤديا بأسلوب رحيم قد يدفعا المدعو إلى منكر أشد نكراً وفظاظة، لأن النفس البشرية فطرت على الاعتداد بالأنا وادعاء الكمال مهما كان الإنسان جاهلاً أو ناقص علم ودين وخُلق وحسن تهذيب. والحق أن الدعوة تقوم في مفهوم الإسلام ووفق أحكامه على الاختصاص ولم يكلف إنسان بالدعوة، بل هناك فريق خاص له علم ومعرفة بأحوال الناس ومعرفة بطبائعهم ومعطيات بيئتهم، حتى يتسنى له إيصال الدين إلى أعماقهم بحب ورغبة. يقول الله تعالى: «فلو لا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم» فهو أولاً يأمر هذا الفريق بالتعلم والإلمام بالاختصاص؛ حتى إذا ما فقهوا وعرفوا الأحوال وألموا بالفروع والأصول عادوا ليبلغوا شريعة الله. أما من جاء وصعد المنبر أو كون فريقاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون حجة وعلى غير بصيرة، فإن النتيجة ستكون سلباً مفسداً وستؤدي إلى عواقب وخيمة.