بداية يطيب لي بأن أبعث بأجمل التهاني للقراء الأعزاء بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك الذي أحيط بجملة من الفضائل والمكرمات والمنح الإلهية التي جعلت منه شهراً ذا خصوصية روحانية يكاد ينفرد بها على غيره من الشهور. ففيه أنزل القرآن الكريم وفرضت الصلاة والزكاة وسطر المسلمون أبهى وأنصع صفحات البطولة والشجاعة والإقدام في عدد من المعارك والغزوات في عهد الرسول الخاتم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. وفي عهد الصحابة الأجلاء والتابعين من بعده والتي انتصر فيها المسلمون وارتفعت راية الإسلام خفاقة في رحاب هذا الشهر الفضيل الذي من صامه إيماناً واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه والكثير الكثير من الفضائل التي اختص بها هذا الشهر الذي هو شهر الله مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه في الحديث القدسي عن المولى عز وجل «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» والتي سنحاول تسليط الضوء عليها بشيء من التفصيل في تناولات قادمة بإذن الله. ومانحن بصدد الحديث عنه اليوم هي الاستعدادات التي قامت بها القنوات الفضائية العربية على طريق استقبالها لهذا الشهر الفضيل والتي امتد بعضها زهاء العام تقريباً والتي تتركز بدرجة أساسية على إنتاج المسلسلات التلفزيونية والبرامج المسابقاتية الرمضانية بأشكالها وأساليبها المختلفة والكم القليل من البرامج الدينية والتي تم إنتاجها على مايبدو كي لايقال إن هذه القناة أو تلك لايوجد فيها برنامج ديني - يتخلل الخارطة البرامجية لهذه القنوات - المستمر والمتواصل على مدى 42 ساعة دون توقف حيث تصاب بالحسرة والأسى وأن تقرأ في إحدى الصحف العربية المهتمة بالقضايا الفنية أن صاحب القناة الفضائية «س» دخل في رهان مع صاحب القناة الفضائية «ص» حول من يظفر بالحقوق الحصرية لعرض المسلسل العربي الجديد من أجل كسب أكبر عدد ممكن من المشاهدين في رمضان والكارثة الأدهى عندما تسمع عن المبلغ الذي دفعه صاحبنا «العربي» من أجل شراء هذا المسلسل الذي في الغالب مايكون هش المضمون مفتقداً للرسالة الإعلامية الهادفة المتوخاة من مشاهدة هذه المسلسلات وتجد القنوات الفضائية قبيل رمضان تتباهى بإعلاناتها عن عرضها لعدد من المسلسلات والبرامج وبشكل حصري وكأن المواطن العربي طوال هذا الشهر ليس له من اهتمام أو متابعة إلا للقنوات الفضائية وماتعرضه من برامج ومسلسلات وكأن القائمين على هذه القنوات يعمدون إلى أن يغرسوا في عقول وأفئدة الصائمين على امتداد الوطن العربي الكبير بأن شهر رمضان المبارك هو شهر خاص بالمسلسلات والبرامج الرمضانية وهو فعلاً مايقوم الكثير من الصائمين بتطبيقه على أرض الواقع دون النظر إلى خصوصية هذا الشهر وضرورة التعاطي مع رسالة التلفزيون خلاله بما يتناسب وهذه الخصوصية وبمالايجرح الصوم ويذهب عن الصائمين الجزاء الوفير الذي يمنحه المولى عز وجل للصائمين له على الطريقة المحمدية في ضوء إرشاداته النبوية، وأنا هنا لست بمفتي أشرعن للمسلسلات أو أحرمها ولكني هنا آمل أن تعمل القنوات الفضائية العربية على أن توظف رسالتها الإعلامية التي يصل مداها إلى كل بقاع العالم خلال شهر رمضان من خلال التركيز بدرجة أساسية على توضيح أهمية الصيام وفوائده ونشر فضائله وإنتاج البرامج والمسلسلات التاريخية التي تعطي للعالم أجمع صورة واقعية عن الإسلام والمسلمين في عهد الرسول الأعظم والصحابة والتابعين والحرص على مخاطبة الشعوب غير المسلمة بلغتها من خلال البرامج الدعوية المترجمة. ولابأس في إنتاج مسلسلات درامية تعالج الكثير من القضايا المجتمعية ولكن شريطة أن تكون هذه البرامج والمسلسلات خالية من المشاهد والصور التي ينبغي على الصائم الابتعاد عنها على اعتبار أن الفن رسالة تبني ولاتهدم وتهذب ولاتمسخ، وتنفع ولاتضر وأعتقد والعلم عند الله أن الكثير من المسلسلات والبرامج التي تعرضها بعض القنوات الفضائية العربية صارت عملية مشاهدتها في حكم المكروه على أقل تقدير في بعضها فيما أضحت حراماً شرعاً في البعض الآخر، ومع ذلك نجد أنفسنا ملزمين بتوجيه كل عبارات الشكر والعرفان للقائمين على الكثير من القنوات ذات التوجه والطابع الديني القائمة على الوسطية والاعتدال والسماحة والتي تمثل الملاذ الآمن لكثير من الصائمين خلال شهر رمضان المبارك للهروب من أدران المسلسلات والبرامج الهابطة والتي تفسد الصيام والصائمين وتحرمهم من الاستمتاع باللحظات والأوقات الإيمانية الرمضانية والتي لاتتجلى إلا بطاعة الله والإقبال عليه بالأعمال الصالحة ورمضان كريم وكل عام والجميع بألف خير وفي صحة وسلامة.